حسنًا فعلت قناة "الوثائقية" بإعلانها بدء أعمال التحضير لإنتاج فيلم وثائقي عن الملكة كليوباترا السابعة، وذلك حسمًا للجدل المثار حول إعلان دعائي لنتفيلكس أظهر الملكة كليوباترا داكنة أو سمراء البشرة على غير الحقيقة.
وفي استمرارية لتزييف الحقيقة التي يعرفها المتخصصون والمهتمون بمجال الآثار، وهو أمر يستدعي التنبيه باحترام الحضارات والثقافات، والحرص على المصداقية التي افتقدتها بعض المنصات لأغراض خاصة، طالما عانينا منها لتزييف وقائع شهدتها الحضارة المصرية، التى تنفرد بما يفتخر به المصريون ويبهر العالم كله، ويعرفه ويتباهى به الأثريون المصريون.
وهنا يحضرني تعليق الدكتورة إنجي فايد كبيرة الأثريين بوزارة الآثار، والتي حكت لي - متأثرة وبالدلائل - ما يتأكد يوميًا من أن الحضارة المصرية هي الجاذبة للعالم على الإطلاق، وأنها ستظل شاغلة العقول طوال الوقت؛ مما يعرضها للادعاءات، واللافت للنظر أن رأي الدكتورة إنجي يعكس طبيعة شخصيتها التي تتميز دائمًا بالحرص على ضرورة الاحترام للتاريخ والتراث الثقافي، حيث تعد أحد أهم أبرز الأثريين الذين يؤكدون ضرورة العناية والتركيز على دقة التفاصيل التاريخية في الأعمال الفنية بشكل عام، والوثائقية بشكل خاص؛ لأن ذلك يساهم في نشر رسالة الاحترام والتقدير لثقافات الأمم.
منوهة إلى أن الملكة كليوباترا كانت من أصول مقدونية، ولم تكن سمراء، فهي ابنة بطليموس الثاني عشر آخر ملوك الأسرة البطلمية، تلك الأسرة التي حكمت مصر في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر، وجيناتها ليست إفريقية؛ فهي لم تكن صاحبة بشرة داكنة، وما حدث من تغيير الشكل المعروف لكليوباترا سببه هو الترويج بأن الأفارقة هم من أسسوا الحضارة المصرية؛ استكمالا لسلسة الادعاءات والزيف الذي تتعرض له هويتنا الثقافية وحضارتنا المصرية.
لا شك أن الاحترام المتبادل للثقافات والحضارات هو السبيل الأمثل لتحقيق التعايش السلمي بين الشعوب المختلفة في العالم، والسبيل أيضًا للحفاظ على التاريخ والثقافة والهوية.
وهو ما يجب أن نتمسك خاصة في عصر “الترند” الذي ساهم في تزييف حقائق كثيرة، ولم تكن هذه هي المرة الأولى ولا الأخيرة التي تتعرض فيها الحضارة المصرية لادعاءات كاذبة.