جاء اعلان منصة نيتفليكس،عن فيلم «كيلوباترا» اعتبر تزييف للتاريخ وكذلك الإعلان عن زيارة الممثل الكوميدي الأميركي، كيفن هارت، إلى القاهرة لإقامة عرض "ستاند أب" حتى لاحقته حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي رافضة حضوره إلى مصر، بسبب تعليقات سابقة له حول مصر القديمة، مما جدد الحديث مرة أخرى عن محاولات تشويه التاريخ وادعاءات، ما يعرف بـ "المركزية الأفريقية أو الأفروسنتريك".
موضوعات مقترحة
وتعرف "المركزية الأفريقية" أو "الأفروسنتريك"، بأنها تهدف إلى تسليط الضوء على دور الأفارقة السود في تشكيل التاريخ الإنساني، والذي يزعم مؤيدوه أن ملوك مصر القديمة الذين أسسوا حضاراتها قبل آلاف السنين هم من الأفارقة السود وأن سكان مصر المعاصرين ليسوا من أحفاد المصريين القدماء بل هم جماعات أتوا إلى مصر.
والجدير بالذكر أن الدراسات تشير إلى أن أصل تلك الحركة يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، أسسها مثقفون أمريكيون من أصول أفريقية "أفرو أمريكان"، لتسليط الضوء على مساهمات الثقافات الأفريقية في تاريخ العالم، وهي قضية عادلة لكن في العقود اللاحقة انحرفت لتتخذ مساراً يعتدي على حضارات الآخرين وبخاصة في الشمال، لذا يعتبر كثيرون من العلماء أن نظرية "المركزية الأفريقية" هي بمثابة نسخة سوداء من "المركزية الأوروبية" البيضاء، إذ يدعي اتباع تلك النظرية أن الحضارة المصرية القديمة هي حضارة أفريقية سوداء، وأن المصريين المعاصرين هم أحفاد المستعمرين الذين توالوا على مصر.
كما يزعمون أن الحضارة الإغريقية في اليونان أسسها المصريون، وأن حضارة اليونان كانت النواة لحضارة الغرب ومن ثم فإن الحضارات حول العالم منشأها الأفارقة السود.
متى ظهرت حركة الأفروسنتريك ؟
وبهذا الصدد يقول الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس، لـ"بوابة الأهرام": تأسست الأفروسنتريك أو "الحركة المركزية الإفريقية " في عشرينات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هنا يجب التصدي لهذه الظاهرة التي انتشرت مؤخرًا؛ حيث أنها محاولة لسرقة التاريخ المصري وهذا الأمر ليس بالجديد فنهاك الكثير من الهجمات والاعتداءات التي تحاول بكافة الطرق تشويه التاريخ ونسبه لأنفسهم، كما تفعل «منظمة الأفروسترنك» التي هي في الأساس كانت تختص بتاريخ إفريقيا لتعرف أبنائها بتاريخهم التي مزقها الاحتلال والاستعباد ولا يخفى على أحد طبيعة الحضارة الأمريكية والأوربية التي نهبت خيرات أفريقيا.
وأوضح شقرة، أن استدلال «الافروسنتريك» في زعمهم هذا، على أن المصريين الموجودين حاليًا من أصول عربية، قد أتوا من شبة الجزيرة العربية واحتلوا الأرض، ونزح الزنوج بالتدريج للجنوب، ليس هذا فقط بل أنهم تعمدوا كسر «أنوف» التماثيل المصرية لمحو أي آثر يدل على ملامحهم الحقيقية، وبدءوا بتلوين المعابد والأماكن الأثرية في محاولة منهم لطمث الحقيقة، لافتًا إلى أن هناك أكاذيب حول الحضارة الأوربية المعاصرة وما بها من منتج حضاري منبتة الصلة عن الحضارة عن الحضارات القديمة فالحضارات القديمة ترجمت وخاصة الحضارة المصرية وأصبحت معروفة للعالم ومؤثرة جدا.
هجوم الأفروسينريك على الحضارة المصرية القديمة
وشدد أستاذ التاريخ الحديث على أن تحليل DNA للجين المصري أثبت تسلسل الأجداد والأحفاد وسماتهم من حيث الملامح وهجوم "الأفروسنتريك" على الحضارة المصرية القديمة ليست إلا نتاج طبيعي بسبب القهر والاستعباد الذي تعرضوا له في الماضي، موضحًا بالفعل كان هناك النوبة القديمة وهى جزء من مصر وجزء من الحضارة المصرية القديمة، لكن شكل المصري واختلاف الجين يختلف تماما عن الأفارقة حتى النوبة التي يمكن أن تكون مقاربة لهم في الشكل هنالك بعض الاختلافات.
كيف يمكن التصدي لظاهرة الأفروسنيريك؟
ونوّه شقرة أن محاولتهم العبثية باللجوء إلى الرسم الكاريكاتيري والتقريب بين الوجوه الموجودة على المعابد وإظهارها باللون الأسود؛ حيث أن والألوان لدى المصري القديم لها رمزية يعتمد عليها في تلوين التماثيل التي كان يصنعها، ولكنهم يريدون تزييف وسرقة التاريخ، مشددًا على ضرورة التصدي لهذه الهجمة، بالإضافة إلى تفعيل دور المؤسسات الثقافية والعمل على إنتاج أفلام وثائقية تتحدث عن التاريخ المصري من قبل الأحفاد المصريين فهم أعلم الناس بحقيقة تاريخهم.
الدكتور جمال شقرة
محاولات للعبث بالتاريخ والهوية المصرية
وتتفق النائبة رانية الجزايرلي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، مع الدكتور جمال شقرة لضرورة التصدي لظاهرة «الأفروسنتريك» المستحدثة والتي تم الترويج لها عبر فيلم كليوباترا المعروض على منصة نيتفليكس؛ حيث أنها محاولة للعبث بالتاريخ والهوية المصرية، خاصة عقب إنشاء متحف في احد البلدان الأمريكية يحتوي علي تماثيل مزيفة للمصريين القدماء وقناع مغلوط للملك توت عنخ آمون بوجوه سوداء واستضافة خبراء يؤيدون ويروجون للفكرة.
وأكدت الجزايرلي، وجوب اتخاذ موقف قوي وصلب ضد هذه الظاهرة حتى لا نجد أنفسنا بعد ذلك مضطرين لإثبات تاريخنا وآثارنا ونقع نحن في دائرة الاتهام بتغيير التاريخ، فلا يكفي ما يتم من مقارنات بين صور ممثلين والمصريين القدماء، ولا يكفي أن يقوم الدكتور زاهي حواس بشرح أن «كليوباترا» كانت من أصول يونانية، ولكن يجب وقفة قوية من الدولة المصرية للحد هذا الهراء وإطفاء فتنته في مرقدها.
النائبة رانية الجزايرلي
محاولات تشويه الحضارة المصرية
ومن جانبه، أوضح الدكتور أحمد عامر، الخبير الأثري والمتخصص في علم المصريات، أن "الأفروسنتريك" هو اتجاه أو تيار يهدف إلى إحياء القومية لدى أصحاب البشرة السوداء بالعالم ومحاولاتهم بالبحث عن أصل وعرق تتمحور أفكارها حول التعصب العرقي للون الأسود ونشأت هذه الحركة بالولايات المتحدة؛ حيث قاموا بالإدعاء أن جميع حضارات شمال أفريقيا هي في الأصل "زنجية" وألفوا العديد من الكتب لترويج تلك الأفكار الكاذبة، وأجمعوا أن منطقة شمال أفريقيا متمثلة في مصر والمغرب والجزائر وتونس كانت أصولهم أصحاب البشرة السمراء ولكن تمت إبادتهم قديما، وحاولوا أن يثبت أن المصريين القدماء أصلهم "زنوج"، مضيفًا إلى ادعائهم أن اللغة المصرية القديمة ترجع إلى "اللغة الأفريقية"، وأن أصل المصريين القدماء "سامي، حامى، زنجي، أفريقي"، وهى محاولات لسرقة الحضارة المصرية"، ومحاولة لتغيير وتزيف الحقائق.
وأشار عامر، إلي أنهم هم يرون أن المصريين القدماء أصلهم "سُود البشرة" من السودان، وأن المصريين الحاليين ليس لهم علاقة بالمصريين القدماء، وأن المصري التقليدي مات أو هاجر إلى الجنوب، وكل من في شمال مصر "جنسيات بعيدة عن العرق المصري"- بحسب اعتقاداتهم- يقولون إن المصري الأسود أصيل ونقي الدم، والمصري ذو البشرة الفاتحة ليس مصريًا أصيلًا، إنما جاء من دول عربية وأوروبية واحتل مصر، وإن المسلم المصري ينتمي للعرق العربي، إذ إنهم وضعوا شروطًا للمصري الأصيل، إما أن يكون أسود أو مسيحيًا.
دلائل علمية
وأكد الخبير الأثري إلي كذب هذه الحركة بالدلائل العلمية؛ حيث نجد من خلال جميع الدراسات أن لون البشرة للمصريين القدماء هو نفس لون البشرة للشعب المصري حاليا. كما أن المصري الحالي مطابق للهيكل والأطراف والجمجمة والعمود الفقري والمنحنيات للمصريين القدماء، ووفقا إلى الخريطة الجينية للمصريين قديما، فقد أثبتت تطابقها بنسبة ٧٠٪ لجينات المصريين حاليا، وأن الموقع الجغرافي لمصر هو سبب تغير طفيف في التركيب الجيني لبعض المصريين حاليا، والتي أكدتها الدراسات التي توضح شكل وعرق ولون المصري من آلاف السنين، حيث أن الجين المصري القديم لم يختلف على مدار آلاف السنين.
وأشاد عامر، لما سوف تقوم له الشركة المتحدة لعمل فيلم عن الملكة "كليوباترا"، بالإضافة إلي البيان الصادر عن وزارة السياحة والآثار، وقد قام المتخصصين في المجال الأثري بالرد وبقوة علي هذا الفيلم المزيف للتاريخ، وقد كان نتاج ذلك انتباه العالم لما يحدث من تشويه للحضارة المصرية القديمة.
الدكتور أحمد عامر