فيما يمكن وصفه بـ "الملحمة الوطنية "جاءت عملية إجلاء المواطنين المصريين في السودان لتجسد إرادة الدولة المصرية وتعكس تقديرها واحترام قيادتها لأبنائها، ففي الوقت الذي تواجه كبرى الدول صعوبات وتحديات لإجلاء مواطنيها من السودان الشقيق الذي يمر بظروف استثنائية أدت إلى تدهورالأوضاع الأمنية فإن الدولة المصرية استطاعت أن تقوم بعملية إجلاء متفردة للمواطنين المصريين؛ بل والأشقاء السودانيين الراغبين في الدخول إلى مصر، ففور اندلاع الاشتباكات صدرت توجيهات فورية من الرئيس السيسي بإجلاء المصريين وتم تشكيل خلية أزمة من الوزارات والأجهزة المعنية لوضع خطة الإجلاء والبدء فيها فورًا مما أثار ارتياحا واسعا بين جموع الشعب، وأكد أن الدولة المصرية لا تنسى أبناءها تحت أى ظرف، وقد شهد معبر أرقين ومطار شرق القاهرة على مدار الساعة رحلات مكثفة لنقل المصريين، كما استعدت كل الوزارات المعنية بتقديم المساعدات اللازمة لاستيعاب العائدين سواء بالمدارس أو الجامعات أو العلاج.
موضوعات مقترحة
وقد رصدت "بوابة الأهرام" الجهود المبذولة من الدلة المصرية لإجلاء المصريين من السودان في التحقيق التالي:
وزارة الخارجية تعمل على مدار الساعة
تتابع وزارة الخارجية، أولا بأول أوضاع الجالية والطلبة المصريين في السودان، بحسب السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، الذي أكد أنه في إطار حرص وزارة الخارجية على متابعة أوضاع الجالية المصرية، والطلبة الدراسين بالسودان، في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة التي يشهدها، عكفت السفارة المصرية في الخرطوم على التواصل الدائم مع الطلبة المصريين، وتجمعات الجالية للاطمئنان عليهم، وتوجيه النصح، والإرشادات، الخاصة بسبل توفير الحماية والأمن لهم ولأسرهم.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية، أن السفارة المصرية في الخرطوم قامت بتخصيص أرقام هواتف يمكن للمصريين المقيمين بالسودان التواصل من خلالها مع السفارة، كما أكدت السفارة في اتصالاتها ضرورة توخي أعضاء الجالية، أقصى درجات الحيطة والحذر والالتزام بمواقعهم لحين استقرار الأوضاع.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية تصريحاته، أن غرفة عمليات القطاع القنصلي بوزارة الخارجية تتابع وضع الجالية المصرية علي مدار الساعة، وتنسق مع الجهات والوزارات المعنية المصرية التي لديها بعثات رسمية في السودان لضمان توفير أكبر قدر من الرعاية الممكنة لهم في ظل الوضع الأمني الصعب والمتأزم في دولة السودان الشقيقة، ولحين توفر توفير ملاذ امن لهم في أقرب فرصة ممكنة.
السفير أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية
وزارة الهجرة
وقالت السفيرة سها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، إن الوزارة تعاملت مع الجالية المصرية في السودان بكل أشكالها، مشيرة إلى أن هناك بعثة لشركة مصر للطيران وبعثة للتربية والتعليم وهناك بعثات أخرى خاصة بالبنك الأهلي المصري ومهندسين زراعيين وغيرها.
وتابعت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، أن الوزارة لديها مجموعات عمل من خلال تطبيق واتساب، والسوشيال ميديا، وهو ما سهّل الكثير، لأن التواصل المباشر أدى إلى التعرف على المشكلات المباشرة، والأزمات المباشرة، وتم التعامل مع مختلف الأزمات، مثل نقص الطعام والمياه والدواء وانقطاع الكهرباء والإنترنت، بالإضافة إلى دويّ المدافع، وهو ما أثر على أبناء الجالية المصرية، حيث تواصلت معهم الوزارة لتهدئتهم.
السفيرة سها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج
المصريون في الخارج
يقول اللواء سمير فرج، الخبير الإستراتيجي، نجحت الدولة المصرية في بداية الأحداث نجحت في اجلاء القوات المصرية التي كانت في مهمة تدريب بالسودان في السودان، عن طريق مجموعتين، الأولى أعادت 177 فردًا، جرى نقلهم إلى مطار مهجور لم يكن يُستخدم يبعد 500 كيلومتر عن مطار مروي، وجرى تشغيل هذا المطار وتأمينه من قبل مصر لنقل أبنائنا :" تم دفع ثلاث طائرات سي 130 لنقل أبنائنا وكانت عملية أكثر من رائعة".
والمجموعة الثانية، أعادت فيها الدولة عبر الصليب الأحمر ومكتب الملحق العسكري في الخرطوم، وبالنسبة للمدنيين، تم عمل نقاط تقابل لهم، حيث تم إجلائهم جوًا وبرًا، ومعهم باقي الأخوة السودانيين، وبقية الدول الأجنبية، حيث تم فتح مركز إغاثة في أركين، لتقديم المعاونة الطبية والإدارية حتى وصولهم إلى القاهرة.
يتابع اللواء سمير فرج، حديثه لـ"بوابة الأهرام"، قائلًا: "الحمد لله لا توجد مشكلة حاليًا في عودة المصريين الموجودين في السودان إلى مصر، التي لم تتأخر كعهدها عن أبنائها في الخارج وقت الأزمات والظروف الطارئة".
مصر مبتنساش ولادها
ويشير مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق، أن الرئيس السيسي أعطى توجيهات مباشرة منذ اندلاع الأزمة في السودان، بعودة جميع أبنائنا سواء العسكريين أو المدنيين، لذلك تم إنشاء مركزً لإدارة الأزمة، وتم وضع خطة لإجلاء كل أبنائنا الموجودين في السودان، ووضعت مصر كافة الإمكانات العسكرية والمدنية لوصول أبنائنا إلى أرض المحروسة مصر .
ويبرز الخبير الإستراتيجي، رسالة خاصة للمصريين من هذه الجهود، مفادها أن الدولة تتحرك بكل إمكاناتها وطاقاتها نحو أبنائها في الخارج وقت الأزمات الطارئة، وأن مصر لا تنسى أبنائها المتواجدين في بلد آخر مهما كانت الظروف الطارئة ومهما واجهت من صعوبات في الحفاظ عليهم من أي مكروه قد يصيبهم حتى لو كان هذا المكروه مجرد خدش سطحي، قائلًا :" هذه سياسية الرئيس السيسي، مصر مبتنساش ولادها".
اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجي
مجلس النواب
وثمن النائب إيهاب الطماوي، وكيل لجنة الشئون الدستورية و التشريعية بمجلس النواب، جهود الدولة المصرية في إجلاء المصريين العالقين في السودان، وإدارة أجهزة ومؤسسات الدولة لهذا الظرف وهذه الأزمة .
وقال عضو مجلس النواب، إن هذا التحرك الاحترافي للدولة المصرية تجاه أبنائها في الخارج ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، فقد فعلتها مصر عقب اشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا وأعادت أبنائها بكل احترافية، إلى أرضها المحروسة.
وأيضًا عند أول ظهور لجائحة كورونا في منطقة ووهان بالصين، تحركت الدولة المصرية نحو أبنائها المتواجدين هناك ونجحت في إجلائهم إلى مصر وكانت أول دولة تنجح في إدارة عمليات الإجلاء غير ناظرة سوى لسلامة أبنائها وإعادتهم إلى أحضانها سالمين، آمنين.
وقال عضو مجلس النواب، إن تحرك الدولة المصرية في هذه الأزمة، كان ينم عن حرص الرئيس السيسي، والدولة بأجهزتها ومؤسساتها، على كل مواطن مصري موجود في السودان، ولذلك كانت أول دولة تعيد أبنائها المتواجدين في السودان، هي مصر، رغم حساسية الموقف، وصعوبة الاشتباكات الدائرة على أرض السودان، لكن الحمد لله أعادنا أبنائنا إلى وطننا سالمين دون مكروه.
النائب ايهاب الطماوي وكيل لجنة الشئون الدستورية و التشريعية بمجلس النواب
مصر أم الدنيا
وقال الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية، ومتخصص في الشأن العربي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن المواطن المصري هو هدف الدولة المصرية والقيادة السياسية، وأمنه خط أحمر .
وأضاف أنّ أمن المواطن المصري جزء من ثوابت الدولة المصرية والقيادة السياسية، التي تُولي اهتماما كبيرا بأمن المصريين داخل وخارج البلاد، وخاصة في أوقات الأزمات والتحديات التي تفرض نفسها لافتًا إلى الدور المصري تجاه أبنائنا في الخارج بعد نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وقبلها عند ظهور جائحة كورونا العالمية.
وقال خبير العلاقات الدولية، إن هذه هي فلسفة الدولة المصرية الواضحة التي تعكس تقديرها واهتمامها بأبنائها الذين هم غايتها دائمًا من التنمية في أي سياسات تضطلع بها الدولة، وهو ما يجعل تحرك مصر نحو أبنائها في الخارج في الأوقات الصعبة، ومنذ اللحظة الأولى، ليس غريبا ولا صعبًا ".
الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية
حقن الدماء في السودان
ودعت مصر أطراف النزاع الجاري في السودان، على ضوء استمرار العمليات العسكرية واحتمالات التصعيد، إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية حقناً لدماء أبناء الشعب السوداني الشقيق، وتغليب لغة الحوار من أجل حل الخلافات، حفاظاً على سلامة واستقرار البلاد، وحماية مقدرات الشعب السوداني وطموحات ثورته المجيدة.
وعبرت مصر عن أسفها الشديد وخالص عزائها لسقوط ضحايا ووقوع إصابات بين صفوف الأشقاء في السودان، سواء من العسكريين أو المدنيين، جراء المواجهات العسكرية الجارية، فإنها تؤكد أنها لن تألو جهداً في القيام بالجهود اللازمة بالتعاون مع الدول الصديقة والشقيقة، من أجل نزع فتيل الأزمة الراهنة.
وشددت مصر على ضرورة عدم استغلال أي طرف خارجي للتطورات الجارية في السودان من خلال القيام بأعمال تؤجج من حدة الصراع أو تهدف للنيل من سلامة أراضيه، وبما يؤثر على أمن واستقرار وسلامة الشعب السوداني الشقيق. كما تؤكد على ضرورة الحفاظ على أمن وسلامة الجالية المصرية في السودان، وكذلك المنشآت والممتلكات الخاصة بالبعثات الرسمية المصرية.