تعد قضية الوصاية على الأبناء في حالة وفاة أحد الأبوين، إحدى القضايا المجتمعية الشائكة التي تؤرق شريحة كبيرة من المواطنين، وجاء مسلسل "تحت الوصاية " الذي عرض في رمضان، بمثابة جرس إنذار جديد، بعد أن سلط الضوء حول هذه القضية المهمة التي يجب أن تجد لها حلا عادلا، يحافظ على حقوق الأم أو الأب في تربية الأبناء، بعيدا عن نصوص قانونية لا تراعي أي مشاعر، ولا تهتم بواقع مجتمعي أسري، ولا تحقق صالح الأسرة بعد وفاة أحد الأبوين.
موضوعات مقترحة
مشهد من مسلسل تحت الوصاية
ووفقا للقانون الحالي، تؤول الوصاية على الأبناء، للجد بعد وفاة الأب، وفي حالة وفاة الأم، تؤؤل الوصاية على الأبناء إلى الجدة، بينما تُنتزع من الأب أو الأم الذي ظل على قيد الحياة، أبسط حقوقه في الرعاية والتربية للأبناء .
قصص مأساوية، ومآس حقيقية، تقف خلف كل حالة في ظل الوصاية، ولم يكن ما عرضه "المسلسل الدرامي " سوى حالة أو نموذج لسيدة توفى زوجها وترك لها ولد وبنت آلت الوصاية عليهما إلى الجد المُسن الذي لم يستطع القيام بواجبات التربية والتعليم، الأمر الذي دفع الأم إلى الهروب إلى بلد آخر بحثا عن الأمان، فإذا بها تتعرض لمشكلات وأزمات كثيرة لا تقدر عليها أم تبحث عن الأمان والاستقرار ..القصة الدرامية في مجملها عرضت أبعاد الأزمة، وكشفت عن عوار قانوني جسيم، آن له أن ينتهي، حفاظا على مستقبل جيل جديد اكتوى باليُتم، والحرمان في سنوات عمره الأولى.
"بوابة الأهرام " كانت قد سبقت هذا العمل الدرامي الناجح وفجرت هذه القضية عبر تحقيق بعنوان " المنسيون في قانون الأحوال الشخصية.. قصص مأساوية لـ" آباء أرامل" والضحايا هم الأطفال " تناولت وقائع وتجارب وقصصا مأساوية، عاشها آباء أرامل بسبب قانون الوصاية، وكيف أنهم غير قادرين على تربية الأبناء الذين فقدوا الأم، بينما أصبحت الجدة بحكم قانون جائر، هى المتحكم في مصير هؤلاء الأبناء.
واستكمالا لطرح هذه القضية المهمة تعيد "بوابة الأهرام " فتح الملف وتعرض في التحقيق التالي، فصلا جديدا من قضية الوصاية بحثا عن حلول، وفي الوقت نفسه، سعيا للتوصل إلى رؤية اجتماعية وتشريعية مقبولة تعيد الحقوق إلى أصحاب الحق، وتحافظ على أبناء فقدوا حنان الأب أو الأم.
أب يعاني رؤية طفلته بعد وفاة زوجته بسبب قانون الأحوال الشخصية
قانون الأحوال الشخصية
بحسب قانون الأحوال الشخصية الحالي، يكون الجد في حالة وفاة الأب، هو الولي على الأبناء القصر وأموالهم، بينما تذهب الوصاية على أموال القصر للأم في حالة وفاة الجد، إذا لم يطعن العم.
ويظهر دور النيابة الحسبية أو المجلس الحسبي، حينما تذهب الوصاية للأم عقب وفاة الجد، وبموجبه تظهر العديد من المشكلات في مسألة صرف أموال القصر، حيث يتطلب الأمر تقديم فواتير مختومة للمجلس الحسبي وفقا لمحددات مالية، وهذه الإجراءات يرجع عهدها لقانون الولاية على المال، الصادر في الخمسينات، والذي أصبح يصطدم بالواقع الحالي في ظل المتغيرات الحياتية الجديدة، الأمر الذي يحتاج إلى تدخل تشريعي.
التصرف في أموال اليتامى
بحسب ماجدة محمود، والدة لطفلتين أعمارهما 19 ، و 17 عامًا ، يمثل المجلس الحسبي عقبة أمام التصرف في أموال الأبناء القُصّر، إذ لا يتيح لنا كأمهات التصرف في أموالهم – التي تُنفق على احتياجاتهم من التعليم والصحة والغذاء والكساء – إلا بعد بلوغ سن 21 عامًا، في الوقت الذي يعاقب فيه القانون هؤلاء القُصّر عند ارتكابهم مخالفات قانونية، متسائلة :" لماذا لا يمنح المجلس الحسبي أبناءنا حرية التصرف في أموالهم عند سن 18 عامًا وليس عند سن 21 عامًا ؟.
الحد الأقصى لصرف الأموال
تضيف ماجدة محمود، فتقول، بحسب شروط المجلس الحسبي، يحق للوصي أن يصرف مبلغا من أمواله – كمصروف – كل ثلاثة أشهر، ولكن هناك حدا أقصى للصرف وهو 10 آلاف جنيه، لافتة إلى أن هذا الحد يمثل عقبة أمامها :" بنتي في كلية تجارة إنجلش ومصاريفها 25 ألف جنيه، وتركتها تسمح بدخولها هذه الكلية" متسائلة كيف يمكنني تغطية هذا المصروف والحد الأقصى للصرف 10 آلاف جنيه فقط ؟
أب يعاني رؤية طفلته بعد وفاة زوجته بسبب قانون الأحوال الشخصية
تجمد التعاملات الإنسانية
وتقول نوال عبد المقصود، والدة لطفلة قاصر عمرها 13 عامًا، ذهبت للمجلس الحسبي لصرف المبلغ المقرر صرفه كل ثلاثة أشهر، وكنت مريضة، وأعاني كسرًا في القدم اليسرى، وتُقلني آلامي التي لم ينتبه لها المجلس، حيث رفض صرف المبلغ المستحق لأنني ذهبت قبل مرور الثلاثة أشهر بيومين فقط، وعدت إلى منزلي بعد انتظار أكثر من 5 ساعات، أجر أذيال الخيبة وأعاني ألما في قدمي وعدم مرونة المجلس في هذا الإجراء.
الفواتير قبل الصرف
وتقول ناهد محمد، والدة لطفل قاصر عمره 16 عاما، لا يتيح لنا المجلس الحسبي، صرف المبلغ الذي نعتبره مصروفا ننفق منه على احتياجات الغذاء والكساء والتعليم مثلًا إلا بعد دفعه مسبقًا.
تتابع والدة الطفل القاصر، فتقول :" لا يصرف لنا المجلس الحسبي قيمة مصروفات المدارس مثلًا إلا بعد دفعها مسبقًا وتقديم الإيصالات الخاصة بالمبلغ المدفوع حتى يوافق على صرف هذا المبلغ لنا، متسائلة : لماذا يجبرني المجلس الحسبي على طرق أبواب الناس للاستدانة بهذا المبلغ حتى يتسنى لى دفع المصروفات مسبقًا وتقديمها له، لماذا لا يصرف لي المبلغ المطلوب ويلزمني بعد الصرف بتقديم الإيصالات، هذا يحفظ كرامتنا وكرامة أبنائنا أكثر.
طول الانتظار
وتقول منى حسن، والدة لطفلتين قُصّر، تتراوح أعمارهما بين 9 و 15 عامًا، يضيع الكثير من الوقت عند قيامي بصرف أي مبلغ من أموال البنات، حتى عائد الشهادات، وغيره، إذ يتطلب أي إجراء التقديم عليه أولًا ثم انتظار الموافقة التي تستغرق 10 أيام حدا أدنى، فضلًا عن الإرهاق البدني في الذهاب والإياب إلى المجلس والتنقل بين إداراته المختصة بطبيعة الإجراء المراد تطبيقه.
أب يعاني رؤية طفلته بعد وفاة زوجته بسبب قانون الأحوال الشخصية
المجلس الحسبي
وتقول سلوى عبد الحميد، والدة لثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين 19 و 16 و 12 رغم العقبات التي تتسبب فيها شروط المجلس الحسبي إلا أنني ضد فكرة إلغاء هذا المجلس ولست مع من ينادى بذلك، لأنه كما توجد أمهات حكيمات يُمكن بالفعل ائتمانهن على أموال أبنائهن بعد وفاة الأب، يوجد أيضًا أمهات غير أمينات على هذه الأموال، ولذلك أرى أن دور المجلس الحسبي مهمًا مع مرونة بعض الإجراءات وتخفيف بعض الشروط.
آباء منسيون
الولاية على أموال الأبناء القُصّر ليست وحدها المشكلة التي تواجه كثيرا من الأسر في قانون الأحوال الشخصية، فهناك مشكلة الولاية على النفس التي يتأذّى بسببها ملايين الآباء من الرجال الأرامل الذين فقدوا زوجاتهم بالوفاة، وألزمهم قانون الأحوال الشخصية بترك الأبناء لتؤول ولايتهم إلى الجد والجدة للأم المتوفية، فيتحول الزوج بمجرد وفاة زوجته إلى ضيف في حياة أبنائه، لأن القانون لا يسمح لهم بالعيش معه ولا يسمح له برؤيتهم إلا ساعات محددة في يوم محدد كل شهر، بشرط أن تكون الرؤية في مكان عام مثل مكتبة أو نادي أو مركز شباب.
أب يعاني رؤية طفلته بعد وفاة زوجته بسبب قانون الأحوال الشخصية
قانون الرؤية
وقد فجرت "بوابة الأهرام"، هذه المشكلة في يونيو الماضي ونشرت تحقيقًا بعنوان : المنسيون في قانون الأحوال الشخصية.. قصص مأساوية لـ" آباء أرامل" والضحايا هم الأطفال .. وتحدث التحقيق عن المعاناة وأثرها القاسي في نفوس الآباء والأبناء، ليوجه الرئيس السيسي بعد ذلك بتعديل قانون الأحوال الشخصية فيما يخص الولاية على النفس وحقوق الرؤية.
مجلس النواب
وبالتواصل مع مجلس النواب، فيما يخص الولاية على أموال القُصّر والملاحظات التي أبدتها الأمهات لـ"بوابة الأهرام"، قال النائب إيهاب الطماوي، وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، إن هناك تعديلات تشريعة تجري حاليًا على ما يتعلق بحقوق الولاية على أموال القُصّر.
وأضاف الطماوي في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، أن هناك لجنة مُشكّلة بوزارة العدل، والأزهر الشريف، لإجراء هذه التعديلات، والاتفاق على الصياغات القانونية مع الشرع، وأن التعديلات ستتعرض لكل الشكاوى التي أبرزتها "بوابة الأهرام"، سواء فيما يتعلق بحقوق الوصاية على أموال القُصّر أو مشكلات الرؤية وحق الوصاية بعد وفاة أي من الزوجين.
وقال وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، إن قانون الأحوال الشخصية، يحظى بشكل عام وليس كجزء معين، باهتمام شخصي من الرئيس السيسي الذي يعتبر هذا القانون يمس النواة الأساسية للمجتمع وهي الأسرة.
النائب إيهاب الطماوي، وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب
تعديلات تشريعية مرتقبة
وأكد أن الرئيس يحرص على إعداد مشروع قانون يعالج كافة الإشكاليات العملية التي ظهرت خلال السنوات الطويلة الماضية، وليس فقط جزءا من هذه المشكلات، خاصةً وقد أشارت التجارب إلى وجود بعض الصعوبات والمشكلات العملية التي تتطلب تعديلات تشريعية لعبورها بما يتفق وطموحات الأسرة المصرية.
وقال وكيل اللجنة الدستورية والتشريعية، إن اللجنة المُشكلة بوزارة العدل مع الأزهر الشريف، عندما تنتهي من إعداد مشروع القانون، الذي وصفه بأنه مشروعًا متكاملاً يتضمن كل ما يتعلق بالولاية على النفس، والولاية على المال، ستقوم وزارة العدل بطرحه للحوار المجتمعي، ثم اتباع الإجراءات الدستورية بشأن هذا القانون حتى يتسنى خروجه إلى حيز التطبيق وتحقيق الانفراجة النفسية التي يرتقبها الكثير من أولياء الأمور في مسائل مختلفة.
سن الرشد
أيضًا، طالب محمد إسماعيل، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بتشكيل لجنة استطلاع ومواجهة بشأن قياس الأثر التشريعي لقانون الولاية على المال (قانون 19 السنة 1952) .
وأشار إسماعيل، في الطلب البرلماني الذي تقدّم به إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، إلى أهمية مراجعة القانون الخاص بالولاية على أموال القُصّر، والذي يمنع الأم الأرملة من الحصول على حقوقها بالوصاية، والتصرف المباشر في أموال أبنائها ممن لم يبلغوا سن الرشد (21) عاما وفقا للقانون.
وتقدمت أميرة العادلي، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس النواب ووزير العدل، بشأن الوصاية على المال وإجراءات استخراج الأموال من التركة للأطفال القصر، وآليات وضع أموال القصر في البنوك، في ظل عدم وجود رؤية واضحة بشأن إيداع الأموال في أنسب وضع مالي، وأعلى فائدة بنكية، حفاظا على أموال القصر وتنميتها، وكذلك الإجراءات الأخرى الخاصة بالمدارس والأمور التعليمية.
الأطفال القُصّر
وللأهمية المجتمعية التى يحظي بها قانون الوصاية، تعد ريهام عفيفي، عضو مجلس الشيوخ، دراسة برلمانية متكاملة حول المشكلات التي يواجهها قانون الوصاية والصادر منذ الخمسينيات، قائلة إنّ الدراسة ستتضمن حصرا ميدانيا وقانونيا للإشكاليات التي يواجهها القانون الحالي، وأبرزها تحكم المجلس الحسبي في الأمور التي تتعلق بأموال الأطفال القصر.
دور مجتمعي
وبالتواصل مع خبراء علم الاجتماع، قالت الدكتورة هالة يسري، أستاذ علم الاجتماع، إن خضوع القوانين لتعديلات ومعالجات ليست بخطوة مستحيلة، لأن القوانين جاءت لتنظيم العلاقات بين الناس وليس لتعقيدها.
وأضافت أستاذ علم الاجتماع، في حديثها لـ"بوابة الأهرام"، أن التحركات البرلمانية نحو الصعوبات التي تواجهها كثير من الأسر، فيما يخص الولاية على أموال القُصّر أو الولاية على الأبناء بعد وفاة أحد الزوجين، إنما تعكس دور مسئول من النواب نحو المجتمع الذي صوت لهم في صناديق الانتخابات ليكونوا سندًا له عندما يحتاجون إليه.
الدكتورة هالة يسري، أستاذة علم الاجتماع
وقالت أستاذ علم الاجتماع، إن توجيهات الرئيس السيسي بتعديل قانون الأحوال الشخصية بشكل عام، وليس فيما يخص جزءا منفصلا، إنما يعكس مدى متابعة الرئيس لقضايا الأسرة المصرية وحرصه على معالجتها واستقرارها عبر انفراجة قانونية مرتقبة.
انفراجة نفسية
ويقول الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، إن المشكلات التي تواجه كثير من الأسر المصرية عند التعامل مع المجلس الحسب فيما يخص التصرف في أموال الأبناء القُصّر تنال من نفوس الأسرة ككل، فعندما تعاني الأم إجراءات الحصول على مخصصات الإنفاق على أبنائها تعدد الخطوات أو زيادة المدة الزمنية، أو تعنت بعض الاشتراطات كإلزامها بسداد مصروفات التعليم أولًا وإحضار الفواتير الرسمية، ليتسنى لها استلام المبلغ من المجلس الحسبي، يعرضها لمشاعر نفسية سلبية تنال من كرامتها وكرامة أسرتها، خاصة إذا لجأت الأم للاستدانة حتى يتسنى لها جلب الفواتير مسبقًا للمجلس.
ويوضح الطبيب النفسي أن ما تمر به الأم من انفراجة نفسية أو ضيق نفسي ينعكس بالتبيعة على الأبناء، مؤكدًا أن التعديلات التشريعية التي تجري حاليا على قانون الأحوال الشخصية، سيكون لها بالغ الأثر الإيجابي على ملايين البيوت المصرية سواء السيدات اللاتي يواجهن صعوبات فيما يخص الولاية على أموال الأبناء أو الرجال الذين يعانون من مشكلات الرؤية والولاية على الأبناء بعد وفاة زوجاتهم.
ويؤكد استشاري الصحة النفسية، أن توجيه الرئيس السيسي بالعمل على هذه التعديلات والخروج بقانون جديد للأحوال الشخصية يكون مُنصفًا للأبناء الذين انفصل عنهم آبائهم، وكذلك لكلا الزوجين حال وفاة أحدهما عن الآخر، يعطي رسائل طمأنه لهذه الأسر، بل وللمجتمع ككل، مفادها أنهم حال وقوعهم في مثل هذا النصيب – انفصال الأبوين أو وفاة أحدهما عن الآخر – ستكون هناك حياة كريمة بانتظارهم، خالية من الإجراءات المعقدة قدر الإمكان.
الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية