تمضي الدولة بقوة نحو التحول إلى مركز إقليمي لعمليات زراعة الأعضاء البشرية، ونشر الوعي المجتمعي بأهمية تفعيل واستدامة منظومة زراعة الأعضاء بين المواطنين والتبرع بها بعد الوفاة، حيث يمثل التبرع وزراعة الأعضاء منح حياة جديدة لمرضى فشل عضوي، وميلاد جديد لهم من رحم الموت، وعلى الرغم من التقدم العلمي والقوانين التي شرعت هذا النوع من العمليات، إلا أنها لازالت لم تلق صداها في عالمنا العربي.
موضوعات مقترحة
إنشاء أكبر مركز لزراعة الأعضاء بالشرق الأوسط
وأنشأت وزارة الصحة أكبر مركز لزراعة الأعضاء بالشرق الأوسط داخل مستشفى معهد ناصر، يقدم الرعاية الطبية الشاملة للمرضى قبل وبعد عمليات الزراعة، إلى جانب دوره في تقديم خدمات الدعم النفسي، والمركز مجهز بقوة 300 سرير، حيث يستهدف المركز التوسع في تخصصات زراعة الرئة، القلب، الكلى، الكبد، وغيرها، وترسيخ مكانة مصر كمركز إقليمي بمجال زراعة الأعضاء.
وتمتلك مصر 42 مركزا لزراعة الأعضاء البشرية، منها 28 مركزا للكلى و17 مركزا للكبد، منها 3 مراكز مشتركة، ووفقا للإحصائيات الحكومية تم إجراء 1193 عملية زراعة كلى في المراكز الحكومية خلال عام 2022، منهم 1078 عملية زراعة كلى، وخلال عام 2021 تمت زراعة 600 عملية كلى، وأكثر من 300 حالة زراعة الكبد.
الاهتمام بملف زراعة الأعضاء
وتستهدف إستراتيجية وزارة الصحة في ملف زراعة الأعضاء مساعدة 70 ألف مريض في حالة ماسة لجراحات زراعة الأعضاء حتى عام 2030، كما تعمل على إنشاء منظومة إلكترونية متطورة تعمل على تسجيل الراغبين في التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، كوصية للتبرع بالأعضاء، كما أصدرت وزارة العدل كتابا دوريا للشهر العقاري لتوثيق عمليات التبرع.
ويمكن لأي مواطن يرغب في التبرع بأعضائه بعد الوفاة، تسجيل بياناته في نموذج الوصية التي أطلقتها وزارة الصحة في شهر نوفمبر عام 2022؛ حيث يتم إصدار كارنية للمتبرع مدون عليها أنه أوصى بالتبرع بأعضائه، وبعد توثيق الوصية في وزارة الصحة والشهر العقاري يتم إدراجها ضمن منظومة التبرع بالأعضاء وقاعدة البيانات المخصصة بالوزارة.
12 عاما على إصدار قانون زراعة الأعضاء ولم يتم التطبيق
وعلى الرغم من أهمية زراعة ونقل الأعضاء في إنقاذ الكثير من الأرواح للمرضى الذين يحتاجون إلى التبرع بالأعضاء، إلا أن قانون زراعة الأعضاء والصادر برقم 5 لسنة 2010 أي منذ 12 عاما ودرت لائحته التنفيذية في عام 2011، ودخلت عليه تعديلات في عام 2017 مازال لم يدخل حيذ التنفيذ، نظرا لوجود الكثير من المعوقات به التي لا يمكن أن تطبق على أرض الواقع.
وتبذل وزارة الصحة الكثير من الجهود، لوضع إطار تنفيذي للإسراع بتفعيل قانون زراعة ونقل الأعضاء، بالإضافة إلى العمل على تحسين خدمة زراعة الكلى، ومعالجة بعض الحواجز الثقافية والمالية واللوجستية، بما يساهم في تحسين نوعية الحياة للعديد من الأشخاص في مصر الذين يعانون من الفشل الكلوي.
لماذا تأخر تنفيذ قانون زراعة الأعضاء؟
وكشف الدكتور أشرف حاتم رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، أسباب تعثر تنفيذ قانون زراعة الأعضاء حتى وقتنا هذا، حيث قال إن القانون به العديد من العقبات التي تستلزم تعديلات تشريعية قبل تنفيذه، كما أن هناك انعدام وعي لأهمية التبرع بالأعضاء، ولابد من رفع الوعي في الدولة، وجار العمل مع وزارة الصحة لإزالة العقبات التي تخول دون تفعيل القانون بدء العمليات.
وأعلن رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، أن الفترة المقبلة ستشهد إجراء عمليات زراعة الأعضاء من متبرعين حديثي الوفاة في مصر من خلال اللجنة القومية لزراعة الأعضاء بوزارة الصحة، والأعضاء التي سيسمح بزراعتها ونقلها من متوفين لأحياء تشمل الكبد والرئة والكلى والقلب والبنكرياس.
متى يعاقب القانون على نقل الأعضاء؟
وينص القانون، على أن أي محاولة لاستئصال أعضاء الميت قبل موافقة لجنة ثلاثية، سيعاقَب مرتكبها بالسجن المؤبد وغرامة تصل إلى 300 ألف جنيه، كما ينص القانون على أنه لا يجوز نقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حى إلى جسم إنسان آخر، إلا إذا كان ذلك على سبيل التبرع فيما بين الأقارب من المصريين حتى الدرجة الرابعة.
أهمية زراعة الأعضاء
يرى الدكتور أشرف عقبة رئيس قسم المناعة والباطنة بجامعة عين شمس، إن إنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في مصر والشرق الأوسط، يحل العديد من المشاكل للمواطنين الذين يحتاجون للعلاج عن طريق زراعة الأعضاء، خاصة أن مصر بها خبراء على أعلى مستوى في عمليات زراعة الأعضاء سواء الكبد أو القرنية أو قوقعة الأذن.
ويعتبر زراعة ونقل الأعضاء وسيلة علاجية يحتاجها كثير من المرضى في حالات فشل العضو في تأدية وظيفته، وهو ما يتماشى مع التوجه العالمي لأحدث الطرق العلاجية لعلاج المواطنين في مصر، مما يضيف الكثير للمبادرات الطبية في الفترة الأخيرة.
بلورة إمكانيات مصر في زراعة الأعضاء
كما يؤكد "عقبة"، أن إنشاء هذا الصرح له أبعاد مهمة، لأن مصر أكبر دول المنطقة، وهو التوجه الطبيعي والخطوة الطبيعية لبلورة إمكانيات مصر الإقليمية على مستوى إفريقيا ودول حوض البحر المتوسط، والتي تؤهلها أن تكون مركزا متميزا لزراعة الأعضاء، ومصر مؤهلة لذلك لأن لديها الكثير من الإمكانيات.
والدولة المصرية لها باع طويل في مجال زارعة الأعضاء، سواء القرنية أو الكلى أو الكبد، كما أن مصر من أكبر المراكز على المستوى العالمي في زراعة الكبد من متبرع حي، وهي مؤهلة لتكون مركزا من المراكز المتميزة في زراعة الأعضاء.
الاهتمام الرئاسي بملف زراعة الأعضاء
ويؤكد رئيس قسم المناعة بجامعة عين شمس، أن الاهتمام الرئاسي بملف زراعة الأعضاء، يضع الأسس والضوابط من جميع النواحي سواء علمية أو لوجستية أو إمكانيات تسمح أن تكون مصر مركزا دوليا إقليميا وعالميا لزراعة الأعضاء، كما أن لديها الكوادر الطبية في زراعة الأعضاء التي تستطيع إنجاح هذه المنظومة، كما يؤدي نجاح هذه المنظومة إلى انتعاش السياحة العلاجية بمصر، لاحتواء مصر على كوادر طبية وتمريض وبنية تحتية طبية على أعلى مستوى.
جدل التبرع بالأعضاء بعد الوفاة
وعلى الرغم من التطور الطبي التي تشهده الدولة، وأنها أصبحت مركزا دوليا لزراعة الأعضاء، إلا أن جدل التبرع بالأعضاء بعد الوفاة متجدد ومستمر حتى وقتنا هذا، وعلى مدار الـ4 عقود الماضية، كان هناك خلاف دائم بين المؤسسات التي أباحت التبرع بالأعضاء أو النقل بضوابط، وبين بعض العلماء الذين رفضوه واعتبروه مخالفة وتعد على خلق الله.
وأقر الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية قبل سنوات، بأن نقل الأعضاء من الميت إلى شخص حي حلال، إذا كان العضو المنقول سوف ينقذ حياة الإنسان، وفي حال توافر شروط معينة تبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرمه الله ولا تحوله إلى قطع غيار تباع وتشترى.
واعتبرت الدار نقل الأعضاء من باب إحياء النفس الوارد في قوله تعالى: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"، ومن باب التضحية والإيثار أيضا الذين أمر الله تعالى بهما، وحث عليهما في قوله سبحانه: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة".
متى يكون التبرع بالأعضاء حلالا ومتى يكون حراما؟
يؤكد الشيخ خالد الجندي، الداعية الإسلامية، أن التبرع بالأعضاء عن طريق بذل جزء من الأعضاء من أجل الحفاظ على النفس وإنقاذ حياة الآدمي بجزء من حياة آدمى آخر، أمر جائز شرعا ولا يوجد فيه نقاش أو كلام، ولكن هناك 3 ضوابط شرعية تجيز التبرع بالأعضاء من الموتى إلى الأحياء.
هذه الضوابط عبارة عن، عدم التبرع بالأعضاء التناسلية، وأن يكون التبرع بغير مقابل، وأن تكون بموافقة ورثة المتوفى وأهله، مؤكدا أن هذه التبرع إحياء لحياة الناس وأن الجسد كله ملك لله وبالتبرع انتقل أيضا إلى ملك لله.
شروط التبرع بالأعضاء بعد الوفاة
ووضعت دار الإفتاء، شروطا للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، ومن بينها: أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته موتا شرعيا، بتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفا تاما تستحيل معه العودة للحياة مرة أخرى، ورفضت اعتبار الموت الإلكينيكي موتًا، لأنه لا يعد موتا شرعا، لبقاء بعض أجهزة الجسم حية، وأوكلت حسم هذه القضية للجنة طبية ثلاثية يعينها وزير الصحة، كما نص قانون التبرع بالأعضاء.
كما يجب أن يكون الميت المنقول منه العضو، قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قواه العقلية ودون إكراه مادي أو معنوي، وعالما بأنه يوصى بعضو معين من جسده إلى إنسان آخر بعد مماته، وبحيث لا يؤدي النقل إلى امتهان لكرامة الآدمي، بمعنى أنه لا تتضمن الوصية نقل كثير من الأعضاء تجعل جسد الآدمي خاويا، لأن هذا ينافي التكريم الوارد في قوله تعالى بسورة الإسراء: "ولقد كرمنا بني آدم".
هل التبرع بالأعضاء جريمة؟
أما الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بالأزهر الشريف، فكان له رأيا آخر، حيث أكد أنه لا يجوز التبرع بالأعضاء البشرية من أحياء إلى الأحياء أو من موتى إلى أحياء، مؤكدًا أنه ممنوع وحرام ومخالفة للشريعة الإسلامية.
وأوضح "كريمة"، أن الإنسان لا يملك جسده ولا يملك التصرف فيه، وعقود التبرع بالأعضاء هي باطلة لأن جسد الإنسان ملك لله، لأن الموت إكلينيكيًا ليس موتًا شرعياً، وبالتالي نزع أي عضو من جسد الإنسان المتوفى يعتبر جناية يستحق فاعلها القصاص، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن نقل الأعضاء البشرية، وذلك في حديثه: "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا"، وذلك لكونه نوعًا من تشويه جثة المتوفى.