تم كشف المزيد عن الزرافة، ذلك الحيوان الرائع والفريد خلال تناول وعرض مناظر الزرافة خلال فترات التاريخ المصري القديم، بدءًا من عصور ما قبل التاريخ وحتى نهاية العصر البطلمي؛ مما أتاح كشف بعض الغموض عن الزراف في مصر القديمة.
موضوعات مقترحة
بدورها تؤكد الباحثة برديس سمير سيد أحمد - مفتش آثار بالمتحف الكبير في دراستها الجامعية عن الزرافة، بأن الزراف كانت حيوانات أصيلة متواجدة في البيئة المصرية، في عصور ما قبل التاريخ وبصورة كبيرة جدًا، وذلك نظرًا للظروف المناخية التي تشبه بيئة السافانا الإفريقية مع وجود مصادر دائمة للمياه، والتي سمحت لهذا الحيوان بالتعايش بشكل طبيعي، لكن مع دخول مصر فترات بداية الأسرات وما بعدها، كانت هناك تغيرات مناخية وبيئية، حيث توقفت الأمطار وقلت الغابات والأشجار وهي الغذاء الرئيسي؛ مما أدى إلى نزوح الزرافة إلى مناطق الجنوب، حيث كانت لا تزال الظروف المناخية بها ملائمة لكي تتمكن الزرافة من العيش والاستمرار في الحياة.
ومن خلال دراسة طبيعة وبيئة حيوان الزراف، لمعرفة كيف نظر لها المصري القديم، وما الذي جذب انتباهه في هذا الحيوان الكبير، حيث كانت تختلف رمزية كل حيوان في فكر الإنسان المصري القديم طبقًا لطبيعة كلٌ منها، تمكنا من معرفة أن طبيعة ذكور الزراف تختلف كثيرًا عن طبيعة الإناث، مما يُفسر سبب الرمزية المزدوجة للزراف في الفكر المصري القديم، فالذكر يُمثل القوة والشر، أما الإناث فقد ارتبطت بطقوس ورموز تُمثل الخصوبة والأمومة.
وأوضحت الدراسة كافة النصوص التي ورد بها لفظ الزرافة، وتبين أن الزرافة قد ارتبطت بلفظين في النصوص المصرية القديمة الأول هو"sr"، والذي كان يحمل معنيان، الأول اسم يعني الزرافة، والثاني كفعل يعني يتنبأ او يُعلن، وذلك لكون الزرافة هي أطول وأعلى حيوان على الأرض، وتستطيع رؤية الأشياء والأحداث قبل أي حد آخر.
أما اللفظ الثاني، فهو mmi" "، والذي اختلف ذكره من نص لآخر، وذلك يعود لأن هذا اللفظ ليس لفظًا مصريًا خالصًا، ولكنه يعود إلى أصول نوبية، ورغم قلة النصوص التي ورد بها ذكر الزرافة، إلا أنها كانت مثيرة للاهتمام، حيث تنوعت النصوص ما بين نصوص دنيوية، والتي كان أقدمها ذكر كلمة الزرافة في نص قصة الملاح الغريق، والذي أشار إلى جلب ذيول الزراف كهدية عظيمة إلى الملك، وهناك نصوص أخرى دينية تُشير إلى أهمية الزراف في مساعدة المتوفى في العبور إلى العالم الآخر وانضمامه إلى حقول أوزير أو حقول الإيارو.
ورغم اختفاء الزراف من الطبيعة المصرية خلال عصور الأسرات، إلا أن آثارها ومشاهدها قد استمرت على عدد من الآثار المصرية القديمة، ورغم قلة هذه الآثار إلى حٍد ما، إلا أنها تُشير إلى أن الزرافة كانت إحدى الحيوانات المفضلة لدى الفنان المصري القديم التي استخدمها في زخرفة بعض أدوات حياته اليومية، وكذلك على جدران المقابر والمعابد.
هذا وقد تعاملت الدراسة بتحليل وتتبع مناظر الزرافة وآثارها على مدى التاريخ المصري القديم، كيف كانت الزرافة كانت دومًا مرتبطة بسياق ملكي، وتبادل دبلوماسي، لذا يُمكن القول بأن مشاهد الزرافة وآثارها تُعد بوصلة ومؤشر لمعرفة مركز القوى والسلطة، ففي الدولة القديمة، كانت معظم آثارها قد تمركزت حول العاصمة منف الجيزة حاليًا، وخلال عصر الدولة الوسطى تمركزت معظم مشاهدها حول آثار الملك سنوسرت الأول ورجال عصره، مما يُشير إلى قوة عصر هذا الملك وتوسع الإمبراطورية المصرية خلال عهده.
وخلال عصر الدولة الحديثة، فقد تمركزت معظم مشاهد الزراف في العاصمة طيبة أو الأقصر حاليًا، ولأن الدولة الحديثة كانت أزهى فترات مصر القديمة، فقد ظهرت مشاهد الزراف فيها بقوة مقارنًة بفترات الدولة القديمة والوسطى.
أما خلال العصور المتأخرة كان هناك قلة ملحوظة لمشاهد الزراف، بالإضافة إلى أن مناظر الزراف وآثارها قد تناثرت شمالًا وجنوبًا، وهي فترة كانت مصر فيها بين مركزين قوى أحدهما في الشمال وآخر في الجنوب.
وخلال العصر البطلمي، لوحظ أن معظم مشاهد الزراف كانت تظهر في المعابد البطلمية مثل إدفو وفيلة، حيث اهتم الملوك البطالمة بالمعابد المصرية القديمة وتقدير معبوداتهم، هذا بالإضافة إلى انعدام مشاهد أو آثار تخص الزرافة خلال الفترات الانتقالية الثلاثة التي مرت بها مصر القديمة.
وألقت الدراسة الضوء على أهمية ذيل الزرافة، واعتباره كأحد الهدايا الثمينة المُهداة للملوك أو كونه أحد الممتلكات الخاصة بالمؤسسات الملكية، وكان هذا جليًّا من خلال النصوص التي ورد ذكرها، بالإضافة إلى مشاهد قدوم شعوب الجنوب وهو يجلبون ذيول الزرافة، وقد اقتصرت مشاهد جلب ذيول الزرافة فقط خلال فترة عصر الدولة الحديثة.
وتبين من خلال هذه الدراسة، أنه كانت محاولات متكررة لاستئناس الزراف خاصًة في عصور ما قبل التاريخ، إلا أنه يبدو أن هذه المحاولات لم يُكتب لها النجاح، خاصًة مع كِبر حجمها وارتفاعها الشاهق، واحتياج الزراف لظروف بيئية ومناخية خاصة تشبه طبيعة السافانا، بالإضافة إلى اختفاء الزراف من البيئة المصرية القديمة مع بداية عصور الأسرات، مما لم يتيح للمصري القديم الفرصة في أن يستمر في محاولات استئناسها وأن يُكتب لهذه المحاولات النجاح.
وتوضح الباحثة برديس سمير، أنه كانت هناك دراسة دينية تبين لنا من خلالها أن الزرافة قد ارتبطت بالشمس، واعتبارها إحدى حيوانات الشمس، وكونها حاملة للشمس وذلك لارتفاعها وقربها من السماء، مما جعلها حلقة وصل بين السماء والأرض، هذا بالإضافة إلى ارتباط الزرافة بالمعبود ست، وارتبطت الزرافة كذلك بصولجان الواس، واحتمالية أن رأس هذا الصولجان هو شكل رأس الزرافة.
هذا وقد قدمت الدراسة طرحًا جديًدا حول ارتباط الزرافة برمزية دينية جديدة لم يتم الإشارة إليها من قبل، وهو ارتباط الزرافة بالمعبود مين ارتباطًا واضحًا، لم يكن سيتبين إلا من خلال دراسة الزرافة وآثارها في مصر القديمة، حيث تكرر ظهور الزرافة إلى جانب رموز المعبود مين، أو حتى إلى جانب المعبود مين نفسه في هيئته الآدمية.
الجدير بالذكر أن مبادرة "واست" الأثرية أعلنت عن قيامها باستضافة الباحثة غدا الأربعاء، لإلقاء محاضرتها العلمية عن الزرافة.
نقوش الزراف على جدران المقابر والمعابد المصرية
نقوش الزراف على جدران المقابر والمعابد المصرية
نقوش الزراف على جدران المقابر والمعابد المصرية
الزراف على بعض المنحوتات المصرية القديمة
الزراف على بعض المنحوتات المصرية القديمة
الباحثة برديس سمير