في العرف السياسي تمثل مؤسسات الدولة الركيزة الأساسية للحفاظ على أمنها واستقرارها، وأن حدوث أي خلل في تلك المؤسسات سوف يؤدي دون شك إلى انهيار الدولة بصورة يصعب معها الحفاظ على وحدة تلك الدولة وتماسكها وإعادتها إلى وضعها الطبيعي مرة أخرى وهناك نماذج كثيرة لذلك.
ومن هذا المنطلق الواقعي والعلمي في آن واحد جاءت تأكيدات الرئيس عبدالفتاح السيسي بوجوب الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية في السودان التي تعد الضمانة الأساسية لحماية الدولة من خطر الانهيار.
ولذا فإن كافة الجهود الدولية والإقليمية فيما يتعلق بالشأن السوداني لابد وأن تصب في تلك الخانة "خانة الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية" والبعد كل البعد عن التلاعب بتلك المؤسسات أو استغلال الأوضاع الصعبة للشعب السوداني الشقيق من قبل بعض الأطراف الإقليمية التي لا ترى سوى مصالحها الضيقة فقط، دون النظر لمصالح الآخرين أو مصالح السودانيين أنفسهم؛ بل سعي تلك الأطراف لتأجيج الأوضاع في النزاع وبث الفتنة بين طرفي النزاع في السودان والسعي لهدم مؤسسات الدولة السودانية.
والمؤكد إن الجهود التي تبذلها مصر لوقف النزاع السوداني بوصفها دولة الجوار الأهم بالنسبة للسودان والسودانيين؛ حيث تستضيف مصر 5 ملايين سوداني يعيشون ويتعاملون نفس معاملة المصريين، بالإضافة إلى أكثر من 150 ألف سوداني دخلوا مصر منذ اندلاع الأزمة في السودان الشقيق، تنطلق تلك الجهود من الإستراتيجية المصرية الراسخة بأهمية وحتمية تحقيق الأمن والاستقرار في دول الجوار؛ بل وفي القارة الإفريقية، وبالتالي فإن تلك الجهود تتكامل مع مختلف المسارات الإقليمية ذات الصلة بما فيها الجهود التي يقوم بها الاتحاد الإفريقي وتبذلها جامعة الدول العربية أيضًا.
ولا شك أن تأكيد الرئيس السيسي – خلال كلمته أمس أثناء مشاركته – عبر تقنية "الفيديو كونفراس" في اجتماع مجلس السلم والأمن الإفريقي والتي عقدت لبحث الأزمة الراهنة في السودان وبحضور عدد من رؤساء الدول والحكومات الأفارقة وعلى رأسهم الرئيس يوري موسيفيني رئيس أوغندا الرئيس الحالي لمجلس السلم والأمن بالإضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي وأمين عام جامعة الدول العربية وسكرتير عام منظمة "إيجاد" ومبعوثة السكرتير العام للأمم المتحدة للقرن الإفريقي "على احترام مصر إرادة الشعب السوداني وعدم التدخل في شئونه الداخلية وضرورة عدم السماح بالتدخلات الخارجية في أزمته الراهنة" جاءت بمثابة رسالة قوية وواضحة لكافة الأطراف سواء الدولية أو الإقليمية بضرورة تغليب مصلحة الشعب السوداني والسعي لتحقيق أمن واستقرار السودان بعيدًا عن التدخل في شئونه الداخلية والتأكيد على أن النزاع يخص السودانيين أنفسهم دون غيرهم.
ويقينًا فإن المشاورات والاتصالات المكثفة التي تقوم بها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وغيرها من الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة تتكامل مع الجهود التي تبذلها مصر في هذا الملف الحيوي والإستراتيجي بالنسبة لنا، خاصة وأن "الهدنة الحالية" واستمرارها أصبح ضرورة حتمية للسيطرة على الأوضاع المتردية في الشارع السوداني والتي حولت حياة السودانيين إلى جحيم وزادت بشكل كبير من أزمتهم ومعاناتهم الاقتصادية الموجودة بالفعل.
وأعتقد أن استمرار الهدنة سوف يصب في صالح استمرار المفاوضات بين طرفي النزاع وأهمية البحث عن مخرج حقيقي لتلك الأزمة التي أدت إلى حدوث فوضى أمنية في البلاد، وبالتالي فإن الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، وبالطبع الأمم المتحدة تقع عليها جميعًا عبء دعم الجهود المصرية المخلصة، بالإضافة إلى تعزيز الجهود الإقليمية الأخرى التي تهدف إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار يستند إلى محددات وثوابت واضحة في مقدمتها الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، وبالتالي صيانة أمن واستقرار السودان والسعي لاعتماد آلية خفض التصعيد التي تمت صياغتها بمعرفة دول الجوار وبرعاية الاتحاد الإفريقي.
[email protected]