ها هو شهر الصوم الفضيل يلملم ساعاته الأخيرة وتغيض أنواره ويتأهب للرحيل، ويعتبر شهر رمضان فترة تقييم يقاس فيها مستوى الإيمان الذي نملكه، فالمسلم عادة ما يتحمس في هذا الشهر الكريم، ويتحول إلى كائن رمضاني، صائم بالنهار وقائم بالليل، يضبط شهواته، ويكظم غيظه، ومسارع للخيرات والصدقات، ويلتزم بجميع النوافل، ولكن ما إن ينتهي شهر رمضان لا يداوم البعض على حاله ويعودون إلى حياتهم الطبيعية وما فيها من مخالفات ومعاص.
موضوعات مقترحة
لكن على المسلم أن ينتبه أن عبادة الله سبحانه وتعالى، والمنافسة في الطاعة والجد في القيام بما يرضيه الله، لا يتوقف على شهر من شهور السنة أو أيام معدودة، فإن انقضى شهر رمضان الكريم، فإن العبادة لا تنقضي، وعمل المسلم لا ينتهي إلا بمفارقة روحه بدنه، وقال الله سبحانه وتعالى لرسولنا الكريم، "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"، واليقين هو الموت، فالمسلم مطالب بالمداومة على طاعة الله، والاستمرار في عبادته إلى أن يتوفاه الله.
لماذا الفتور بعد رمضان؟
وإذ رجعنا إلى الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الظاهرة، لوجدنا أن من أهم الأسباب لذلك، تحول رمضان في نظر الكثير من إطار العبادة إلى إطار العادة، فكثير من الناس لا ينظر إلى رمضان إلا على أنه شهر تمارس فيه عادات معينة، ينبغي ألا يخالف الناس في أدائها.
ويؤكد الدكتور عطية لاشين أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف، أننا نجد البعض مثلا يصوم رمضان في حين أنه لا يصلي وربما صلى التراويح من غير أن يقوم بالفريضة، ما يؤكد أن هؤلاء لم يتعبدوا في رمضان إلا بمنطق العادة لا العبادة، لذا ما أن ينقضي الشهر الكريم حتى يعود كل شخص إلا ما هو عليه.
وهناك سبب آخر، وهو ما يشعر به المسلم حتى ولو كان عاصيًا، من أجواء إيمانية في هذا الشهر المبارك، نتيجة ما ميزه الله به من تصفيد الشياطين، وإقبال النفوس على الطاعة، وفتح أبواب الجنان، وغلق أبواب النيران، كل هذه الأجواء تساعد المسلم على التقرب إلى ربه، والبعد عن المعاصي والسيئات، فإذا انتهى رمضان، واختفت تلك الأجواء، عاد العاصي إلى معصيته، واللاهي إلى لهوه.
ومن الأسباب كذلك، بحسب أستاذ الشريعة الإسلامية، ما يتسرب إلى النفوس الضعيفة من ملل وفتور بعد الحماس والنشاط، ولعل المتابع يلحظ ذلك في تناقص المصلين في التراويح في آخر الشهر خلافاً لبدايته، فالعبادة وإن كان لها أثر عظيم في طمأنينة النفس وسكونها، إلا أنها تحتاج إلى مجاهدة ومغالبة للنفس وأهوائها؛ لأن النفس مطبوعة على حب الدَّعَة والقعود والإخلاد إلى العاجلة، والغفلة عن الآجلة.
ولعلاج هذه الظاهرة ينبغي تعريف المسلم بعبوديته لربه، وأن هذه العبودية عبودية دائمة غير مقيدة بزمان ولا بمكان، وعمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله، فقال الحسن البصري رحمة الله عليه: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت، ثم قرأ قوله عز وجل: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين".
عبادات ما بعد شهر رمضان
لئن كان صيام الفرض في رمضان قد انقضى زمنه، فقد شرع الله تعالى للسابقين بالخيرات أياماً تصام طوال العام ، أولها صيام الست من شوال، ففي صحيح مسلم : من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر”، ونوضح فيما يلي طائفة من الأعمال التي ينصح بالاستمرار بها بعد شهر رمضان، وطوال العام، بحسب الدكتور عطية لاشين أستاذ الفقه والشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف.
ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال، "من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر".
-
صيام ثلاثة أيام من كل شهر
حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله"، وعن أبو هريرة رضي الله عنه: "أوصاني خليلي بثلاث.. وذكر ثلاثة أيام من كل شهر"
والأفضل أن تكون في أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لحديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر , إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة".
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الإثنين والخميس"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".
ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عرفة, فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية"
سئل صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء, فقال صلى الله عليه وسلم: "يكفر السنة الماضية".
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الحرام".
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل شهراً قط إلا شهر رمضان, وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان, وفي لفظ : كان يصومه كله إلا قليلا".
قال صلى الله عليه وسلم "أفضل الصيام عند الله صوم داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوما".
ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل الله سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر, فيقول: من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له"
وصلاة الليل تشمل التطوع كله والوتر، وأقل الوتر ركعة وأكثرها إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة .
-
السنن الرواتب التابعة للفرائض
وهي اثنتا عشرة ركعة أربع قبل الظهر, وركعتان بعدها, وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء, وركعتان قبل صلاة الفجر، فعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة".
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي بثلاث.. وذكر منها: وصلاة الضحى"، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله".
ولئن كان رمضان هو شهر القرآن الذي أنزل فيه، ويكثر فيه المسلمون من قراءته وسماعه، فإن المؤمن لا يهجر كتاب الله تعالى في غير رمضان، بل هو كتابه الأول يتلوه ليلاً و نهارا، سراً و جهارا ً، سفراً و حضراً، لا يفارقه أبداً، قال عز وجل: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به} (البقرة: 121) ، و قال سبحانه: { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور} (فاطر: 29(.
-
المداومة على أداء العبادات
ويجب على المسلم الاستمرار والمداومة على أداء العبادات وطاعة الله في كل وقت، فالمسلم لابد أن يحقق المنافسة والمسارعة في الخيرات طوال الوقت، وأثر ذلك بينه القرآن الكريم فى قوله تعالي: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين"، فالذين وفقهم الله تعالى في رمضان بالصلاة والقيام وتلاوة القرآن يجب عليهم الاستمرار على ذلك، ليرتفع رصيدهم الإيماني عند الله عز وجل، الذي قال: «وما كان الله ليضيع إيمانكم".
علامات قبول صيام شهر رمضان
ويوضح أستاذ الشريعة الإسلامية، أنه من علامات قبول صيام العبد أن تكون أحواله العبادية والسلوكية بعد رمضان أفضل مما كان من قبله، بالإضافة إلى المسارعة والإقبال على الطاعات والقربات والنوافل، فالنفس التي تعودت الصبر والعفو والتسامح ابتغاء مرضاة الله، عليها أن تداوم على ذلك، ومن اعتاد البذل والعطاء في رمضان عليه ألا يحرم نفسه هذا الفضل العظيم بعد رمضان، لاسيما أننا مازلنا في جائحة وفى شدة، وفى الشدائد تعظم الأعمال وتعظم الأجور عن غيرها من الأوقات.
أفعال يجب أن يبتعد عنها المسلم
- البكاء والنواح لوداع رمضان
- ترك الفرائض
- ارتكاب المعاصي بحجة استقبال العيد
- هجر القرآن بعد رمضان
- تأخير الصلاة عن وقتها
- قطع الأرحام وإهمالهم