22-5-2023 | 11:46

ترعرعنا على الخلطة السرية للعادات والتقاليد، وطالما حسبتها جعبة موروثات تتناقلها الأجيال، وكأنها ترسيخ للمبادئ والأخلاقيات المعتمدة والموثقة مجتمعيًا، دون النظر لأية تغيرات محلية أو عالمية، وما زاد الطين بلة النزح الثقافي المتنوع الذي تخلل شرقنا نتاجًا للتواصل الاجتماعي الذي حول العالم كله إلى قرية مترامية الأطراف، ولنا في هذا باع طويل من الكتابات، ولكن الأشد وطأة الآن هي تلك الموروثات المغلوطة التي عبأت أذننا منذ الصغر مثل "الراجل يتعرف من كلمته" والحقيقة أن الرجال أفعال لا مجرد أقوال وخصوصا بعد الحصول على تذاكر ثرثرة مجانية من خلال الشبكة العنكبوتية.

"الست ملهاش إلا جوزها وبيتها"، والأكيد أن الأيام أثبتت أن للمرأة مكانة مجتمعية ليست مرهونة بحالتها الاجتماعية، ولكن بتحملها المسئولية وخدمة وطنها وعلمها؛ فأصبحت المرأة معيلة، وبطلة رياضية عالمية؛ مثل نور الشربيني بطلة الإسكواش، ونجمة النادي الأهلي في تنس الطاولة هنا جودة.

ثم "مراية الحب عميا"، ولم تكن أبدًا كذلك؛ فالحب نور للقلوب، ونبراس للغد، ولو كان أعمى، كما يدعى البعض، لما رأينا عيوبا ولما اختلفنا مع من نحب، فضلا عن قصص الحب الكثيرة التي باءت بالفشل، وكيف تكون عمياء ومن أول أعراض الحب "لمعة العيون"؟! فكيف يكون البريق ظلامًا؟!

والمقولة الشهيرة "فاقد الشيء لا يعطيه"، والتجارب أكدت العكس تمامًا؛ لأن المسجون هو أكثر من يعرف قيمة الحرية، ومن فقد الحنان في نشأته قادر على إعطاء المزيد منه لمن حوله، والأم غير المتعلمة في نجوع المحروسة أكثر من انتجت علماء ومثقفين، وبعض الفقراء هم الأكثر كرمًا، وقد نجد أغنياء غارقين في القحط والبخل والشح.

وحين كنا صغارًا ظننا أن الجمال يقتصر على الشكل، وكنا نهفو إلى الملامح الجميلة، وحين كبرنا تأكدنا أن جمال الروح أهم وأعمق من المظهر والشكل، فجمال الوجه زائل؛ وفقا لتاريخ صلاحية العمر وتأثيرات الزمن، فضلا عن أن البعض يبدو جميلا ولكن مكنونه قبيح؛ مما يسبب حالة من النفور، ونظل ننجدب نحو الأرواح الخفيفة والطباع الراقية حتى ولو كانت في علاقة عكسية مع الشكل.

ويتجلى الموروث الخاطئ في مقولة "البعيد عن العين بعيد عن القلب"، فقد ظلت الأديبة اللبنانية مي زيادة في القاهرة وسط كوكبة منتقاة بعناية من المثقفين في مقدمتهم: "طه حسين وعباس العقاد والرافعي والحكيم"، إلا أنها كانت غارقة في حبها لجبران خليل جبران الذي كان يعيش في نيويورك حينها لأكثر من 10 سنوات! وتبادلا خطابات الشوق والحنين والعشق طيلة هذه الفترة حتى أسسا لأدب الرسائل منذ ذلك الحين، وتجمعت تلك الرسائل في كتاب "الشعلة الزرقاء"، ولو كان البعيد بعيدًا عن القلب فمن أين تأتي لوعة الحنين والاعتصار شوقًا واللهفة للقاء؟!

خدعونا فقالوا إن الشهادات العلمية مفاتيح لبوابة النجاح، وإن التعليم هو جواز المرور للتحقق، ولكن الواقع أثبت أن واحدًا أميًا، لا يقرأ ولا يكتب، غنى أغنية كسرت الدنيا وعادت عليه بالملايين، كما أن الموهبة جعلت الفتاة الريفية "فاطمة إبراهيم البلتاجي" كوكبًا للشرق في الطرب، وتحولت أغاني "أم كلثوم" إلى تراث تتناقله الأجيال، ولا زالت الجموع الغفيرة في الوطن العربي تشدو بأغنياتها؛ برغم مرور 48 عامًا على رحيلها في 3 فبراير 1975م . 

والحقيقة أن النجاح والتحقق رزق، وأن الرزق نصيب يقسمه الرزاق سبحانه وتعالى.

وخديعة أخرى تحملها مقولة "من خاف سلم"؛ لأننا تأكدنا بمرور الوقت أن الخوف سجن مؤبد لأحلامنا وطموحنا، ويصيب شغفنا بحالة من الشلل الترددي؛ لأننا سوف نتأرجح بين أهدافنا وبين مخاوفنا، ونصاب بأنيميا المغامرة، فنفقد توازننا، وهو ضد فطرتنا وطبيعتنا التى خلقنا عليها، والتى تحسنا على السعي والتوكل على الله، فإن أصيب الطالب بالخوف من الفشل فلن يذاكر، وإن طال خوف الجندي من الموت فلن يحارب، وإن خافت المرأة من الألم فلن تنجب..

في النهاية لا تتشربوا بكل ما تسقون به، ولا تستسهلوا الكلاشيهات الجاهزة، ولا تنهلوا من تجارب الآخرين دون فرز وتنقيح، فليس كل من سبقوا فلحوا، وليست كل النتائج صائبة، عش تجربتك بما لها وما عليها، وأضف أنت مقولتك الجديدة في دفتر أحوال الناس.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة