السوريون فى مصر.. حياة مستقرة وفرص استثمار حقيقية

5-4-2023 | 02:38
السوريون فى مصر حياة مستقرة وفرص استثمار حقيقيةسوريون فى مصر
خالد كامل
الأهرام العربي نقلاً عن

الجاليات العربية فى مصر، أشقاء مرحب بهم فى كل زمان وهم يشعرون بذلك، فمصر قلب العروبة النابض، والجالية السورية واحدة من أهم الجاليات العربية، المرحب بها على الدوام.

موضوعات مقترحة
فمنذ اندلاع الأحداث السورية، وقدوم الأشقاء السوريين إلى مصر، تعاملت معهم الحكومة المصرية على أنهم إخوة رحبت بهم أيما ترحيب، وأتاحت لهم الإقامة بشكل رسمى، ومنحتهم تيسيرات لخلق فرص استثمارية حقيقية تعينهم على استكمال حياتهم من حيث توقفت عقب الأحداث.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ سمحت مصر للمستثمرين السوريين الكبار والصغار بتأسيس شركات استثمارية سورية، لهم بلغت ما يقارب 1254 شركة، بحسب إحصاءات رسمية من الهيئة العامة للاستثمار، لصالح أكثر من 30 ألف مستثمر سورى، شعروا جميعاً بأنهم فى بلدهم الثانى وليسوا مغتربين.

كانت مصر ولا تزال وستظل الشقيقة الكبرى لكل الدول العربية ومواطنيها، حيث ذكرت المنظمة الدولية للهجرة فى تقرير لها أنه يعيش على أرض مصر 9 ملايين شخص، وفدوا إليها من 133 دولة، بما يمثّل 8.7 ٪ من سكان مصر البالغ عددهم 103 ملايين نسمة، يأتي الأشقاء السودانيون فى المرتبة الأولى بنحو 4 ملايين، يليهم الأشقاء السوريون 1.5 مليون شخص، ومليون شخص لكل من الأشقاء اليمنيين والليبيين.
وأوضح التقرير أن الجنسيات الأربع، تشكّل نحو 80 ٪ من الوافدين المقيمين حالياً فى مصر، بعد الزيادات المطردة المتوالية، بينما كانوا 5.5 مليون وافد يعيشون فى مصر منذ أكثر من 10 سنوات.
مصر فى مرايا السوريين
بعد الأحداث التى مر بها الشام منذ أكثر من عقد، وأدت إلى زعزعة الاستقرار فيه، نزح الملايين إلى مصر وغيرها من البلدان، فكان من الضرورى الوقوف على آراء السوريين فى مصر عن أحوالهم، آمالهم وآلامهم، أفراحهم وأتراحهم، بعد تركهم وطنهم الشام الأم.
يقول المهندس راسم الأتاسى، عضو هيئة اللاجئين التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو من العاصمة السورية دمشق، ويعيش فى مصر منذ عام 2012، إن مصر هو البلد الآمن الذى احتضن السوريين بشكل أخوى، دون اشتراطات، كبعض البلدان الأخرى.
 وأضاف: أن كلمة لاجئ لم يسمعها فى مصر مطلقاً من أى من المسئولين أو المواطنين المصريين، أصحاب القلب الطيب، فنحن- والكلام له - منذ أحداث سوريا ما يزيد على العقد من الزمان، واستقرارنا فى مصر لم نشعر يوما بأننا غير مرحب بنا ولو لمرة واحدة، ودائما ما نشعر أننا فى بلدنا الثانى، أو أننى أذهب إلى ضيعتنا ثم أعود إلى دمشق مرة أخرى، ولا ننسى أننا كنا دولة واحدة فى الجمهورية العربية المتحدة بقطريها الشمالى والجنوبى، فالتحية كل التحية والشكر كل الشكر لمصر وقيادتها السياسية وحكومتها وشعبها الكريم.
وأضاف الأتاسى، أن مصر هى البلد الوحيد الذى لم يتاجر بالقضية السورية فى المحافل الدولية، لكسب مواقف أو ابتزاز المجتمع الدولى لصالحه، مثل بعض الدول الأخرى التى لا تخفى نياتها على أحد، حسب تعبيره.
أما بخصوص حجم استثمارات السوريين فى مصر، فقد أوضح رجل الأعمال السورى المهندس خلدون الموقع، رئيس تجمع رجال الأعمال السورى المصرى بمصر، أن استثمارات السوريين حسب تقرير هيئة الاستثمار فى حكومة مصر بلغت 800 مليون دولار أمريكى، أى ما يقارب المليار دولار، وأشار إلى أن هذا الرقم ليس دقيقا من حيث تحديد حجم الاستثمارات السورية الحالية بمصر لأسباب عديدة، منها أن القيمة لدى الهيئة العامة للاستثمار تمثل الحد التأسيسى الأدنى المطلوب فى معظم هذه الاستثمارات، وقد طرأ تطوير وتوسعة لاحقة على هذه الاستثمارات، وأيضاً اختلاف مرجعيات التسجيل، حيث إن المشاريع السورية ليست كلها مسجلة فى الهيئة العامة للاستثمار فقط، وخصوصا الخدمية منها.
أما عن مجالات الاستثمارات السورية فى مصر، فمختلفة ومتنوعة، من بينها مصانع خيوط بوليستر وقطنية ومخلوطة، مصانع ملابس مختلفة الأعمار للجنسين، الذكر والأنثى والأطفال، ومصانع أقمشة مختلفة ومفروشات، وكذلك صناعات غذائية، وبعض مصانع الأثاث، وبعض الصناعات التحويلية وإعادة التدوير، مثل الإسفنج والمناديل والفوط وخلافه.
وكذلك صناعة الزجاج وصناعة الأحذية، مشيراً إلى أن جميع هذه الصناعات تدخل بأغلبيتها ضمن نطاق الصناعات الصغيرة والمتوسطة والأقل فى الصناعات الكبيرة، وكذا مطاعم ومحلات بيع الشاورما والمأكولات والحلويات السورية الشامية الشهيرة.
وأضاف رئيس تجمع رجال الأعمال السورى ــ المصرى، أن عدد رجال الأعمال السوريين بمصر يفوق الثلاثين ألفاً، إذا أخذنا بعين الاعتبار التوسعات فى الاستثمارات السورية التى أصبح يقوم عليها أبناء وأفراد عائلات الصناع السوريين، الذين قدموا إلى مصر بعد عام 2011، إضافة للصناع الذين انتقلوا لاحقاً من دول الجوار السورية بشكل خاص.
كما أن مصر قدمت للمستثمر السورى والسوريين عموما، ما لم يقدمه أى بلد آخر على الإطلاق، وأننا رأينا أن المصريين بحق شعب شقيق احتضننا بود ومحبة، وأن القيادة السياسية قبلت منحنا إقامة نحن وعائلاتنا على أرض مصر كإخوة أشقاء، ففتحوا لنا بيوتهم وليس خيامهم، على حد تعبيره.
أما ناهد محمد، المواطنة السورية من مدينة حلب، التى تعمل فى مجال الاستثمار فى مجال التجميل، فقد وجهت شكرها إلى الرئيس السيسى وحكومته وشعب مصر الشقيق، على ما جعلوها تشعر به كأنها فى بلدها ولم تتغرب، وذلك بسبب حسن المعاملة وحسن ضيافة مصر حكومة وشعبا، مما أزال عنها غمة الغربة وفراق الأحبة.
 وأضافت أنها لم يجل بخلدها يوماً أنها غريبة فى مصر، بل على العكس تماماً تشعر وكأنها فى بلدها الثانى دون مبالغة، فقد رحبت مصر بالسوريين عقب أحداث سوريا، وحثت المصريين على التمسك بحب بلادهم والحفاظ على استقرارها الأمنى والسياسى، فلا يشعر بالنعمة إلا من فقدها مثلنا نحن السوريين، على حد قولها.
وأضافت ناهد محمد، سيدة الأعمال السورية، أن من أهم وأبرز مجالات الاستثمارات السورية فى مصر هو مجال الاستثمارات فى المطاعم والشاورما السورية والحلويات الشامية، والتى أثبت السوريون فيها منافسة قوية فى السوق المصرية، حيث لاقت قبولاً كبيراً واستحساناً لدى الأشقاء المصريين، الذين يحبون المأكولات السورية، كما نحب نحن السوريين المأكولات المصرية الشعبية والتى لها عند السوريين مكانة خاصة محببة عندهم.
وذكرت ناهد أن الأطعمة السورية مثل الشاورما والثومية، وطهى الدجاج على الطريقة السورية قد لفت أذواق المصريين، ممن لم تتح لهم فرصة معرفتها من قبل ربما لعدم زيارتهم الشام سابقاً.
وختمت سيدة الأعمال قولها، إنه ربما يزيد عدد المطاعم السورية ومحال بيع الحلويات الشامية بمصر، عن أكثر من 500 مطعم ومحل، صاروا جميعاً ذوى شهرة بلغت الآفاق عند الأشقاء المصريين، وهذا يساوى ملايين الدولارات المستثمرة فى هذا المجال وحده، وهذا إن دل فإنما يدل على رحابة الحكومة المصرية للشعب السورى شقيق المصرى، وتيسيراتها فى مجالات الاستثمارات المتنوعة، والتى جل العاملين فيها من الإخوة المصريين، على حد قولها.
من جهة أخرى، قال المهندس غسان الحلاق، من دمشق، إنه لم يكن قد زار مصر سابقاً قبل أحداث سوريا، ولكنه أدرك معنى التعبير الرائج بين العرب بأن مصر هى الشقيقة الكبرى، وأنها بلد آمن مستقر.
وأضاف الحلاق، أنه كان قبل مغادرته مصر لا يشعر بأنه فى بلد لجوء أو بلد غريب، وأنه كان يخرج حيث يشاء ويمارس حياته الطبيعية بشكل يومى، دون إحساسه بأنه غريب وسط غرباء، بل كان كل أصدقائه من المصريين، وكان قلما يتسامر مع السوريين، ولم يشعر بهذا الشعور فى أى مكان آخر.
من جهة أخرى، قال المستشار القانونى المحامى والخبير فى الشأن السورى، يوسف المطعنى، إنه منذ حدوث الأزمة السورية فى مارس 2011 توجهت أنظار النازحين السوريين صوب مصر، أولا كأفضل بلد آمن سياسيا واقتصاديا وأمنيا، طمعا منهم فى احتضان المصريين حكومة وشعبا لهم، كذلك رأس مال بعض رجال الأعمال منهم، وكان ظنهم صادقاً وطمعهم فى محله، حيث وجدوا فى المصريين الحاضنة الرسمية والشعبية المضيافة، فسكنوا معهم وشاركوهم وعملوا معا، حتى إنه قد حدثت مصاهرات ونسب بينهم وبين أشقائهم المصريين بدون أى عناء.
وأضاف المطعنى أن مصر لم تنشئ لهم خياما فى أماكن بعيدة على حدودها، ولم تستغلهم كورقة ضغط أو تهديد تلوح بها لنيل مكاسب مالية أو سياسية دولية، كدول أخرى استغلت ظروفهم، وهددت أوروبا بفتح الحدود فى حال عدم الاستجابة لمطالبهم.
وأشار إلى أنهم عملوا فى مصر، واستفادوا وأفادوا وقدموا أفضل ما لديهم من مشروعات استطاعوا من خلالها فى سنوات قليلة، تحقيق نقلة نوعية، لاسيما فى مجال الملابس والمأكولات والحلويات المشتهر بها أهل الشام، مما مكنهم من توفير فرص عمل معهم من العمالة المصرية، بل وشاركهم رجال أعمال مصريون واستفاد الشعبان كل فيما تميز به من خلال تعاونهم مع بعضهم البعض، فى ظل حماية الحكومة المصرية ومعاملتهم كأشقاء.
 وأكد المطعنى، أنه من خلال علاقته بهم على مدار اثنى عشر عاماً أنه لم يشعر سورى واحد بأنه غريب، حتى إنه ليؤكد أن من أعيد توطينه فى دولة أوروبية أو غربية، اكتشف الفرق الشاسع بين احتضان المصريين له وتعامل الآخرين فى دول، تدعى الحضارة والحرية والمساواة والديمقراطية، مشيراً إلى أن الكثير منهم يرغب فى العودة إلى مصر الآمنة المطمئنة، صاحبة اليد البيضاء عليهم حكومة وشعبا..

الفن السورى.. سفير القلوب
لا يفوتنا هنا التعريج على محطة الفن السورى، وحجز مساحات مهمة للفنانين السوريين والفنانات السوريات، حتى إن البعض منهم استطاع أن يزاحم الفنانين المصريين فى أعمال درامية تتطلب لهجة مصرية صعيدية، وهو الأمر الذى ربما يصعب على بعض فنانى مصر من غير إقليم الصعيد، لكن الفنان السورى جمال سليمان، استطاع أن يقنع المصريين أنفسهم بأنه صعيدى حتى النخاع من خلال عدة مسلسلات درامية، مثل «حدائق الشيطان» و«سيدنا السيد وأفراح إبليس»، وكلها كانت مسلسلات رمضانية محط أنظار النقاد والجمهور على السواء، لكنه استطاع التفوق على نفسه فضلاً عن أقرانه من المصريين، وكذلك الفنان السورى تيم حسن، الذى أتقن أداء دور شخصية الملك فاروق، فى رائعة الدكتورة لميس جابر عن قصة حياة آخر ملوك مصر، ومن الفنانات السوريات رغدة، فإنها لم تكن بحجم سولاف فواخرجى، غير أنها قدمت أفلاما اجتماعية هادفة مع الراحل الرائع الفنان أحمد زكى، مثل (استاكوزا وكابوريا)، ومسلسلات مثل (أبو البنات) مع الراحل محمود ياسين، ومسلسل «إسطبل عنتر» فى فترة التسعينيات، وهناك كندة علوش أيضا التى ظهرت فى فيلم (أولاد العم) مع الفنان المصرى كريم عبد العزيز، فى دور فدائية فلسطينية.
والخلاصة أن الفن السورى تلاحم مع الفن المصرى، فى دراما شكلت جانبا مهما من حياة المجتمعين معا، وهذا من الجوانب المتشابكة بين البلدين الشقيقين.
علاقات عميقة ومشاعر تاريخية
من الأهمية بمكان قبل الدخول فى حاضر العلاقات المصرية - السورية، أن نوضح تاريخها قديما، حتى يتسنى للقارئ ربط الماضى بالحاضر لينطلق منه إلى المستقبل فى هكذا علاقات متشابكة بين مصر والشام، فالعلاقات المصرية - السورية قديمة قدم التاريخ، ولا يفتأ المرء منا أن يجد موقفاً تاريخياً أو شأنا داخلياً فى كلى البلدين إلا كان له تأثير واضح على البلد الآخر، كيف لا وتحرير بيت المقدس من الحملات الصليبية لم يتحقق إلا بعد اتحاد مصر والشام، فى عهد نور الدين محمود بن عماد الدين زنكى أتابك، ثم لاحقا الدولة الأيوبية بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبى بعد زوال "الدولة الفاطمية" من مصر.
ثم بعدها بعقود، كانت عين جالوت أيضاً فى عهد السلطان سيف الدين قطز، لما كان سلطان مصر والشام، وانتصر على المغول فى معركة تاريخية فاصلة، هى عين جالوت. وفى العصر الحديث، نجد أن الثقافتين المصرية والشامية، قد تبادلها الشعبان، فكانت بذور أول مؤسسات الصحافة المصرية والعربية وهى مؤسسة الأهرام العريقة، والتى أسست على يد الأخوين سليم وبشارة تقلا عام 1875، ثم تلاحقت الأحداث السياسية وتم جلاء الاحتلال البريطانى عن مصر، بعد قيام ثورة يوليو 1952، وكان من ثمارها قيام الجمهورية العربية المتحدة بقطريها الشمالى والجنوبى من مصر وسوريا، إبان عهدى الرئيسين جمال عبد الناصر وشكرى القوتلى، واستمرت حتى عام 1961، وحدث الانفصال الذى كان بفعل تدخلات خارجية غربية أثناء تأجج الحرب الباردة بين قطبى العالم آنذاك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى السابق.
ولعلنا نعرج قليلا على بعض معلومات قيام الجمهورية العربية المتحدة، وعاصمتها الموحدة القاهرة. ووفقاً للمعلومات التاريخية الموثقة، فقد كانت الجمهورية العربية المتحدة، دولة سيادية فى الشرق الأوسط فى الفترة من 1958 حتى 1961. 
إذن فالعلاقات بين مصر وسوريا متشابكة لا يمكن فصمها، منذ قدم التاريخ، حتى انصهرت العائلات المصرية مع السورية وحدثت مصاهرات وأنساب، وجاءت أحداث سوريا أخيرا لتثبت للعالم كله والعربى منه خاصة، أن مصر هى قلب العروبة النابض، والشقيقة الكبرى لكل الدول العربية، وفتحت ذراعيها للأشقاء السوريين، الذين لم يفكروا مليا إلى أين المفر، لأن وجهتهم حددها التاريخ لهم قبل عقولهم، فكانت مصر هى الأمل والنجاة وموطن حط الرحال للسوريين، فنزلوا أهلا وسهلا بأم الدنيا وملاذ الخائفين وموئل الراجين فى بلد آمن مستقر مطمئن.
وأما من جهة التأطير للعلاقات المصرية - السورية، فإنه ربما كان لزاما علينا التوقف قليلاً عند بقية المحطات الرابطة بين مصر والشام، بعد إظهار التاريخ المشترك بينهما سياسياً وتاريخياً وثقافياً فى بعض مراحل العلاقات المختلفة عبر التاريخ القديم والحديث.

 

 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة