هو لا يعرف الحب.. لكنه يجيد استخدام أدواته!

2-5-2023 | 19:24

 أحيانًا تبقى في مخيلتك جملة، قرأتها ذات يوم أو سمعتها، تبدو ثابتة كثبات الصخر، باقية كبقاء الدهر. جملة تعلمت منها دون شك. فأغلبنا تعرض لخوض هذه التجربة التي سُميت الحب الأول في سن المراهقة. ربما شعر كل منا بأنه أصبح يمتلك مقاليد الحكم في كل الأمور. 

الإصرار على وجهة نظرنا وفرضها على الآخرين كان يأتي بدافع الإحساس العميق بأننا لم نعد صغارا، وبأن إيماننا بوجود شخص مغامر تجرأ وطرق أبواب قلوبنا مبكرا يعني أن ذلك الشخص صادق في مشاعره ووعوده، فيجب ألا نفرط فيه أبدا.

طيش مغلف بعناد، وجهل ممتزج بثقة وهمية، واستيعاب ضئيل يمنعنا ذلك كله من الاستماع للغير، أو التعلم من تجاربه. 

قرأت جملتي التي بقيت معي في مقال للكاتب الكبير الراحل "محمد إسماعيل علي" الذي كان يكتب في جريدة الأهرام مقالات بعنوان: "قول على قول". هذا المقال نُشر منذ عقود، ولكن الجملة وقعت في قلبي وبقيت فيه حتى الآن. وكانت نُصحا من هذا العملاق الرقيق للفتيات الصغيرات بضرورة التروي، وعدم المخاطرة بأنفسهن، والاستماع إلى صوت العقل، ولو لمرة واحدة. فربما تغير هذه المرة من مصائرهن، في محاولة صادقة منه لتقديم النصح لهن بطريقة غير مباشرة. 

جاء هذا ردًا على سؤال فتاة أرسلت له رسالة تنبئه فيها بوقوعها في غرام شاب وصفته بأنه غمرها بعاطفته التي لم تألفها من قبل. وأكدت أنها على استعداد لخسارة الجميع من أجل الحفاظ على وجود هذا الشاب في حياتها للنهاية.

تذكرت حينها واحدة من المعلمات اللاتي كن يدرسن لنا في المرحلة الإعدادية. 

كانت الحصة تحمل اسم "سلوكيات". لم تكن هذه الحصص خاضعة لاختبارات، ولم تدخل ضمن مجموع الدرجات، ولهذا كانت المعلمة تحدثنا عن أدق أمور هذه السن الخطرة، أحيانًا بطريقة هادئة، وأحيانًا تعنف البعض منهن حين تجد لديهن شعورا بالاستسلام لعاطفتهن الجياشة.
 
كانت المعلمة تضحك وهى ترى أغلبنا رافضات لما توجهه لنا من نصائح، فتقول: "أنا بأقولكم الحقيقة بكرا هتكبروا وتفتكروا كلامي وهتضحكوا على مواقفكم دي وتسخروا من حاجة اسمها الحب الأول، صدقوني هييجي عليكم وقت هتحسوا فيه إنكم ضيعتم عمركم في حاجة مش هتستمر".

تتحدث، وتتحدث، ويزداد الشعور نحوها بالضيق الذي قد يصل إلى حد العداء من أغلبنا.

وعن الجملة التي قرأتها، والتي ظلت محفوظة في ذاكرتي لسنوات، والتي قمت بعمل مقارنة بينها وبين ما ذكرته معلمتنا الفاضلة في الماضي، تلك الجملة التى وجهها الكاتب الكبير في رده على رسالة تلك الفتاة التي شغفها حب شاب يسكن في نفس حيها، وكانت على استعداد للتضحية بالأهل إن وقفوا في طريق حبها، قرأته يقول لها يا ابنتي: "هو لا يحب ولكنه يجيد استخدام أدوات الحب".
تبدو العبارة بسيطة، ولكنها جمعت كل النصائح، وصنعت منها حكمة مضغوطة، كبسولة واحدة لها مفعول السحر. فكلمات الغزل التي ينسج منها الشباب للفتيات شبكة للإيقاع بهن ما هى إلا أداة من أدواتهم التي أجادوا صنعها واستخدامها. هذا الشاب ربما إعتاد الإلقاء بالطعم لكي يخرج بصيد يومه، ولكل يوم صيد جديد، ولكل صيد أداة، فخ جديد ينجح فى استخدامه للإيقاع بطائر وديع ومسالم، أكبر عيوبه وأسوأها هى حسن نواياه.

ربما خطت يدي هذه الكلمات الآن حتى أؤكد على معنى واحد ينحصر في ضرورة الابتعاد عن النصائح المباشرة التي قد تترك أثرا عكسيا في فترة تتشكل فيها الشخصية، فترة نحتاج فيها لمن يحدثنا بطريقة تنفذ إلينا بهدوء لتمنحنا الأمل في إيجاد بصيص من النور نهتدي به لا شعلة نار تحرقنا، وتدمرنا فتقضي علينا.

التعامل برفق يجعلنا نكسب معارك كنا نراها من قبل تحتاج إلى القوة الغاشمة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: