هل تفعلها "البيئة"..

10-4-2023 | 12:01

هل تفعلها "البيئة"؟.. هل تصلح ما أفسدته الأنشطة والخدمات والمخلفات، هل تتمكن من تبديل الضرر إلى درر، وتحول الغرم إلى غنم، والقمامة إلى كنز يتدفق، وطاقة تتولد.. هل بإمكانها ترجمة النظريات والدراسات إلى خطط تنفيذية وبرامج تطبيقية على الأرض، وهل ترشد سلوكنا وتبدل ثقافتنا من الرمي إلى التدوير وصولا إلى التوفير.

نعم تفعل.. فبعد نحو عقدين من الشعارات والبرامج النظرية حول تدوير وتحويل القمامة، وقعت وزارة البيئة اتفاقًا متعدد المزايا وهو تحويل النفايات إلى طاقة  "WtE"، أو توليد الطاقة من النفايات "EfW"، أي معالجة النفايات لتوليد الطاقة، كهربائية أو حرارية، أو تحويلها إلى سماد، الاتفاق استغرق التجهيز والإعداد له سنوات من البحث والتطوير ووضع الخطط للفصل والتدوير والتحويل، إلى أن تم إنجاز المشروع وتوقيعه عبر تحالف وطني "كونسورتيوم – Consortium"، ضم 4 وزارات، و8 شركات مصرية متخصصة في تحويل المخلفات البلدية الصلبة إلى طاقة، وذلك يوم الثلاثاء الماضي.

أحد أسباب أهمية المشروع هو أن التخلص من النفايات أصبح مكلفًا للغاية نتيجة نمو أحجام هذه النفايات وتنوعها من جانب، حيث يقدر حجم النفايات في مصر نحو 100 مليون طن سنويًا، نتيجة تزايد أعداد السكان، وانتشار المدن، فالمشروع ليس فقط إنتاج الطاقة، وهو مهم، لكنه كذلك بسبب التخلص المكلف من النفايات، حيث إنتاج الطاقة من النفايات هو أحد الحلول الناجحة للتخلص منها، وتخفيف التلوث البيئي والتقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما أن هذا التخلص الآمن من النفايات يقودنا إلى ترسيخ ونشر مفهوم الاقتصاد الدائري الذي أصبح يكتسب أرضًا جديدة، بسبب التطور الهائل في "علم إدارة النفايات الصلبة".

وتنبع أهمية الاتفاق؛ لأن النفايات، حاليًا، تعد ثالث مصدر من مصادر الطاقة المتجددة نموًا، بعد طاقتي الشمس والرياح، على مستوى العالم، فهو نقطة مهمة في طريق الاستدامة والحلول الخضراء، كما أنه، لا يوفر فقط المنافع الصحية البيئية والاقتصادية ويضبط أسلوب الحياة فقط، لكنه أيضًا يوفر المساحات والأراضي المخصصة للردم، كما يحقق عائدًا ماديًا، بدلا من التكلفة العالية والجهد الشاق والمتواصل بسبب نقل ومناولة القمامة.

وعندما نقول إن البعد البيئي دائم الحضور متداخلًا مع كل الأنشطة دون استثناء، فإن هذا البعد لابد وأن يكون حاضرًا وظهيرًا للنمو الإنساني والاقتصادي والحضاري، فلن نستطيع الاستمرار في بناء المدن الجديدة والاستمرار في تنفيذ خطط النهوض، دون أن نضع في الاعتبار مسألة التخلص الآمن من نفايات هذه المدن، عبر الوصول إلى دمج عمليات هذا التخلص من النفايات بأنواعها، بالتدوير للمخلفات، والتوليد للطاقة، والحد من الانبعاثات.

فقد انضمت "أبو رواش إلى المناطق العالمية المتخصصة في تطبيق تقنيات حرق النفايات الصلبة والتي تتم في العالم، في ألمانيا حققت خطوات فائقة التقنية لتدوير المخلفات، حيث تستورد النفايات من دول أوروبية، وتحقق من ورائها عائدًا يقترب من 100 مليار دولار سنويًا، وكذلك تفعل إسبانيا وبريطانيا، وسويسرا، وكذلك اليابان، والإمارات، حيث توليد الطاقة من النفايات.

كان التدوير شعارًا وحلمًا استمر عقودًا، واليوم يتحول من دراسة على الورق، ليصبح مشروعًا فاتفاقية فتوقيع، فإنتاج يعتمد على مدى تحول النفايات إلى طاقة "خضراء" معتمدًا على كفاءة المصنع الذي يحول النفايات إلى طاقة، ونسبة النفايات القابلة للتحلل الحيوي، لتعد "أبورواش" أول مشروع لإنتاج الطاقة الكهربائية من المخلفات، ويستهدف تحويل 1200 طن يوميًا لإنتاج كهرباء بقدرة 30 ميجاوات.

ملف تحويل المخلفات لطاقة كهربائية، كأحد أهم الملفات البيئية، ضمن أجندة ما بعد القمة لتقليل حجم الانبعاثات، حيث وضعت الحكومة كافة الإمكانات باعتبار أن ملف النفايات هو عمل شامل متكامل، وبدأ التحضير له قبل القمة من قبل الأطراف في شرم الشيخ العام الماضي، "COP7"، وبدأ بإصدار قرار رئيس الوزراء لتحديد أسعار الطاقة الكهربائية التي يتم توريدها لشركات توزيع الكهرباء من خلال محطات إنتاج الكهرباء من المخلفات البلدية الصلبة أو من الغاز الحيوي الذي يتم استخراجه من المدافن الصحية الآمنة.

"محطة أبورواش" هي المشروع الأول في مشوار طويل وهو تطبيق "الاقتصاد الأخضر"، والانتقال إلى الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى فوائده الاقتصادية، والتكيف مع التغيرات المناخية المحتملة، فضلا عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بدمج التنمية البيئية والاقتصادية، والاجتماعية معًا، وخفض حجم الانبعاثات، كما تنبه د. ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، إلى أهمية هذا الإنجاز، وضرورة النظر إلى المخلفات وتدويرها على أنها قيمة اقتصادية مضافة من خلال عملية تدوير شاملة، وهي لا تولد الطاقة فقط، لكنها تتولد عنها، أيضا، صناعات جديدة، من خلال تدوير منتجات المخلفات، كما تتيح فرص عمل جديدة.

لابد من وضع إستراتيجية متكاملة وخارطة شاملة لصناعة تدوير النفايات في مختلف أنحاء الجمهورية، فضلا عن تمهيد الطريق لتصبح مدننا أكثر استدامة، والبداية لتحقيق هذا الهدف تنطلق من الوصول إلى عقد "أبورواش".

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: