تتجه الأنظار غدًا إلى جدة إذ تقع هذه المدينة التاريخية والبوابة المؤدية إلى أقدس الأماكن في الكون؛ حيث يجتمع قادة العرب في قمة بحثًا عن مستقبل أمة تتهددها الحروب وتضربها العواصف السياسية والتغيرات الجيوسياسية، في عالم جديد يتنازع زعامته قوى دولية طامحة؛ بل طامعة في إعادة ترسيم موازين القوى العالمية.
..تنعقد قمة جدة في توقيت هو الأهم وظروف هي الأعقد، و تحديات هي الأخطر ، تفرض عليها قرارات وتوصيات تتعاطي مع أوضاع دولية وإقليمية خطيرة، وتتعامل مع متغيرات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة.
منذ عام 1956؛ حيث انعقدت أول قمة عربية في بيروت لدعم مصر ضد العدوان الثلاثي، وتأكيد سيادتها على قناة السويس، لا زالت دبلوماسية القمة تمثل الآلية العربية الأقوى في العمل العربي المشترك، ربما أصابها بعض الضعف، واعتراها شيء من الترهل نتيجة تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية وتغير موازين القوى، والأهم تداعي الأمة العربية وتراجع تأثيرها نتيجة الخلافات والانقسامات، إلا أنها تبقى الخيط الذي يمكن أن يجمع الأمة ويعيدها إلى سابق عهدها، ولعل هذا التوقيت وتلك الظروف توفر فرصة سانحة لإعادة بناء الصف العربي سياسيًا واقتصاديًا، في ظل وجود إمكانات وموارد عربية تؤهل هذه الأمة أن تكون رقمًا في معادلة دولية جديدة يتشكل حاليا في ظل نظام دولي جديد متعدد الأقطاب بات أقرب من أي وقت مضى.
ومن حسن الطالع أن تنعقد هذه القمة المهمة في تلك الظروف المعقدة، في ظل رئاسة المملكة العربية السعودية صاحبة الصوت المسموع والعقل الراجح في تنسيق وإدارة الشأن العربي والدفاع عن قضايا الأمة، وتلك ضمانة مهمة لإنجاح القمة العربية؛ عبر رسم خارطة طريق جديدة للأمة العربية تصل بها إلى بر الأمان، في عالم جديد تتغير فيه الموازين وتتقاطع فيه المصالح.
وإذا كانت القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى حاضرة بقوة على جدول أعمال القمة، فإن هناك قضايا الحروب الداخلية والصراعات المحلية، وهي خطر داهم يتهدد قلب الأمة ويعصف بمستقبلها، فالدول تنهار من الداخل حين تمزقها النازعات الداخلية المسلحة، والأزمات السياسية العاصفة, ولعل قمة جدة مطالبة بالسعي نحو إيجاد حلول ناجزة للأزمات الداخلية، التي تتهدد بعض الدول العربية، وأظن أن قيادة السعودية قادرة على إرساء ودعم الاستقرار في الدول التي تعاني الانقسامات والنزاعات.
ولما كان الوضع الدولي يمر بمتغيرات عاصفة نتيجة حرب روسيا وأوكرانيا، وبزوغ عالم جديد تتشارك فيه الصين وروسيا بقوة مع الولايات المتحدة، فإن القمة العربية في جدة عليها أن تبحث لها عن كلمة، وأن يكون لها صوت في ترسيم العالم الجديد؛ يرتكز على مبادئ راسخة، ومصالح متبادلة، وحقوق ثابتة، وتأكيد واضح على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شئونها الداخلية، والمؤكد أن الدول العربية قوتها في وحدتها، وقد آن الأوان للاتفاق على كلمة سواء؛ خصوصا بعد أن جربنا الانقسام، وتجرعنا مرارة الخلاف؛ حتى ساد في الأوساط الشعبية العربية المقولة الشهيرة الساخرة من أحوال العرب تقول: "إن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا"، فما كان إلا أن أعداء الأمة وجدوا فرصة للنيل من الحقوق العربية والتعدي على ثوابث الأمة والسطو على مقدرات الشعوب.
لو أن قرارات القمم السابقة، التي تتجاوز 45 قمة، قد تم تنفيذها، أو حتى نُفذ منها نصفها، ما كان حال الأمة العربية بهذا الضعف، ولا كانت تعاني الأزمات والانقسامات، ولعل انعقاد القمة في جدة يعيد الأمل في قرارات ترتفع إلى مستوى طموحات الشعوب العربية، وترتقي إلى مستوى التحديات المحدقة بمستقبل الأمة، التي تستحق أن تكون في صدارة الأمم؛ لما تملكه من موارد وخبرات ومقومات فريدة.
..الحلم العربي في جدة
[email protected]