Close ad

حدث بالفعل.. المتحدث الرسمي كما يجب أن يكون

14-5-2023 | 18:20

منذ تركت العمل بتلك الوظيفة شعرت أن نقل خبرتى المتواضعة حولها هو واجب، لعلها قد تفيد. ولعلمى بندرة المؤلفات العربية المتخصصة فى هذا الشأن ظل ذلك الشعور يطاردنى إلى أن قررت النهوض بكتاب يتناول كل ما يتعلق بتلك المهمة الشاقة.

لم ألتفت إلى نفقات إعداد الكتاب وإصداره وهو أمر ليس من السهولة بمكان يعلمه كل من يمتهن الكتابة، شغلنى فقط وتمنيت أن يكون هذا الكتاب إضافة للمكتبة العربية، أو حتى مجرد شرارة لمزيد من المؤلفات المتخصصة حول هذا الأمر الهام. ولم لا وهى – باعتراف الجميع - وظيفة مستحدثة لا يلم كل شاغليها بتفاصيلها الدقيقة ودروبها الشاقة. 

كان اختيار العنوان محيراً، فقررت أن أتتبع الهدف الذى أبتغيه من تلك الدراسة، فوجدته يأخذ بيدى مباشرة إلى التساؤل الرئيسى الذى يجب أن يشغل بال كل من يعمل أو يطمح أن يعمل بتلك الوظيفة شديدة الحساسية: ما الذى يجب أن يكون عليه المتحدث الرسمى؟ ما الأمور الواجب توافرها حتى يصبح الشخص متحدثاً ناجحاً؟ وهكذا كان اختيار العنوان "المتحدث الرسمى كما يجب أن يكون".

وحتى تكون الدراسة شاملة وموضوعية قررت الابتعاد بها عن شكل السيرة الذاتية لمتحدث سابق يقوم بسرد خبرته - التى أعتبرها محدودة - واخترت أن أسلك بها – رغم مشقة ذلك - درب البحث والتقصى ونقل كل ما يتاح لى من معلومات وآراء للخبراء بأقصى قدر أستطيع .

وكان من حسن حظى أن تقع عينى فى بداية مرحلة البحث وتجميع المادة العلمية على مقولة أعجبتنى وكانت مدخلاً رائعاً لإتمام الكتاب: "If you don’t have anyone to tell your story, no one will hear it - إذا لم يكن لديك من يروى قصتك، فلن يسمعها أحد".

نعم لابد من وجود شخص فى كل الجهات التى يعنيها توصيل رسالة للجمهور، تتوافر لديه كافة المهارات اللازمة لتوصيل الرسالة، وإلا فلن يسمعها أحد، وربما إن سمعها لا ينصت إليها.. وهكذا تلبورت أمامى كافة أركان البحث.

كانت وصيتى لكل شخص مرشح أو يطمح فى القيام بتلك المهمة أن يقرأ عنها أولاً ويتعرف على المهارات التى تستلزمها والصعوبات التى قد يواجهها، ثم يصارح نفسه بمنتهى الموضوعية والمصداقية بإمكانياته الفعلية وهل تؤهله للنجاح أم لا؟ هل متاح له من الوسائل والإمكانات ومصادر التواصل فى مؤسسته ما يمكنه من توصيل رسالة مؤسسته أم لا؟ وطالبته - إذا كانت الإجابة نعم - ألا يتردد وأن يستمر والنجاح حليفه بإذن الله. ورجوته ألا ينزعج أو يغضب إذا نصحته - إذا كانت الإجابة "لا" - ألا يستمر فيها وألا يقبلها إذا كان لا يزال فى مرحلة الاختيار.

ما جدوى انخراطك فى عمل لن تجيده؟ إن الفشل أو مجرد الأداء الرديء لتلك المهمة لن يسيء إليك فقط، ولكن إلى مؤسستك بشكل أكبر، وأكدت له أنها مهنة ذات بريق، تراها العين من بعيد وكأنها ملكة متوجة ذات سلطان ودلال تنتظر مليكها المنشود ليشاركها هذا السلطان، لكن ما إن تقترب منها حتى تجدها هاوية سحيقة مضرمة النيران لا ترحم من ليس ذى سلطان ومن لا يقدر عليها ويمتلك أسبابها. فإذا رأيتها مهمة يحيط بها الغموض وأنك تسير وحيداً فى وادٍ كبير بلا مرشد ولا دليل.. اتركها قبل أن تتركك دون رحمة.

ما يجب أن يكون وظيفة المتحدث هى التحدث، ورغم تلك البساطة تعتبر المهمة فى واقعها أعقد كثيراً مما يتصوره ويردده البعض كونها مجرد كلمات وعبارات محفوظة يمكن أن يرددها أى شخص، على أساس أنها "مش كيميا"، لكن بالبحث والتحرى وجدتها من أعقد أشكال "الكيميا"، بمفهوم الكيميا الذى أصبح يستخدمه البعض للدلالة على التوافق والانسجام . لأن المطلوب من المتحدث هو أن تنقل كلماته - بشكل واضح ودقيق ومختصر فى الوقت نفسه - أفكاره ومشاعره ورسائله إلى الجماهير.

الأمر إذن ليس مجرد ترديد كلمات محفوظة عن ظهر قلب، وهو ما يتطلب ليس فقط "كيميا عادية" ولكن بالأحرى "كيميا" من نوع خاص جداً. 

توافر تلك "الكيميا" الخاصة يزيد فرصة نجاح المتحدث فى التواصل مع الجماهير وإقناع الناس بحديثه، إن توافرت لديه بالطبع مهارات الحديث والاقناع فى الأساس . المطلوب متحدثاً يدرك أهمية المصداقية والموضوعية والابتعاد بالمشاهد أو المستمع عن منطقة الدفاع عن الجهة التى يعمل المتحدث لحسابها، أو "التطبيل" لتلك الجهة.

ولا أشك لحظة فى أن نجاح المتحدث فى الخروج من كلتا المنطقتين الشائكتين، أقصد الدفاع والتطبيل، لا يمكن أن يتأتى للمتحدث إلا إذا كان مقتنعاً بالفعل بما يقول وتتوافر لديه المعلومات الكافيه لإثباته. يجب أن يدرك المتحدث أن عدم القناعة وتوافر المعلومات سوف ينعكسا مباشرة على حديثه وسوف يدركهما المشاهد والمستمع فوراً . كل ذلك يدعمه بالطبع قدرة المتحدث على استخدام كافة مهارات الاتصال، فمما لا شك فيه أن مظهر المتحدث وحركات اليد والرأس ونظرات العينين، ومهارته فى استخدام وتوظيف نبرات صوته صعوداً وهبوطاً بما يخدم ويعبر عن كلماته، كل ذلك سوف يؤثر فى وصول رسالته ويساعده فى الابتعاد عن نموذج "لوح الثلج" الذى قد لا يجيد البعض الخروج منه .

هى خلطة سحرية بين الأفكار والمشاعر والرسائل لا مفر من توافرها لدى المتحدث وبحيث يظهر أثرها ومذاقها الخاص فى كلماته وعباراته وإلا جاء حديثه فارغاً من المعنى أو ربما من المصداقية.

هل يعلم كل متحدث وكل مسئول أن تلك المهمة هى الأكثر دقةً وحساسية فى أى مؤسسة، لقد رصدنا الكثير من الأبحاث التى تؤكد أن المتحدث الرسمى يعتبر في العديد من دول العالم أهم شخص في المؤسسة بعد رئيسها، باعتباره واجهة المؤسسة المسئول عن نقل المعلومات والمواقف الرسمية إلى وسائل الإعلام والرأي العام.

هل يدرك الجميع ما يتطلبه ذلك من ضرورة أن يتمتع المتحدث بثقة كبيرة من القيادة العُليا في المؤسسة التي يمثلها، بحيث تسمح له بالتواجد فى المشهد العام لمؤسسته وأن يبقى على اطلاع مُفصّل بكل مستجدات العمل، وحتمية أن يتوفر للمتحدث الرسمى الاتصال المباشر بالمسئول، وأن يكون قادراً على الوصول إليه لإيصال الأنباء والأخبار العاجلة. 

قادنا البحث أيضاً إلى أهمية أن يكون للمتحدث الرسمى دور في عملية صنع القرار لكي يوضح العواقب المتعلقة بالرأى العام ووسائل الإعلام، وإن كان ذلك يعتمد بشكل أساسى على فهم وإدراك الدور الرئيسى للمتحدث في تشكيل صورة مؤسسته أمام الرأي العام، وتأثير ذلك على نجاح برامج مؤسسته على أرض الواقع، وليس اعتباره مجرد موظف ينقل الأخبار كما تملى عليه .

ولم يخل الكتاب من تقديم لبعض نماذج المتحدثين فى مصر ومدى المتابعة لما يقدمونه على صفحاتهم من أخبار للجمهور . وقادنى البحث إلى أن الأفضل على الإطلاق فى هذا الأمر هو الزميل العزيز الأستاذ هانى يونس المتحدث الرسمى لوزارة الإسكان والمستشار الإعلامى لرئاسة الوزراء، والدليل هو اختياره كأفضل متحدث رسمى لعام 2019 فى عدد من استبيانات الرأى . عمله وإنجازاته تفرض نفسها وترفع الحرج عن كل من يرغب فى الإشادة بهذا الأداء الذى لم يأت من فراغ وليس مجهوداً فردياً منه، لكنه متحدث توافرت لديه الآليات وفرق العمل بكامل طاقتها فأحسن استخدامها وأجاد توظيفها . تراه فى كل وقت ومكان خلف قيادته، تلمس تجاوبه وحسن إنصاته للجميع ورده السريع على كافة التساؤلات وحل المشكلات.

ختاماً أقول: غلطة المتحدث الرسمي ليست بعشرة فقط بل بمليون.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة