هي جزء من الحياة رضينا أم كرهنا؛ أوجاع الحياة لا مفر منها وبالوقت نفسه أمامنا دوما اختيارات ربما أسهلها وأكثرها انتشارًا -مع الأسف- هي الاستغراق في التحسر على الذات والتعامل وكأننا لم نر يومًا جميلًا بحياتنا أو أننا محرمون من كل النعم؛ وهذا ليس حقيقيًا ويزيد الأوجاع ونحرم أنفسنا من أهم "علاج" يزيل احتقان الوجع ويربت عليه ويمنحنا قوة نفسية "نحتاجها" بشدة وهو علاج وسلاح "وبراح" الشكر..
يُقال الشكر هو الثناء الجميل على من يمنحنا الخير ويُحسن إلينا؛ فلنتسابق في الشكر للخالق عز وجل دائمًا وأبدًا وعند مواجهة أي وجع..
والشكر لا يكون باللسان فقط ولابد أن يكون بالقلب أيضا وبالجوارح باستخدامها في طاعة الوهاب "وكراهية" المعاصي بأنواعها..
نتفق مع القائل: "من أضاع الشكر أضاع النعمة"؛ فلنجتهد دومًا في الشكر مهما لاقينا أوجاع في الحياة؛ فستنتهي بمشيئة الرحمن اللطيف بعباده ويبقى ثواب الشكر "يعطر" أعمارنا ويبدد أتربة وغبارات الأحزان وطاردًا لها أولًا بأول ويمنع "التصاقها" بأعمارنا والعكس صحيح.
من الأوجاع المنتشرة ما نعانيه جميعا من درجات مختلفة من المشاكل الصحية وربما المادية وبعض من الغضب الداخلي والإحباط وتراجع للعلاقات الأسرية والاجتماعية وعلاقات العمل وقدر من عدم الرضا عن النفس "وانزعاج" من بعض تفاصيل الحياة اليومية؛ بالإضافة إلى معاناتنا من الجفاف العاطفي والإنساني وقد يصل مع البعض للتصحر في العلاقات "وهامشيتها"؛ خاصة بعد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي "كبديل" للكلام والحوار المباشر والذي نتواصل فيه بالنظر قبل السمع ونشعر "بالونس" الإنساني ونلاحظ حركات الجسد التي تشعرنا بفرحة من نتكلم معه بالحوار أو بلا مبالاة "فنحدد" وفقا لها ما نمنحه له من وقت وربما مكان ومكانة في حياتنا.
نود أن نبدأ بالشكر للرحمن "بصدق" على كل النعم التي لدينا؛ فبالإضافة لكنوز الشكر الدينية فالشكر أفضل مقوي وداعم للحياة "ويذكرنا" بما لدينا بالفعل ونسيناه أو نتناساه في مبالغتنا بالتركيز على أوجاعنا أو في زحمة "اللهاث" وراء الأكثر أو لتورطنا في اعتياد النعم ولنتذكر قول الإمام علي كرم الله وجهه: "إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر".
وكلنا نفعل ذلك بدرجات متفاوتة بالطبع "ونحرم" أنفسنا من مساعدة النفس على التشافي بالشكر وبالابتسامة الشكورة وبالعقل الشاكر وبالقلب الشكور الذي يجعلنا أهدأ وأقل قلقًا فسبحانه رزقنا "جميعا" النعم ومنها الشفاء من مرض والصبر والتماسك في الأزمات والنجاة من ابتلاءات ومن فتن وانتصار على النفس الأمارة بالسوء، وصدق رب العزة "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"؛ فتذكر النعم "يطمئننا" إلى أن الوهاب سيعطينا الأفضل دوما متى شكرنا وتدبرنا الآية الكريمة: "لئن شكرتم لأزيدنكم".
نتمنى الحرص على شكر من نتعامل معهم في الحياة خاصة في الأسرة كبارًا وصغارًا؛ فيحسن العلاقات ويزيح طبقات الجليد المتراكمة عبر سنوات ويقلل جفاف المشاعر وبرودها للاعتياد أو لنفاذ الصبر لتكرار بعض المضايقات وإن كانت صغيرة، ويساعدنا على الفوز بأفضل علاقات "ونتفرغ" لمواجهة أوجاعنا ووضع الخطط للخلاص منها أو تقليلها ما استطعنا، بدلا من جلب مشاكل جديدة لأنفسنا إذا لم نتعامل بلطف مع شركاء الحياة وزملاء العمل وغيرهم.
فلنشكر من نتعامل معهم خلال اليوم من باعة وغيرهم ونبتسم لهم؛ فالشكر يقلل الشعور بالغضب "ويزيح" العصبية ويحسن كل العلاقات ولو بعد حين؛ "بشرط" الصدق والبعد عن المجاملات والمبالغات التي تؤدي لنتائج سيئة ويزيد الرضا الايجابي عن النفس ونشعر بالرقي؛ فتتحسن علاقتنا بأنفسنا ويساعدنا ذلك على الشفاء النفسي والجسدي أيضًا.
ولنتذكر الحديث الشريف: "من لم يشكر الناس لا يشكر الله".
الشكر سيوسع مساحة الرضا داخلنا والرضا هو أوكسجين الصحة النفسية، ويجعلنا أكثر رغبة بالتعامل الإيجابي مع منغصات الحياة التي تحاصرنا جميعا وأكثر قدرة على التقليل منها تدريجيا والرضا يساعدنا على تحسين وتقوية الصحة الجسدية لأنه يقلل من الانفعالات الضارة التي "تلتهم" الصحة الجسدية بضراوة بشعة.
لاحظنا أننا "جميعا" نغضب بشدة ونحزن كثيرًا عند تأخر ما نريده أو حدوث مشكلة أو تعرضنا لأوجاع وعندما تنتهي ويأتي ما نريده لا نفرح كثيرا وكأننا نرى أنه "حقنا" الذي تأخر فنؤذي أنفسنا مرتين؛ الأولى للحزن البالغ، والثانية لأننا لا نغسل الحزن بالفرحة الناعمة وبالشكر الحقيقي الذي يضاعف النعم وندعو أن نتغير ونحمي أنفسنا.
كما ننبه لأهمية شكر النفس على "رغبتنا" أن نكون أفضل وأقوى في مواجهة أوجاعنا وعلى إنجازاتنا وتصرفاتنا "الطيبة" ومنح النفس الحب والاحترام والتقدير وكذلك "التصفيق" الذي نمنحه "بسخاء" لمن يفعل ذلك "ونبخل" به على أنفسنا؛ فشكر النفس بلا مبالغة بالطبع أفضل "منشط" للحماس الداخلي، وأهم حافز للنهوض بالنفس ورفض الانكسار أمام أية أوجاع، "وتجديد" اختيار حسن الظن بالرحمن وتهدئة النفس والاستعانة بالله القوي الكافي المُعز وكلنا "يقين" أننا سننجو من الأوجاع وستكون رفعًا -بمشيئة الرحمن- لنا في الدين والدنيا وسنستفيد منها بخبرات وسيتضاعف شكرنا للوهاب ما دامنا ننتفس فلنجعل الشكر "رفيقًا" دائمًا لنا في السراء والضراء وبه ستهون الأوجاع وتتراجع ونتعافى بأسرع وأفضل مما نتوقع والعكس صحيح عند "غياب" الشكر.