11-4-2023 | 14:04

كلما اشتد الخناق على أهل الأقصى تستنشق صدورهم بشرى اقتراب النصر، وحين تتلقى أجسادهم ضربات الهروات وكعوب البنادق، تسمع أصواتهم تردد أن الصليبيين استمر بهم المقام في القدس 90 عامًا، ولكنهم رحلوا، برغم أن الصليبيين خلفوا وراءهم جراحًا دامية في كل بيت بفلسطين، لم يداوها إلا النصر، والآن يقفون بصدورهم العارية حائلا أمام تنفيذ المخطط الصهيوني، الذي جاءت من أجله حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، هدفه محو هوية الأقصى، وذلك من خلال الدفع بآلاف المستوطنين تجاه الأقصى وما يحيط به، ويمهد لهم الطريق جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتدنيس المقدسات سكة أي محتل غاصب للأرض يقرها التاريخ، دنس الفرنسيون في 20 يونيو عام 1800 جامع الأزهر بخيولهم بالأمر المباشر من نابليون بونابرت، وقتلوا شيوخه، وحاكموا طلابه، ثم أغلقوه تمامًا حتى رحلوا، وكان سبب اقتحامهم للأزهر رفض شيوخ الأزهر طلب نابليون بإصدار فتوى تٌجيز ولاء المصريين له، ووصف الجبرتي اقتحام جنود نابليون للأزهر بقوله: "دخلوا إلى الجامع الأزهر راكبين الخيول وربطوا خيولهم بقبلته.. وداسوا بنعالهم على الكتب والمصاحف".

ولا يخلو في أيامنا هذه من حرق وتدنيس لمساجد في أمريكا وفي السويد وفي باقي بلاد أوروبا، ومنذ فترة نشرت الصحف عن احتلال مسجد في هولندا، والمحتلون كانوا مجموعة من الشباب ذي الفكر اليميني المتطرف، تسمي نفسها "حماة الهوية"، وواقعة حرق المصحف بالسويد ليست ببعيد.

75 عامًا من الانتهاكات على القدس ومقدسات المسلمين بفلسطين، كانت بدايتها إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن تدنيس الأقصى بشكل رسمي في 7 يونيو عام 1967، اقتحم وقتها الجنرال "موردخاي جورو" وجنوده المسجد المبارك، ورفعوا العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة، وحرقوا المصاحف، وفي عام 1976 رفعت إحدى الجماعات اليهودية المتطرفة شعار "حان الوقت لإنهاء هذا الوضع"، ويعني سيطرتهم الكاملة على الأقصى، ومنع الفلسطينيين تمامًا عن أداء مناسكهم بداخله.

وحدث الاقتحام الشهير في عام 2000 بقيادة أرئيل شارون رئيس وزراء إسرائيل، وفي عام 2017 صدرت الأوامر بتحويل الأقصى إلى مؤسسة إسرائيلية، وتلزم الحكومة الإسرائيلية بتركيب بوابات إلكترونية وحواجز حديدية على بوابات الأقصى، قاوم الفلسطينيون بشجاعة وضع البوابات، حتى رفعها جيش المحتل، استخدم الكيان الإسرائيلي جميع المحاولات لتدنيس الأقصى وإثارة المسلمين، وتفتق ذهن شركة إسرائيلية في عام 2003 بلصق صورة للمسجد الأقصى على زجاجات الفودكا.

تغض الولايات المتحدة الأمريكية الطرف عن سقوط مئات القتلى من الفلسطينيين في خلال أيام قليلة منذ بداية العام الحالي، ولا تلقي بالًا للاقتحامات السافرة والمتكررة لجنود الاحتلال داخل باحات الأقصى، ولا يعني واشنطن منع المصلين دخول المسجد، أو الاعتداء عليهم واعتقال المئات منهم، ثم تعلن وزارة الخارجية الأمريكية قرارًا حاسمًا أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، ولا تلبث أن ترسل غواصة نووية لحماية إسرائيل من إيران، برغم صمت الأخيرة عن ضرب إسرائيل لمواقع لها من وقت لآخر، ويقتصر رد إيران على تهديداتها بضرب إسرائيل، التي لم نر لها شيئًا.

ومن جهة أخرى يحذر تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من خطورة حكومة نتنياهو المتطرفة على استقرار المنطقة، وأن استمرار تصعيد إجراءاتها القمعية ضد الفلسطينيين، ينذر بتوتر إقليمي يضر بالمصالح الأمريكية، وينصح التقرير بتدخل الإدارة الأمريكية بشكل حاسم، للحد من الانتهاكات الإسرائيلية، غير أن أهل الأقصى لن ينتظروا تهدئة المبعوث الأمريكي، وسوف يواصلون اعتكافهم داخل المسجد المبارك، ولن يبرحوا المسجد حتى نهاية الشهر الفضيل.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: