عشق مصر في ديوان الشعر السوداني

13-4-2023 | 13:58

الشديد القوي هو الذي حرمني –بكل أسف- من تلبية الدعوة الكريمة، التي تلقيتها، شخصيًا، من رئيس نادي الهلال السوداني، هشام حسن السوباط، لحضور مباراة كرة القدم، بين الفريقين الشقيقين، الهلال والأهلي، التي أقيمت في إستاد القاهرة.

الدعوة تلقيتها مصادفة عشية المباراة، بحضور سعادة سفير مصر في الخرطوم، هاني صلاح، الذي تصادف وجوده في القاهرة، في ذلك الوقت، وعرض السوباط أن أحضر المباراة في مقاعد المقصورة المخصصة للبعثة الرسمية السودانية.

هذه الروح الودية التي أبداها رئيس نادي الهلال نحوي، باعتباري كاتبًا صحفيًا، دفعت المشاركين في اللقاء، من المصريين والسودانيين، إلى المبارزة فيما بينهم لاختيار عنوان مقالي التالي، عقب مشاهدتي للمباراة، وجاءت العناوين المقترحة معبرة -عمومًا- عن عمق الأخوة والمحبة التي تجمع بين شعبي وادي النيل العظيم.

في السهرة الرمضانية الممتدة، التي تلت لقاء رئيس نادي الهلال، سيطرت سيرة العلاقة الأزلية العميقة والتاريخية بين شعب واحد له اسمان (مصر والسودان) على حوار ودي متعدد الأبعاد والمحتويات، جمع بين أشقاء مصريين وسودانيين.

من بين ما جاء في الحوار، عنوان هذا المقال، الذي أنقله حرفيًا، عن محاضرة ألقاها السفير السوداني الأسبق في فرنسا، الدكتور خالد محمد فرج، ضمن فعاليات ندوة نظمها المركز المصري في باريس، يوم الجمعة 19 أكتوبر عام 2012.

بدأ السفير فرج محاضرته القيمة بالقول، نصًا: "إن الموضوع الذي ندبتُ نفسي للحديث حوله في هذه الأمسية، لعله يكون واحدًا من تلك المسائل التي هي من قبيل البديهيات، أو من نوافل القول، التي لا تتطلب مجهودًا كبيرًا من أجل تقريرها وإثباتها. 

إنما قصدت من الحديث في هذا الموضوع، محض التنبيه والتوثيق والتذكير، فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين.

ذلك بأن الهيام بمصر، ومدحها، وذكر محاسنها، والتغني بمآثرها وأمجادها ومغانيها، لهو من الموضوعات الملاحظة والثابتة، التي ظلت تسم ديوان الشعر العربي بأسره، وعبر مختلف العصور المتعاقبة إلى الآن، وخاصة منذ أن أضحت مصر، بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، أرض الكنانة، ومستودع قوة العرب والمسلمين، ورمز عزتهم، وعنوان حضارتهم، والكهف الذي يلجأون إليه في الملمات ومدلهمات الأمور.

بالطبع، فإن الشعراء السودانيين، أو المعاصرين منهم على الأقل، لم يكونوا بدعًا في حب مصر والوله بها أسوة بالشعراء العرب الآخرين – ذلك بأن قصة تاريخ علاقة السودان بمصر، ومحاولة استكناه جميع صور وخصائص تلك العلاقة، بما في ذلك أبعاد العلاقات الثقافية التي نشأت بينهما منذ فجر التاريخ، حكاية تطول بطول تاريخ تلك العلاقة الأزلية نفسها. 

إننا لا نمتلك – مع الأسف -  في الوقت الراهن نصوصًا شعرية لشعراء سودانيين من حقبة ما قبل استعراب السودان، في تمجيد مصر، والتغني بمآثرها، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نفترض وجود مثل تلك النصوص؛ سواء باللغة النوبية القديمة، أو المروية أو الكوشية، غير أننا نجهلها".

اختار السفير السوداني الأسبق، الدكتور خالد محمد فرج، ثلاثة شعراء سودانيين، يمثلون ثلاث مدراس فنية وربما فكرية مختلفة، تجلى فيهم، وجمع بينهم حب مصر بصورة قوية وواضحة جدًا.

الشعراء السودانيون الثلاثة المولعون بحب مصر، هم: الشيخ الأستاذ محمد سعيد العباسي، المولود في وسط السودان عام 1880، والمتوفى في عام 1963، وصاحب ديون مطبوع باسمه "ديوان العباسي".

 الثاني: هو التيجاني يوسف بشير، المولود بأم درمان في عام 1912، والمتوفى بها عام 1937، والرائد الحقيقي للحداثة الشعرية في السودان.
يقول التجاني يوسف بشير عن مصر في إحدى قصائده:

إنما مصر والشقيق الأخ السودان      كانا لخافق النيل صدرا
حفظا عهده القديم وشادا منه صيتاً  ورفَّعا منه ذكرا
فسلوا النيل عن كرائم   أوسعنا دراريَّها احتفاظاً وقدرا
كيف يا قومنا نباعد من     فكرين شدا وساندا البعض أزرا

إلى أن يقول:
يا ابن مصرٍ وعندنا لك ما نأمل    تبليغه من الخير مصرا
قل لها في صراحة الحق    والحق بأنْ يُؤثرَ الصراحةَ أحرى
وثقي من علائق الأدب الباقي     ولا تحفلي بأشياء أخرى
كل ما في الورى عدا العلم       لا يُكبِّر شعبا ولا يُمجّد قُطرا

الشاعر الثالث والأخير من ضمن أوائل الشعراء السودانيين المفتونين بحب مصر، هو الدكتور تاج السر الحسن، المولود بشمال السودان في عام 1935، والمتوفى في عام 2013.

من أشهر القصائد التي هذه القصيدة عنوانها: "أنشودة آسيا وإفريقيا" وهي واحدة من أشهر القصائد التي ألفها الشاعر تاج السر الحسن، وجاء تأليفها صدى لحركة التضامن الإفريقي الآسيوي التي لعب فيها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، دورًا رياديًا إلى جانب الإندونيسي أحمد سوكارنو، والهندي جواهر لال نهرو.   

ولقد تجلى حب الشاعر وتقديره لمصر ولزعيمها جمال عبدالناصر، من خلال هذه القصيدة، خصوصًا وأنها أغنية ملحنة ومغناة سلفًا منذ أواخر الخمسينيات، من القرن الماضي، بصوت الفنان السوداني الكبير، الشاعر والمثقف والأديب الأستاذ عبد الكريم الكابلي، وقد قيل إن الكابلي قد أداها في إحدى المناسبات، أمام الزعيم جمال عبدالناصر نفسه فأعرب عن إعجابه بها.

جاء في قصيدة "آسيا وإفريقيا" لتاج السر الحسن:

مصر يا أخت بلادي يا شقيقة
يا رياضاً عذبة النبع وريقة
يا حقيقة ...
مصر يا أم جمالٍ أم صابرْ
ملء روحي أنت يا أخت بلادي
سوف نجتث من الوادي الأعادي

[email protected]

 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: