سياسات عديدة اتخذتها الدولة لزيادة إنتاج محصول القمح، الذي يعد من أهم محاصيل الحبوب الغذائية التي يعتمد عليها الشعب المصري في غذائه، حيث أنه المكون الأساسي للخبز الذي يستهلكه المصريون يوميا، وله أهمية اقتصادية خاصة أنه يحتل المرتبة الأولى من حيث المساحة المزروعة وحج الإنتاج مقارنة بمحاصيل الحبوب الغذائية الأخرى في مصر.
موضوعات مقترحة
جهود الدولة لعودة مصر إلى مكانتها الزراعية العالمية
وفيا بعد مفاجأة سارة للمصريين الذين طالموا حلموا بتحقيق الإكتفاء الذاتي من هذا المحصول المهم جاء افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم الأحد، لموسم حصاد القمح بشرق العوينات، وعدد من المحافظات لتضاف كميات ضخمة من المحصول الأهم للإنتاج القومي وهو ما يساهم في زيادة الأمال في تحقيق حلم الأكتفاء الذاتي خصوصا في مع استمرار جهود كبيرة تقوم بها الدولة لتوسيع حجم الرقعة الزراعية خاصة فيما يتعلق بالسلع الإستراتيجية كالقمح.
ويعد مشروع شرق العوينات، ثاني أكبر مشروع زراعي عملاق بجنوب مصر، لزراعة القمح بمساحة تتجاوز 186 ألف فدان، وتقع منطقة شرق العوينات في الجزء الجنوبي الغربي لمصر على بعد 365 كيلو مترا، جنوب واحة الداخلة بمحافظة الوادي الجديد، وعلى بعد 500 كيلو متر من بحيرة ناصر حيث التربة الغنية والخالية من الملوثات ما يجعلها مثالية، وتبلغ مساحتها 528 ألف فدان مقسمة إلى قطع نصفها موزع على شركات زراعية تنتج محاصيل متنوعة تقدر بنحو 3 ملايين طن سنويا.
وتعمل الدولة جاهدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في محصول القمح وعودة مصر إلى مكانتها الزراعية العالمية، وذلك من خلال عدد من المشروعات الزراعية، حيث أنفقت الدولة على البنية الأساسية المليارات لخدمة مشروعات التوسع الأفقي، والتي تستهدف زيادة الرقعة الزراعية بما يسهم بقدر كبير من تحقيق الأمن الغذائي.
رحلة مصر من "سلة غلال العالم" إلى أكبر مستورد في العالم للقمح
وكانت مصر يطلق عليها قديما "سلة غلال العالم"، حيث وصفها النص القرآني بخزائن الأرض في عهد النبي يوسف حيث كانت سلة غذاء المنطقة بأكملها، وسبب إنقاذ سكانها من المجاعة طوال 7 سنين عجاف، كما توثق جدران المقابر والمعابد الفرعونية عملية زراعة القمح بتفاصيلها كافة، منذ نثر البذور حتى الاحتفال بالحصاد.
كما كانت مصر تطعم الإمبراطورية الرومانية بالقمح خلال فترة الاحتلال التي طالت ما يزيد على 600 عام، وقبلها كانت سفن الغلال تسير من ميناء الإسكندرية إلى مدن اليونان القديم، وفي عصر الخليفة عمر بن الخطاب عندما حدث جفاف في الجزيرة العربية، أرسل عمرو بن العاص، حاكم مصر، قافلة غذائية أطعمت الجزيرة العربية وكفتها المجاعة واستمر هذا الوضع حتى منتصف القرن العشرين.
وبدأ التحول للاستيراد في عام 1951 عندما استوردت مصر القمح لتغطية احتياجات القوات البريطانية على أرضها، وبدأت عملية استيراد القمح للاستهلاك المحلي عام 1952 عندما اتجهت الحكومة لتعميم استخدامه بدلا من الذرة في صناعة الخبز، وظلت كميات القمح المستوردة في مصر تتزايد عبر السنين مع زيادة عدد السكان، حتى أصبحت أكثر الدول استهلاكا للقمح، ومن أكبر الدول استيرادًا له.
24 مليون طن الاستهلاك السنوي للقمح
وبلغت المساحة الكلية لزراعة القمح للموسم الماضي أكثر من 3.5 مليون فدان، بإنتاجية وصلت إلى 10 ملايين طن تقريبا، فيما يبلغ حجم الاستهلاك السنوي في مصر24 مليون طن، بحسب ما أعلنته وزارة التموين والتجارة الداخلية، وتنتج مصر ما يتعدى 90 مليار رغيف خبز تمويني في السنة بواقع 275 مليون رغيف من المخازن التموينية بخلاف المخازن الإفرنجية.
وتسعى الدولة خلال السنوات القليلة الماضية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح الاستراتيجي، ولتحقيق الأمن القومي الغذائي المصري، ضمن خطة للدولة لإضافة 1.5 مليون فدان قمح جدد خلال 3 سنوات، عبر تشجيع زراعته واستصلاح كميات جديدة من الأراضي وزراعتها بكميات قمح إضافية في الفترة المقبلة، بحسب الدكتور أشرف كمال أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز البحوث الزراعية.
وقد اتخذ الرئيس عبدالفتاح السيسي، عدد من الخطوات الإستباقية لمواجهة الأزمة العالمية في إنتاج المحاصيل بصفة عامة، وذلك بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والتي يمثل إنتاجهما من القمح ما يقرب من 25% من الناتج العالمي للقمح، حيث شهدت الأسواق العالمية تغييرات في سلسلة التوريدات بالنسبة إلى المحاصيل الاستراتيجية الهامة، لذلك قامت الدولة بإحياء مشروع توشكى، والفرافرة، والعوينات، ومستقبل مصر، وزيادة المساحات المزروعة ودعم كافة الإجراءات لتلبية احتياجاتها من المحاصيل.
وعن هذه التحركات الملموسة للدولة تجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، يؤكد أستاذ الاقتصاد الزراعي، أن القمح يأتي على رأس أهداف الأمن الغذائي لأنه يعد المحصول الاستراتيجي الأول، وشهدت الأصناف طفرة خلال الفترة الماضية، وعملت على زيادة إنتاجية الفدان من 8 أدرب إلى 18 أردب، لافتا إلى أن مصر تقع على رأس الدول من حيث إنتاجية الفدان.
رفع الاكتفاء الذاتي إلى 80% بدلا من 40%
وتصل نسبة الاكتفاء الذاتي الموجود حاليا، حوالي 40 أو 42%، وهم 9.5 مليون طن من أصل 20 مليون طن الاستهلاك الكلي للقمح، حيث يتم استيراد 12 مليون طن مما يجعلها الدولة المستوردة الأولى، ولكن مركز البحوث الزراعية لديه هدف طموح في رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من 40% إلى 80%.
ويؤكد حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، أن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لشرق العوينات تبعث بعدة رسائل للداخل والخارج، حيث تؤكد إصرار الرئيس على المضي نحو التنمية الزراعية رغم كافة التحديات، ومشروع شرق العوينات هو ثاني أكبر مشروع زراعي متكامل عملاق متكامل عملاق بجنوب غرب مصر بعد توشكى يساهم في تقوية الأمن الغذائي المصري.
زيادة فرص جذب الاستثمار الزراعي
كما أن افتتاح الرئيس السيسي لموسم حصاد القمح من شرق العوينات يلقي بالضوء على هذه الأراضي البكر مما يزيد من فرص جذب الاستثمار الزراعي ويساهم في الحد من نسبة البطالة بما توفرها المشاريع الجديدة من فرص العمل، وتساعد الكميات المنتجة من الأقماح في الأراضي الزراعية الجديدة بتقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك من الأقماح والمنتجات الزراعية الأخرى.
كيف يتحقق الاكتفاء الذاتي للقمح؟
ويرى نقيب الفلاحين، أن السعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح ليس بأمر مستحيل، لأن مصر كانت من أولى الدول في زراعة القمح، وكان يطلق عليها سلة غلال العالم، وبالتالي الأمر ليس صعبا خاصة أن مصر خلال الفترة الحالية تستورد أكثر من 50% من محصول القمح من الخارج، لذلك فإن هناك محاولات عديدة من قبل الدولة لتقليل فاتورة الاستيراد خاصة وأن الاستيراد يكون بالعملة الصعبة في ظل ارتفاع سعر الدولار مما يكلف خزينة الدولة مبالغ طائلة، لذلك كان لحل الأمثل زيادة محصول القمح.
المحاور الثلاثة للاكتفاء الذاتي
وتسعى الدولة لتنفيذ 3 محاور أساسية للاكتفاء الذاتي من القمح، الأول من خلال التوسع الأفقي حيث بذلت الدولة جهودا كبيرة في هذا المحور، بزيادة المساحة المزروعة بالقمح إلى 3 ملايين و600 ألف فدان لأول مرة في تاريخ مصر، وتعتبر تلك المساحة الزراعية في مصر كافة، كما أن الدولة تتوسع في استصلاح أراضي جديدة أفقيا، وتحول طرق زراعته من الزراعة المنفردة إلى المزدوجة، مع زراعات أخرى، لزيادة زراعته أفقيا.
أما المحور الثاني هو التوسع الرأسي، عن طريق زيادة إنتاج فدان القمح من "18 أردب لـ 20 أردب"، بعدما كان متوسط زراعة الفدان من "12 أردب إلى 16 أردب"، واستنبطت الدولة أصناف كثيرة من القمح في هذا المحور، لتصل إلى 22 نوعا أغلبهم عالي الإنتاجية ومقاوم للأمراض، وتوسعت الدولة في إنشاء الصوامع، الآمنة لتخزين القمح، حيث أن سعة الصوامع تصل إلى 3 مليون و300 ألف طن من القمح، مع تطوير الشئون الترابية القديمة، لتكون بمثابة مكان آخر لتجميع الأقماح بالقرب من الفلاحين.
أهمية ترشيد استهلاك القمح
والمحور الثالث هو ترشيد استهلاك القمح، وتسعى الدولة جاهدة لدعم الأٌقماح وتوصيله لمستحقيه، حيث أنه يستخدم للأكل فقط خلال الفترة القادمة، والدولة تسعى لوجود بدائل أخرى لصناعة الخبز من الأرز والشعير، والدولة تعتبر من أكبر الدول المستوردة للقمح، حيث أنها تستهلك 21 مليون طن سنويا، فلذلك تحاول ترشيد استهلاك القمح.
استخدام القمح في علف الماشية
وكان بعض صغار المربين اتجهوا في الفترة الماضية إلى استخدام القمح كعلف للحيوانات، والتي يعد واحد من الخيارات الخاطئة، اعتقادًا منهم بأنه الحل الأمثل للتغلب على أزمة ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، غير مدركين لتبعات هذا القرار السلبية وما يترتب عليه من خسائر اقتصادية ومشاكل صحية للماشية، بحسب الدكتور محمد فهيم مستشار وزير الزراعة.
ويؤكد "فهيم"، أن استخدام القمح كعلف للحيوانات والماشية المجتزة، واحد من أبرز الأخطاء الشائعة التي يرتكبها غار المربين دون دراية منهم بتداعياتها السلبية على الصعيدين الاقتصادي والصحي، فهم يلجأون إليه نظرًا لانخفاض سعر توريده 1250 جنيه للأردب، مقارنة بما عداه من الأعلاف ومدخلات الإنتاج التقليدية كالذرة وفول الصويا.
والفارق الرقمي بين أسعار “القمح” و”الذرة والصويا”، يتخطى حدود الضعف تقريبًا، ما يجعل الكفة تميل إلى استخدام “الغلة” كعلف بديل زهيد الثمن، هربًا من ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج التقليدية، وهي الأزمة التي يقع فيها قطاع ضخم من صغار المربين.
خطورة استخدام القمح كعلف للحيوانات
ومع ذلك فإن ما يتحصل عليه المربي من “دش الغلة” لا يتخطى حدود الـ13% فقط، ما يمثل خسارة ضخمة، وإهدار لواحد من المحاصيل الإستراتيجية دون أي جدوى اقتصادية، ويوضح "فهيم"، أن تداعيات هذا الخطأ تتجاوز حدود الخسارة الاقتصادية، وتمتد إلى محاور أخرى قد لا يدركها صغار المربين، لافتًا إلى أن استخدام القمح كعلف و”دش الغلة” ينتج عنه 87% نشا، في حين تتوقف الاستفادة الفعلية عند حدود 130 كجم ردة لكل طن.
استخدام القمح كعلف يعني الاعتماد على مادة مالئة وغير مفيدة، ما يؤدي لمشاكل صحية جمة للحيوانات وفي مقدمتها الإصابة بعسر الهضم، دون أي إسهام إيجابي في زيادة معدلات تحويل اللحم، وأسعار التوريد المعلنة تمثل سعر الضمان المبدئي، فيما ستتم مراجعته مرة أخرى عند الحصاد، تبعًا لأسعار البورصة، والتي تقترب إلى حد كبير من الأسعار العالمية.