بـ "إعلان واشنطن" الصادر في ختام قمة كورية جنوبية - أمريكية عقدت مؤخرًا بالبيت الأبيض، ارتمت الولايات المتحدة بكل ثقلها الإستراتيجي، بما فيه النووي، لحماية حليفتها، سول، المهددة من الشمال، فهل يكفي الإعلان لردع بيونج يانج؟
الإعلان الذي صدر بتاريخ 26 أبريل 2023، بمناسبة مرور 70 عامًا على توقيع معاهدة تحالف مشترك بين سول وواشنطن، في نهاية الحرب الكورية 1950-1953، ينص على ما يلي: "التزام الولايات المتحدة تجاه كوريا الجنوبية والشعب الكوري مستمر وحازم، وأي هجوم نووي من جانب كوريا الشمالية ضد كوريا الجنوبية سيقابل برد سريع وساحق وحاسم.
في الوقت نفسه، تؤكد الولايات المتحدة أن الالتزام بالردع الموسع تجاه كوريا الجنوبية مدعوم بمجموعة كاملة من القدرات الأمريكية بما في ذلك القدرات النووية.
وفي المستقبل، ستعزز الولايات المتحدة الظهور المنتظم للأصول الإستراتيجية بشبه الجزيرة الكورية، كما يتضح من الزيارة المرتقبة لغواصة الصواريخ النووية الأمريكية لكوريا الجنوبية.
ستعمل الدولتان على توسيع وتعميق التنسيق بين الجيشين، وتعزيز الهيئات الدائمة للتشاور بشأن الردع الموسع، بما في ذلك إستراتيجية الردع الموسع ومجموعة التشاور، لتحضير التحالف بشكل أفضل للدفاع ضد الهجمات المحتملة والاستخدام النووي وإجراء عمليات محاكاة لتوجيه جهود التخطيط المشتركة".
خلال مناقشات أدلى بها أمام كلية "هارفارد كينيدي" بمدينة بوسطن الأمريكية يوم 26 أبريل الماضي، صرح الرئيس الكوري الجنوبي، يون صوك - يول بأن إعلان واشنطن يجب أن يفهم على أنه "نسخة مطورة" من معاهدة الدفاع المشترك.
قال الرئيس "يون"، نصا: "نحن الآن في وضع يتعين فيه ترقية معاهدة الدفاع المشترك لعام 1953 القائمة على الأسلحة التقليدية إلى مفهوم الدفاع المتبادل بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، بما في ذلك الأسلحة النووية، لأن الأسلحة النووية لكوريا الشمالية ليست بعيدة، والخطر داهم، وبطريقة محددة للغاية".
أشار "يون" إلى أن الإعلان لا ينص – فقط - على التزامات الولايات المتحدة، ولكنه ينص – أيضًا - على التزامات كوريا الجنوبية بعدم تطوير أسلحة نووية خاصة بها بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مؤكدًا أن الدعوات داخل كوريا الجنوبية للحصول على التسلح النووي الخاص بها تستند إلى حساب بسيط، مفاده: "نظرًا لأن كوريا الشمالية تعمل على تطوير قدراتها النووية، فيجب على كوريا الجنوبية أن تلجأ إلى ذلك، أيضًا، في ضوء قدراتها المتاحة من الناحية التقنية".
قال الرئيس الكوري الجنوبي: "لدينا الأساس التقني لامتلاك أسلحة نووية في غضون فترة زمنية قصيرة، حتى في غضون عام واحد، وامتلاك أسلحة نووية لا يتعلق – فقط - بالقدرات التقنية، بل يتعلق – أيضًا - بمعادلة سياسية واقتصادية معقدة، وهناك قيم ومصالح يجب أن نتخلى عنها إذا امتلكنا أسلحة نووية".
أعرب الرئيس "يون" عن ثقته في أن الإعلان سوف يظل ساريًا دون أي تغيير مع تغير الإدارة الأمريكية، وأنه أكثر فعالية من ترتيبات المشاركة النووية لمنظمة حلف شمال الأطلسي، نظرًا لأنه يضم طرفين فقط.
عما إذا كان الإعلان يمكن أن يؤدي إلى توترات بين سول وبكين، أشار "يون" إلى أن الصين مسئولة جزئيا عن التهديد المتزايد لكوريا الشمالية، فقد عارضت الصين وروسيا، وكلاهما عضو دائم بمجلس الأمن، تشديد العقوبات على كوريا الشمالية.
عقب توقيع الإعلان، وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الكوري الجنوبي، وجه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تحذيرا -شديد اللهجة- إلى الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونج أون، قائلا: "أي هجوم نووي كوري شمالي على الولايات المتحدة وحلفائها غير مقبول، وفي حالة حدوثه، سيؤدي ذلك –حتما- إلى نهاية نظامها".
بعد يوم من نشر إعلان واشنطن، صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، باتريك رايدر، بأن غواصة الصواريخ الباليستية التي تعمل بالطاقة النووية من فئة "أوهايو"، وهي الأكبر بالبحرية الأمريكية، ستزور كوريا الجنوبية.
مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، جون بولتون، صرح بأن إعادة نشر أسلحة إستراتيجية بكوريا الجنوبية ستكون لها فعالية أكثر من مجرد زيارة غواصات، وأن الرأي العام بكوريا الجنوبية يؤيد امتلاك قدرات نووية مستقلة.
خبراء أمريكيون أبدوا اتفاقهم مع وجهة نظر بولتون، وأشاروا إلى أن إعلان واشنطن ربما طمأن بشكل ما الشعب الكوري الجنوبي، غير أنه لم يقدم شيئا يذكر للتصدي للتهديدات الكورية الشمالية، ولإلزام بيونج يانج باختيار مسار آخر.
المساعد الخاص للرئيس بايدن ومدير شئون شرق آسيا وأوقيانوسيا بمجلس الأمن القومي، إدجار كاجان، صرح بأن تعزيز الردع الموسع بين واشنطن وسول ليس مشاركة نووية فعلية، بل مصمما لمعالجة التهديدات النووية لكوريا الشمالية.
إعلان واشنطن أثار بعض الانتقادات الإعلامية والداخلية بكوريا الجنوبية، حيث نسب إلى رئيس الحزب الديمقراطي المعارض، لي جاي ميونج، قوله: " إن أداء الرئيس يون في واشنطن انتهى بموقف مهين يتمثل في نشر دبلوماسية "الهوجانج"، وهي كلمة تعني باللغة الكورية "العميل الذي يسهل خداعه"!
الإعلان أوضح –بجلاء- شكل ومضمون خريطة التحالفات الأمنية المتسارعة في شمال شرق آسيا، حيث يتجلى التعاون الأمني الثلاثي بين سول وواشنطن وطوكيو، مقابل حالة من الغضب والاستنفار الأمني الثلاثي بين بيونج يانج وبكين وموسكو.
زيارة رئيس حكومة اليابان، كيشيدا فوميئو، التي توصف بأنها على درجة كبيرة من الأهمية، لتعزيز التعاون الأمني "الثلاثي"، وتختتم في سول اليوم تزامنت مع كشف قيام قادة عسكريون من كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة بتفقد غواصة صاروخية- باليستية- نووية أمريكية للمرة الأولى في شهر أبريل الماضي.
بيونج يانج نظمت مظاهرات واحتجاجات صاخبة، مؤكدة "أن البلاد بأكملها تشعر بغضب شديد وبالرغبة في تحطيم الأعداء"، وقام المتظاهرون بإحراق دمى تمثل "الغزاة والمحرضين" في إشارة إلى بايدن ويون. أيضا، انتقدت الصحف الكورية الشمالية سول وواشنطن لتبريرهما المفارقة القائلة: بأن النشر المخطط لغواصة نووية أمريكية بالمنطقة لا يخرق إعلان عام 1991، لنزع السلاح النووي الكوري.
من جانبها، وفي تعليق لوكالة الأنباء الصينية، شينخوا، جاء "أن قيام الرئيس الكوري الجنوبي بترديد سطور من أغنية "الفطيرة الأمريكية" أمام بايدن المبتسم بالبيت الأبيض، فقد صور الوضع الراهن بين البلدين"، و"أن الفطيرة الأمريكية تخص أمريكا فقط، وبالنسبة للآخرين، فهي ليست سوى فطيرة في السماء"!
[email protected]