طفت على سطح الأخبار شائعة عن وفاته بأزمة قلبية، تلقفتها وسائل التواصل الاجتماعى، شامتة، لاعنة، مرحبة بالخلاص من الملياردير مجرى الأصل، أمريكى الجنسية، جورج سوروس.
شائعة الوفاة الجديدة لم تكن الأولى، سبقتها شائعة عام 2013، أى قبل عشر سنوات، وهذه الشائعات المتمنية تظهر فى كبريات الصحف العالمية، إلى درجة أن "رويتر" نشرت تقريرًا شاملًا عن وفاته قبل سنوات، ثم اعتذرت بعد أن ثبت أنه لا يزال حيًا يرزق.
الصحافة العالمية لا تفوت الفرصة، حين يظهر أى خبر يتعلق بسوروس، حتى لو كان متعلقًا بالدار الآخرة، تذهب بعيدًا، تنقب فى تاريخه الدامى، وبعض المحققين الثقات يصبون لعناتهم على فيلسوف المجتمع المفتوح نمساوى الأصل بريطانى الجنسية، كارل بوبر، فقد كان أستاذه ومعلمه الأصلى.
تاريخ سوروس الذى ولد فى 12 أغسطس، من عام 193، فى المجر، يطفو فوق أمواج من الفضائح السياسية والمالية الكبرى، وصولا إلى دوره في ربيع براغ، وتفتيت الاتحاد السوفيتى، والعبث بدول أوروبا الشرقية، وملاحقة بقاياها بالثورات الملونة من يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا إلى جورجيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء والصين وروسيا الاتحادية، نهاية بالثورات الملونة التى ضربت دول الإقليم العربى منذ 2011 إلى الآن، ولم تسلم من ألعابه أمريكا التى أعطته الجنسية والنفوذ والمال، فمن خلال منظمته المسماة بالمجتمع المفتوح يخلط أوراقها ومصائرها المحلية والعالمية، وكان لديه أعضاء من الشرق الأوسط، وقد كانوا بمثابة الأوتاد التى تقف على رءوسهم الفوضى، وهدم المجتمعات والشعوب.
الغريب أنه في بداية عهد الرئيس الجمهورى دونالد ترامب، واصل لعبته الخطيرة مع رئيس الولايات المتحدة، بوصفه قادما من خارج صندوق سوروس، مما جعل 62 ألف أمريكى يوقعون على وثيقة موجهة إلى الرئيس ترامب عام 2017، يطالبون فيها بطرد سوروس من الولايات المتحدة، ونزع الجنسية عنه، وملاحقته بتهم إرهابية.
جاءت تغريدة لإيلون ماسك، قائد تسلا، وصاحب تويتر، دليلا على دور الرجل الغامض، فقد كتب تغريدة شديدة الدلالة عن سوروس، جاء فيها : «عتقدون أن لديه نيات حسنة، ليس كذلك، فهو يريد تدمير نسيج الحضارة ويكره البشرية».
ذات مرة هاجمه الرئيس المجرى فيكتور أوربان، فواجه الرجل حملة إعلامية منظمة من أذرع سوروس الخفية فى الإعلام، وهى أذرع جاهزة للانقضاض على كل من يقترب من أسواره السحرية.
إنه سؤال شائك، كيف لشخص من الطبقة المتوسطة فى المجر، يولد لأب محام، يذهب إلى إنجلترا عام 1947 ملتحقا بكلية لندن للاقتصاد التى تضم طلابًا من العائلات الثرية، ليحصل منها على درجة البكالوريوس فى الفلسفة عام 1951، ثم الدكتوراه فى نفس الفلسفة، ويسجل كأفقر طالب فى تلك الكلية النخبوية، ثم يعمل فى بنك بريطانى، ويتحول إلى سمسار مالى بعد هجرته إلى نيويورك عام 1956، فيصبح ما هو عليه الآن، يحرك الخيوط من وراء ستار!
يبدو أن لقاءه بأفكار الفيلسوف النمساوى كارل بوبر، المسماة بالمجتمع المفتوح، هى التى قادته إلى هذا الطريق المفتوح إلى الأبد، طريق الفوضى المستمرة، وخلط المجتمعات والدول، على أن يقودها حلف الناتو، بزعامة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى، على أن تكون شعوب أوروبا الشرقية، السوفيتية السابقة، هي مسرح العمليات، وبالتحديد أوكرانيا.
الغريب أن سوروس كتب مقالا قبل ثلاثين عاما، تنبأ فيه بالحرب الروسية - الأوكرانية كما تحدث حاليًا، كاشفا أن أوكرانيا ستكون مسرح العمليات، وأن الغرب سيعمل على إمدادها بالأسلحة والذخائر، وتوقع أن يتوسع الناتو شرقاً ليستحوذ على أوروبا الشرقية، وهو ما يجرى الآن.
فى اعتقادى أن سوروس لم يكن يتنبأ، بل هو يقرأ من أوراق إستراتيجية مخططة، تبدو كالنبوءات، وشائعة وفاته الحالية، تندرج تحت باب النبوءات الغامضة، فلنفكر عكسيًا ما الذى يجرى فى ظلال انتشار هذه الشائعة؟