"بنت العزيز" في نقابة الصحفيين

29-5-2023 | 12:43

الجدل الأزلي القائم بين سلالة آدم وعشيرة حواء لا ينتهي، تراشق بالتهم في محاولة لإيجاد شماعة تحتمل الأسباب المهلهلة في محاولة بائسة لتفسير الشروخ القائمة في العلاقات بين الجنسين، وكأن التقصير عليك هو المكتوب يا ولدي!

هذا ما حدث فوق بلاط صاحبة الجلالة في قلعة الحريات "نقابة الصحفيين" على هامش ندوة أدبية أقيمت لمناقشة روايتى "بنت العزيز"، حين توقفنا عند فكرة "الأثر" الذي يتركه الأب في نفس ابنته، وكأنه بمثابة سياج منيع يحول بينها وبين تقبلها لأي نموذج مختلف لرجل آخر في حياتها، تحدثت الإعلامية هبة رشوان قائلة إن معظم الرجال لا يعيرون اهتمامًا بالخلفية الأبوية أو بالاحتياجات الحقيقية للمرأة، بينما تحدث والدها الفنان رشوان توفيق عن علاقة الحب الخالدة التى جمعته بزوجته حتى بعد رحيلها، وكيف يراها في كل تفاصيل محيطه الإجتماعي والحيوي، بينما رأى الفنان محمود عامر أن العديد من الأسر تفتقد فكرة "الطبطبة" أو "الاحتواء" بين كل الأطراف، في حين أثار هذا النقاش حفيظة الكاتب الصحفي والروائي أشرف عبدالشافي الذي رأي أن الزوج مظلوم دائمًا؛ لأنه مقيد بنموذج معين تركه الأب دون أن يعلم الزوج أية ملامح عنه، وهو غير مطالب أن يمضي قدمًا على نفس الخطى الأبوية.

ووسط هذا النقاش الدافئ نضحت عدة تساؤلات على رأسها: من المؤثر الحقيقي هل الأب أم  الابنة؟ أم هي علاقة تأثير تبادلية؟ وهل يتحول هذا الأثر إلى لعنة تطارد الآن الأنثى مدى الحياة، وكأنها طلاسم تحتاج إلى فك شفرتها كحجر رشيد؟
وركزت الرواية على الأثر الذى يتركه أي شخص فى نفس آخر، هو ما يمنحه لقب «العزيز».. عزيز على القلب والروح والأفكار، عزيز على الحياة والأيام، وعندما يترك الأب أثرًا كبيرًا فى قلب وعقل ابنته فإنه يترك بصمته عليها، وعندما يختطفه الموت تظل تبحث عنه فى كل الأشخاص الذين تلتقيهم فى رحلة الحياة.

وتدور أحداث رواية "بنت العزيز"حول ياسمين الفتاة الرقيقة التى ارتبطت بوالدها الذى منحها كل شئ وترك فى نفسها أثرًا كبيرًا، وعندما توفي بشكل مفاجئ، وهى فى السادسة عشرة من عمرها، بقيت طوال حياتها تبحث عن شخصية هذا الأب الحنون العطوف الذى كان يحتويها دائما، فى كل من التقتهم من زوجها الذى اقترنت به وهى صغيرة، وأقاربها وأصدقائها وكل رفاق رحلة الحياة، ولكنها لا تجد الاحتواء الذى تبحث عنه خلال مسيرة الحياة، بعد أحداث درامية كثيرة مرت بها، مما زاد من شعورها بالعزلة والوحدة وسط الزحام، وارتفع منسوب القلق من المجهول.. وتطور الأمر إلى أن أصيبت بـ "نوسوفوبيا" وهو خوف من المرض بشكل مرضي، ربما لأنها أصبحت في نفس المرحلة العمرية التي مرض فيها والدها "عزيز" بلا مقدمات ثم رحل فجأة.. ولكنها استكملت رحلتها في البحث عن الحب العزيز الذي امتلأت به ولم تجده في كل من حولها.. فهل سيبقى الوضع كما هو عليه.. أم ستتحطم أقنعتها وتتحرر رغباتها.. فمازالت تمتلك من الشغف ما يفيض ليغرق قارتين، بحثًا عن بائع الياسمين وسط شوارع المدينة التى لونتها رياح الخماسين احتفالا بقدوم الخريف الذي يمنح أوراق الكافور تأشيرة هجرة من غصونه لتحتضنه الأرض وتتناثره الأعاصير.

والحقيقة أنني أرى أنه لابد من إنهاء تلك الحالة الجدلية ووأد هذا الصراع القائم بين شقي التفاحة (آدم وحواء) فلن يكتمل أحدهما بمفرده ويظل معتل الآخر دون اندماجه وتكامله مع نصفه الآخر حتى يصيرا واحدًا صحيحًا، فلا غنى عن الرجل في حياة المرأة؛ سواء كان أبًا أو أخًا أو ابنًا أو صديقًا أو زوجًا أو حبيبًا ويا حبذا لو اجتمع كل هؤلاء في شخص واحد، وهكذا الحال بالنسبة للرجل فهو دائمًا ما يبحث عن أنثى تساوي حاصل جمع كل إناث الأرض في جسد واحد بقلب واحد، إذن فالعلاقة تكاملية بحتة، وقد تصل لما يشبه العلاقة الفاضلة على غرار اليوتوبيا او المدينة الفاضلة لأفلاطون، حين يترك كلاهما أثره في نفس الآخر ووجدانه، وهكذا هو الشخص العزيز الذي يمحو  أثره الزمان أو المكان.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: