تؤثر وسائل الاتصال والتواصل بكافة أشكالها، على سلوكيات الطفل من الناحية النفسية والاجتماعية والتربوية، وتُسهم في بلورة أفكاره وتكوين شخصيته بشكل كبير.
موضوعات مقترحة
كما تسبب في تحديد التوجهات التي قد يتبناها الطفل عندما يكبر؛ لذلك يجب عدم الاستهانة بتأثير وسائل الإعلام؛ لأنها تُسهم في توجيه أفكار الطفل في عمرٍ مبكر، خصوصًا أن الأطفال يدمنون على مشاهدة وسائل الإعلام المختلفة بشكلٍ كبير.
تأثير وسائل الإعلام بين السلب والإيجاب على الطفل
تقول الدكتورة ليلى عبد المجيد عميد كلية الإعلام الأسبق، إن وسائل الإعلام تؤثر في الأطفال بنسبة 34%، يليها الوالدان بنسبة 32%، ثم يأتي تأثير الأصدقاء بنسبة 20%، ثم المدرسة بنسبة 14%، كما أن وسائل الإعلام وتحديدا التليفزيون وغيرها من التطبيقات الرقمية على الهواتف وأجهزة الحاسب الآلي، لها آثارها الإيجابية والسلبية في حياة الطفل، لأنها وسائل إعلامية تخاطب حواسه مما يساعد على جذب انتباهه والتركيز معها؛ بل إنه قد يصل أنه يصدقها أكثر من والديه.
الدكتورة ليلى عبد المجيد
"وقد توجد العديد من الآثار الإيجابية لوسائل الإعلام كنقل المعرفة، وتنمية قدرات البحث والاستطلاع والاكتشاف، وتنمية وتطوير الخيال، ولكن لها أيضًا آثار سلبية لها مثل تنمية مشاعر العدوانية والعنف وحب الجريمة والاستهانة بحقوق الآخرين في سبيل تحقيق غايته.
هل تسبب وسائل التواصل تأخر الطفل فكريًا؟
وتشير الدكتورة ليلى عبد المجيد، إلى أن كثرة مشاهدة الطفل لوسائل الإعلام، تعيق تطور قدرات الطفل التأملية والإبداعية، كما أنها تسهم في اضطراب نظام الطفل اليومي، وعدم التزامه بأوقات النوم والطعام، وبذلك ينشئ الطفل على مبدأ الاستهتار بالوقت، ويؤدي ذلك إلى إصابته بالعديد من الأمراض الصحية والجسمية.
الطفل يكتسب الكسل من الأصدقاء
يقول الدكتور إبراهيم عز الدين عميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بـ ٦ أكتوبر الأسبق، إن الأطفال تتأثر بأصدقائهم، سواء كانوا كسالى أو مجتهدين يتأثر الطفل بهم، فالأطفال القريبون من أطفال مجتهدون يعملون بانتظام، هذا جعل الأطفال جميعهم مجتهدين، وبذلك هذه العدوى تنتقل في حالة الأطفال الكسالى أو ذوي السلوك المنحرف.
الدكتور إبراهيم عز الدين
تأثير ودور وسائل الإعلام في تربية الأطفال
يضيف عز الدين، أن وسائل الإعلام في الوقت الحالي أصبحت جزءاً أساسياً من تنشئة الطفل الاجتماعية، كما أنها مصدر للتعلم والترفيه لمختلف الفئات العمرية، ولكن رغم ذلك تعتبر وسائل الإعلام سلاحا ذا حدين، حيث إن لوسائل الإعلام تأثيرات سلبية على الأطفال لأنها تعمل على تخدير حواسهم، وتحد من قدرة الطفل على التخيل واللعب ، وعدم الشعور بآلام الآخرين.
"ولكن قد يوجد دور إيجابي لوسائل الإعلام من ناحية أنها تعتبر طريقة لتغيير سلوكيات الطفل الخاطئة، وتوسع من مداركهم ومعرفتهم، كما أن لوسائل الإعلام دورا إيجابيا في التربية، هذا في حالة تأهيل إعلاميين متخصصين في إنتاج بيئة تربوية إعلامية بحيث تتوافق مع أخلاقيات وأهداف المجتمع مما يساعد على نشر معلومات تؤثِّر في المدارك المعرفية والنفسية للأفراد.
وقد تستطيع وسائل الإعلام تعليم الأطفال الرسم والألوان، والأشكال وأجزائها ومدى مناسبتها لبعضها، كما تساهم وسائل الإعلام في توسيع خيال الأطفال القصصي والدرامي، أيضا تسهم وسائل الإعلام في تعزيز الشعور الديني والوطني، وتساعد وسائل الإعلام الطفل على معرفة تراثه وتاريخه بطريقة تتناسب مع عمره.
الاعتماد على توجيهات وسائل الإعلام بدلا من المتخصصين
وفي سياق متصل، يقول الدكتور إبراهيم عز الدين، إن من مخاطر وسائل الإعلام أنه يزداد الاعتماد عليها لمعرفة المعلومات والأساليب التربوية بدلا من اتباع الوسائل التقليدية كسؤال المتخصصين التربويين، لكن هناك دور سلبي لوسائل الإعلام، تتلخص في عدم السيطرة على محتوى المعلومات التي يتلقاها الأبناء جراء استخدامهم لهذه الوسائل، ما قد يعرضهم لمشاهدة مواقع ذات محتويات مؤذية ومخلّة بالآداب، مما يؤثّر على نمط تفكيرهم.
"كما يتعرض بعض المراهقين للتنمر الإلكتروني والتهديد مما قد يعرضه للأذى النفسي، وتسبب وسائل الإعلام نوعا ما إهدار وقت الأبناء، والتسبب بالإدمان على استخدام ومشاهدة هذه الوسائل ، مما يؤثر على صحتهم الجسدية، وعدم قدرة الأبناء على اكتساب علاقات شخصية قوية.
الدور السلبي لوسائل الإعلام في طريقة تربية الأبناء
وينوه، أن وسائل الإعلام خاصة وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على المربين سلبا، وتظهر التأثيرات السلبية بصورة متعددة، ومنها شعور الوالدين بالإحباط؛ بسبب مقارنة أساليبهم التربوية مع من يعتبرونهم أكثر نجاحًا في هذا المجال على وسائل الإعلام، والذين قد يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لعرض إنجازات أطفالهم، دون ذكر الصعوبات التي واجهتهم أثناء ذلك.
"كما أن قضاء الكثير من الساعات على مواقع التواصل الاجتماعي، يؤدي إلى ظهور العديد من المشاكل في العلاقات الأسرية، والتي أثّرت على طريقة تفاعل الوالدين مع بعضهم ومع أطفالهم، كما أن الإفراط في مشاركة المعلومات المتعلقة بالطفل، قد تؤدي إلى تعرض الطفل للخطر، وجعله مهتماً بشكل أكبر بالتفاعل الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، ليصبح أكثر رغبة في الشهرة الافتراضية، وذلك يعود لتركيز الوالدين على نشر تفاصيل أطفالهم، والرغبة بالتفاخر بإنجازاتهم على تلك المواقع.
كيف يمكن توجيه الإعلام في تنشئة الطفل
ويشير، إلى أنه يجب التحكم بقدر الإمكان في وسائل الإعلام، وذلك لإتاحة الفرصة للطفل كي يأخذ أقصى استفادة من وسائل الإعلام، دون أن يؤثر هذا على قدراته الأخرى مثل التخيل واللعب الحر والاندماج الاجتماعي، خصوصا أن جلوس الطفل لساعات طويلة أمام وسائل الإعلام المختلفة قد يصنع لديه فجوة في التعامل مع البيئة المحيطة به.
