أثيرت خلال الأيام الماضية أزمة تسببت ولا تزال في حالة من الجدل بسبب الفيلم الوثائقي «كليوباترا» الذي كشفت عنه إحدى الشبكات، ولاقى اعتراضا كبيرا من جمهور واسع لمصريين من فئات مختلفة، بسبب تجسيده كليوباترا، الأمر الذي رآه عدد من علماء الآثار المصرية امتدادًا لمشروع منظمة الأفرو سنتريك الساعية لتشويه التاريخ المصري بمزاعم أن الحضارة المصرية أصلها زنجي أو إفريقي، بينما الحضارة الفرعونية صنعها المصريون، وليس لغيرهم صلة ببناء الأهرامات إطلاقا من الناحية العلمية.
وبعيدًا عن فكرة اللون التي ذهب إليها البعض وأن كليوباترا لم تكن سوداء، فإن هذا الأمر ليس بيت القصيد، حيث إن المشاركين بالفيلم من مجاميع وشخصيات أخرى ليسوا على شكل المصريين، كما أن المصريين يأخذون في ألوان بشرتهم غالبية تدرج لون البشرة من السمراء غير القليلة مرورا باللون القمحي الغالب وصولا للبشرة البيضاء، إذن الأزمة ليست مطلقًا في اللون بقدر ما هي في محاولات التزييف المستمرة عبر وسائل القوة الناعمة التي لها تأثير وانتشار مع وجود التدشين لها.
وكم من أعمال سينمائية استفادت بشكل ما من الحضارة المصرية على امتدادها وقدمت رؤى تخص صانعيها يبثون من خلالها أفكارهم التي لا تبتعد عن التزييف غير أن لها تأثيرها في حجم المتابعين من الأجيال على مستوى العالم نظرًا للإمكانات المتوفرة، والمُسخرة لذلك، ومن ذلك أنتج عدد من الأفلام في هذا السياق كان لها القدرة على نسج قصص ممتعة بصريًا للمشاهدين وبعضها احتوى أفكارا مقبولة وأخرى شابها المغالطات، فعلى سبيل المثال جسدت الممثلة العالمية إليزابيث تايلور دور كليوباترا السابعة، في الفيلم الذي أخرجه جوزيف مانكيفيتس، وعُرض عام 1963، وفاز بأربع جوائز أوسكار،، وكذلك هناك فيلم "خروج الآلهة والملوك" للمخرج ريدلي سكوت، وانتج عام 2014 وانطوى على مغالطات كثيرة وتزييف متعمد للحقائق التاريخية في بناء الأهرامات، وكذلك فيلم "الهرم" لجريجوري ليفاسير 2014.
وهنا انتبهت لفكرة خلاقة وموحية عبر منشور قرأته للشاعر المصري محمود سيف الدين، والتي يدعو من خلالها لإنتاج فيلم مصري عالمي خالص لتصوير ملاحم وآثار وتأثير الحضارة المصرية عبر الأزمنة بشخصياتها ووقائعها وعلمها وفنها وبنائها وإعجازها الذي لا يزال مبهرا ومدهشا وموحيًا للعالم أجمع، وذلك من خلال اكتتاب عام شعبي مثل الاكتتاب الذي أُطلق لإقامة تمثال "نهضة مصر"، للفنان المصري العالمي محمود مختار، وشاركت فيه كل أطياف الشعب وكان معبرا عن القضية المصرية في العالم كله في وقت كنا نواجه فيه المحتل فبعد نحو ٥ أيام من الآن سيكون مر 95 عاماً على إزاحة الستار عن هذا التمثال الحضاري والتاريخي الملهم، وتأكيداً على هذا المنشور الذي أثني عليه وأشجعه لما في فكرة الاكتتاب من نتائج إيجابية عدة غير توفير الجانب المادي لإنتاج فيلم مصري خالص عالمي يعبر بصدق عن حضارتنا التي لا تخص أحدا سوانا، فإنه يجدد ويزكي قيمة الوعي بالإرث والهوية المصرية لدى الجمهور على اختلاف فئاته بتاريخه وحضارته وهويته.
كذلك أتوجه بالدعوة إلى الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لتبني ودعم هذه الفكرة الخلاقة بالتعاون مع وزارة الآثار وجامعات مصر وأساتذة التاريخ لتنفيذ فيلم سينمائي طويل أو حتى سلسلة أفلام تحكي تاريخنا الغني بالبطولات وتعمير الأرض ونشر العلم والفنون والقيم الإنسانية وروح السلام في العالم، خصوصا بعد النجاح الذي اعتادت المتحدة على تحقيقه عبر التنوع الثري لها في خريطة الإنتاج، والذي شاهدناه جميعًا مؤخراً في مسلسلات رمضان هذا العام، ومواكبتها للتطورات على مستوى العالم، وعلى هذا النسق أرجو أن التحمس لإنتاج هذا الفيلم الضخم برؤية مصرية عالمية والاستفادة من التقنيات الحديثة والتجارب المتقدمة في السينما العالمية، ولدينا من النجوم ذوي المهارات والقدرة التمثيلية من هو بمثابة واجهة مشرفة ولافتة عبر هذه الموهبة الكبيرة مثل يحيى الفخراني وسوسن بدر، حنان مطاوع، صبري فواز، أروى جودة، محمد فراج، ومنى زكي التي لفتت الأنظار لها بقوة بعد النجاح اللافت لمسلسل الوصية، ويشارك فيه كتاب سيناريو وحوار ذوي فطنة ومهارة في استخلاص روح المصري القديم وتضفير الأحداث والخروج بعمل سينمائي عالمي يكون بمثابة الرد الأوقع والأرقى والناجع في وجه كل محاولات التزييف التي لم ولن تتوقف..
فهل نرى هذا الحلم قريبًا على أرض الواقع؟ كم أتمنى.