Close ad
11-4-2023 | 17:15

(١)
إلا القلب، وما أدراك ما القلب..!. 

للمرة الثالثة وبامتياز، يتمرد القلب عليّ.. ويحرض الشرايين التاجية على إحداث حالة من التثوير ضدي..!

إلى متى يا قلب..؟

لقد وهن العظم مني إلا قليلا، واشتعل الرأس فكرًا يفيض ولا يغيض.. وأنت تتقلب بين النور - وهو شاحب - وبين النار - وهي سعير!!

إلى متى يا قلبي..؟ إن مبدأ الواقع أقوى من مبدأ الرغبة في التعامل مع الحياة انتصارًا وانكسارًا، غلبة وهزيمة، والانكسار أقوى من الصلابة إلا قليلا.

(٢) 

كفى ياقلب..! 

‏ألم نتعاهد معًا على أن نبتعد عن السياسة اليومية، بأوجاعها المحتلة حياتنا، وأوضاعها المختلة وجوديًا، ومتغيراتها المهلكة المستهلكة للوقت والجهد والفكر والبدن؟ ولو على طريقة «ابعد عن السياسة وغن لها» والأفضل ألا تغني لها.

ألم نتفق يا قلب على الصمت، وممارسة الصمت صارت أقوى وأشد في هذا الزمن الثرثار بما فيه ومن فيه؟  حتى إن الصمت في سبيل الوصول إلى الهدف صار أصعب، مثلما نؤمن أنا وأنت بأن الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله؟ 

ألم نتساند يا قلب على مبدأ «أغمض عينيك حتى تراني» حتى تمر العاصفة الثقيلة، على الرغم من اليقين غير المراوغ، أننا لا نحني جباهنا إلا في الصلاة ؟!

(٣)

كفى يا قلب..

ألم نتفق يا قلب على ألا نتصارع في المسافة ما بين (اكتب.. وما أنا بكاتب)؟ وقد قطعنا ٥٠ عامًا في شارع الصحافة والإعلام، أيام كانت الصحافة هي صاحبة الجلالة، ولم تكن قط (خادمة في البلاط) وإيام كان الإعلام سلطة، هذا إذا كنا نسمع ونشاهد ونرى! الاختراقات المذهبية الأيديولوجية بكافة أشكالها، والإقليمية والأجنبية بكل مساراتها، وسخافات ما يسمى بـما يسمى بـ (البيت الإبراهيمي ووحدة الأديان) وترهات أصحابها من ذوي ثقافة التخلف«!!» فاسم خليل الله بريء من هذا الدجل العقدي والشعوذة السياسية! ممن جذورهم في الهواء، وستبقى وستظل..!

(٤)

ألم نتعاهد يا قلب على أن نعيش حالة من (التخلي) لنصل إلى (التحلي) ربما يحدث (التجلي) في هذه الآونة من العصر، على الرغم من أننا لا ندري في أي عصر من التاريخ نحن نعيش؟

ألم نتعاهد يا قلب بعد الجراحة الأولى على ألا نتوتر إلا قليلا، وإذا انفعلنا وغضبنا فالانفعال على قدر الحدث، ولا نفكر في المؤقت والموسمي، ونبتعد بقدر الإمكان عن القلم والأوراق، ونتجاهل غواية الصورة وننبذ وشاية الميديا، ولا نقرب حدود القلب، فتلك حدود لا نجاوزها أيضًا، لكن أكثر الناس لا يعلمون.