"كما أن التأثير الأكبر للإعلام على الأطفال يكون من خلال الإعلام المرئي والمسموع أكثر من المقروء، لأن الإعلام المرئي يجمع ما بين الدور الترفيهي والدور التربوي والدور التثقيفي للطفل، وبذلك تمنح الطفل الفرصة للخطاب المباشر لحاستي السمع والبصر، مما تزيد من جذب انتباهه لإشباع الحاجات الإنسانية لديه، والتي تكون كبيرة في مرحلة الطفولة، ورغم ذلك فإن الإعلام قد يسبب حدوث عزلة اجتماعية للطفل، وإدمان على حضور البرامج الخاصة بالأطفال، وقلة التركيز على اللعب مع الأصدقاء أو ممارسة الأنشطة المختلفة، وقد يغذي العنف عند الأطفال، ويدلّه على طرق مختلفة لممارسة هذا العنف سواء العنف الجسدي أو اللفظي.
كما أن الإعلام يسبب عمل فجوة كبيرة بين الطفل والأهل من ناحية، وبين الطفل وأقرانه من ناحية أخرى، خصوصا إذا أُصيب الطفل بإدمان على وسائل الإعلام المختلفة، وبعض القنوات غير الهادفة التي يكون هدفها التسلية والترفيه فقط، دون إضافة أي فائدة تُذكر للطفل من الناحية الثقافية أو الاجتماعية أو التعليمية، إلا أنها تزيد في عزلة الطفل وعدم ممارسته للأنشطة الاعتيادية التي يقوم بها الأطفال، وهذا قد يكون له العديد من التبعات النفسية والصحية، والتي يجب الانتباه إليها وعدم التهاون فيها أبدًا أو التغاضي عن تأثيرها في شخصية الطفل وسلوكه وطريقة تفكيره.
طرق تسهم في تقليل الآثار السلبية الناتجة عن مشاهدة الطفل لوسائل الإعلام
ويضيف، أنه يمكن تخفيف تأثير الناحية السلبية للإعلام على الأطفال، وذلك من خلال اختيار البرامج التي يسمح للطفل بمتابعتها على التليفزيون وكافة وسائل الإعلام، كما يمكن تعليم الطفل الفرق بين البرامج الهادفة وغير الهادفة، وتوجيهه بطريقة الوعظ والإرشاد، كما يمكن التخلص من وجود القنوات التي لا تُناسب الطفل، وتعزيز سلوكه في التعامل معها، ويجب أيضا تحديد وقت مخصص لحضور الطفل وسائل الإعلام المختلفة، وعدم السماح له بقضاء الوقت أمام وسائل الإعلام المختلفة طول الوقت دون أي محاسبة.
"ولحماية الطفل من الآثار السلبية لوسائل الإعلام، يجب ضمان مراقبة الآباء والأمهات لأطفالهم، ففي الوقت الحالي أصبح الإعلام موجها بدرجة كبيرة، خاصة أن الكثير من الجهات الإعلامية الموجهة للطفل إلى خلق أبطال أسطوريين وخرافيين وتخزينهم في عقل الطفل بدلًا من إرشادهم إلى معرفة الأبطال الحقيقيين وقصص الأنبياء والصحابة مثلًا، مما يغيب وجود القدوة الحقيقة للطفل.
كما يكون من الأفضل التوجيه الأكبر بالنسبة للطفل أثناء متابعته لوسائل الإعلام بجلوس أحد والديه أو كليهما معه أثناء حضوره للبرامج وأناشيد الأطفال، ومشاركته حضور البرامج التي يحبها، والاستماع إلى وجهة نظره، وفي الوقت نفسه يجب إزالة القنوات التي تُشوه المفاهيم في عقل الطفل، خصوصا القنوات الإعلامية التي تبث الانحلال والعادات الخارجة عن المجتمع.