(٥)

يا أيها القلب اهدأ.. فنحن على وشك الوصول إلى المحطة الأخيرة والرحلة قصيرة، ألم نتعاهد بعد الجراحة الثانية، على أن نتناغم مع هذه المرحلة العمرية، والسير وصولا إلى المصير، مع يقيني غير المراوغ بأن العمر لا يقاس بآلة الزمن وعدد الشهور والسنين، بقدر ما يقاس بغزارة الشعور من عدمه؟

(٦)

كفى يا قلب.. كفى

ألم أقل لك يا دكتور مصطفى السوساني يا طبيب القلب كيف يتعافى القلب؟ واستنكرت لك كيف يكون القلب سليمًا، والمرايا حولنا غير متجاورة، والأبعاد غير متحاورة، والأطياف متنافرة؟ فالقلب يجادلني - وهو العقل الذي يفقه ويفكر ويتأمل، طبقًا للنص القرآني العظيم، وليس القلب الذي هو عضلة تضخ الدم فقط، وفقًا للعلم الحديث- هذا القلب المفكر والمتوتر يناوشني وهو ثائر رغم التحذيرات والممنوعات والمحظورات من قبيل التصنيف المذهبي الضيق لا يزال يجثم على صدورنا، ويطمس على عيوننا، وقد ران على قلوبنا، هذا ليبرالي، وذاك سلفي، شيوعي، ماركسي، ناصري.. و.. و.. إلى آخر هذه القوائم التي تفتت المجتمع وتشرذمه عن عمد وسبق إصرار؟

(٧)

كيف يقر القلب ياطبيب القلب، ولا يزال المشهد العالمي أحاديًا، يتأبى على  التخلص من هذه الوصمة، وصمة العار الحضارية والحاضرة التي هي القبضة الأمريكية البغيضة؟ وإن كان العالم الحقيقي يبذل الجهد الجبار لزلزلة مصاصي الدماء عن عروشهم التي اغتصبوها؟ فالعالم ليس فقط أمريكا ولا المقاطعات الأوروبية، هذه خرافة صنعوها وصدقوها على طريقة «جوبلز» وزير دعاية «هتلر»: (اكذب اكذب حتى تصدق نفسك)، وإن هي إلا ثرثرة ينبغي أن يعتذروا عنها، فالشرق العملاق يستيقظ، ويخل بالتوازن الفردي ويعصف بالنظام الثابت للأشياء، ولو بعد حين منظور.. وسنرى.

 (٨)

وكيف يستقر القلب يا جراح القلب، وكلما هدأت نار اشتعل جحيم، ومنطقتنا كل ساعة في شأن، انتظار ما يجيء وما لا يجيء وهو يتكور وقد أوشك على الانفجار، أحداث متسارعة، مفاجآت هنا، مفارقات هناك، تحولات مريبة، تحليلات غامضة، تصريحات مخادعة، محادثات لا يخرج منها إلا النذر اليسير من الفتات، لتنعق بها وسائل الإعلام وهي تثرثر ليل نهار، فتخدر العالم، وتسكِّـن سكانه المخدوعين، فما يحدث داخل الغرف السياسية المغلقة لا علاقة له بالخارج؟ كيف والخطاب العام لا يزال مشحونًا بالكراهية، يحض على البغضاء، وبينه وبين السماحة والتسامح سنوات ضوئية، ولغتنا السياسية من «الخليج الثائر إلى المحيط الهادر» لا تزال بالية؟

(٩)

كفى يا قلب..

 ألم نتعاهد ألا أمسك القلم بحدة، ولا نسهر  ولا نقرأ الليل ونكتبه؟ ونتخيل أننا  في جزيرة معزولة، مع أن كل شيء فينا مخترق، وكل شيء حولنا يخترق حتى لو يحترق، وكل شيء يباع ويشترى، بثمن بخس دولارات معدودة.. تاريخنا يسرقه بعضنا من بعضنا، الجغرافية تحولت إلى لعبة مقامرة وهي التي لا تعرف إلا الثبات، كلنا متفرجون نمارس فنون الفرجة. 

 أبعد كل هذا.. هل أنت متأكد يا «جراح القلب» أن أمور قلبي مستقرة؟!

لا أزال أشك، والسؤال نصف الجواب!

 (١٠)
لكن هي عظيمة وطاغية، مقولة المثل الشعبي الرائع والمروع: «يموت الزمار وصوابعه بتلعب...»

كفاني يا قلب..

كفى.. كفى..!!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة