رحلة طويلة من العطاء والكفاح الفني والإنساني.. سيدة تحمل بروحها طاقة فتاة شابة لم تفرض تطورات الزمن شروطها عليها للابتعاد برغم اختلاف مقومات المهنة حاليًا، ودخول كثير من الدخلاء عليها الذين كان للكثير منهم إفساد لحالة الأعمال الفنية تحت مسمى "الاستايلست".. عليا أحمد الآسطاوي أقدم العاملين في مجال الأزياء الخاصة بالنجوم بالأعمال الدرامية أو بما ندركه من اللقب الشهير "لبيسة النجوم" أحد أصعب المهن في العمل الفني.. رحلة طويلة طافت بها مع نجوم الوسط الفني بداية من العمل مع النجمات سعاد حسني وشادية وعادل إمام وصولًا للنجمة يسرا التي تلازمها منذ ثلاثين عامًا وحتى الآن كمسئولة عن ملابسها في جميع الأعمال التي تظهر بها على الشاشة.
موضوعات مقترحة
الست عليا أحمد ليست مجرد شخص مسئول عن أزياء النجم لكنها تحمل رحلة كفاح وتعلم كبيرة، بدأت من عمر المراهقة التي دخلت فيها المهنة من خلال تجولها في عدد من الأستوديوهات إلى أن احترفت العمل لتتحمل عبء الإنفاق على أسرتها بعد رحيل الأب.
اتخذت عليا من تقلبات حياتها رحلة تحد لتعلم تفصيل الأزياء والخياطة ولم تتوقف عند حدود أساتذة كبار من مصممي الأزياء الذين تعلمت على أيديهم بل ذهبت إلى إيطاليا لتتعلم منها تقنيات وخبرات جديدة أهلتها لتكون امرأة مميزة في عملها وتكون سببًا في إنقاذ فوازير نيللي الشهيرة "الخاطبة" في مرة، ويوسف شاهين في فيلم المهاجر مرة آخرى وغيرها في كثير من الأعمال التي عملت بها خلال رحلتها.
في السطور القادمة تسرد "الست عليا أحمد" في حوارها ل "بوابة الأهرام" رحلتها التي تتجاوز الثلاثين عامًا في المهنة، نتحدث عن ملازمتها في العمل مع النجمة يسرا وكيف أصبحت جزءًا من عائلتها، بخلاف تعاونها مع عدد كبير من النجوم، وتحكي عن بداية عملها بالتلفزيون المصري ومع مصممي أزياء الفوازير، وترصد اختلافات المهنة بين الماضي والحاضر وغيرها من التفاصيل الثرية في رحلتها على المستوى العملي والشخصي بحياتها.
البدايات ونقطة تحول
كانت عليا أحمد تتجول بالاستديوهات المحيطة في مراهقتها، والتي عشقت تفاصيل العمل بها، لتدخل وتبدأ العمل حرفيًا في هذا العمر بعد حبها وشغفها لمجال الأزياء والملابس، ونظرًا لكونها الأخت الكبرى اضطرت للعمل في هذا السن "١٥ سنة" وتركت دراستها من أجل الإنفاق على أسرتها "٦ أفراد" بعد وفاة والدها، وخلال رحلة اكتشاف الذات والتعلم جاء المنتج المنفذ حسام علي الذي كان مسئولاً عن الأفلام الإيطالي التي تصور بالقاهرة في تلك الفترة، كانت عليا ضمن فريق عمل الأزياء الخاص بفيلم "كيلوباترا" للنجمة إليزابيث تيلور، حينها ظهرت في حياتها مفاجأة قلبت حياتها رأسًا على عقب، ممثلة في "مدام مونيكا" الاستايلست الخاص بالعمل، حيث رأت احترافيتها وتميزها بالعمل فصممت على آخذها معها في إيطاليا وأسبانيا لاستكمال الفيلم.
بالفعل ذهبت عليا لإيطاليا وسط اعتراضات من العائلة الصعيدية التي كانت ترفض مثل هذه الأمور فهم يرون من تقاليد الصعيد أنه بعد وفاة الأب تذهب الفتايات للعيش هناك ولا تستكمل دورها في التعليم والعمل، لكن رفضت الأم وتحمست أمام الضائقة المالية للأسرة على سفر الأبنة، لتبدأ الفتاة المراهقة رحلة التعلم بإيطاليا حيث عملت هناك لمدة ٣ سنوات في "آستديو روما" ثم عادت لتبدأ عملها مع كبرى شركات الإنتاج مثل: تاكفور انطونيان، رمسيس نجيب.
في هذا التوقيت، عملت علية مع كبار النجمات مثل شادية، سعاد حسني، تحية كاريوكا وغيرهم، ثم عملت مع الأخوة المتحدين بالمسرح مع الزعيم عادل إمام منذ مدرسة المشاغبين مرورًا ب شاهد ماشفش حاجة وغيرها.
تروي علية حكايتها بإيطاليا وكيف عاشت ظروفًا صعبة بحسب ما ورد على لسانها: "في إيطاليا تتعلمي كيفية الصناعة ولكل فرد تخصصه بعكس هنا تعملي كل حاجة، وهناك تعلمت فن الكورشيه والتريكو وكيفية توظيفهم، وكذلك الماسكات على الوجه، والباروكة الصلعاء كيف تصب على الرأس، ورغم أن مثل هذه الأشياء ليست تخصصي لكن عملي في النهاية يرتبط بالماكيير والكوافير.
هناك مررت بصعوبات كبيرة فلم أكن أعرف التحدث بأي لغة ولا أعرف كيف أطلب الطعام وكانوا يتعاملون معي بسخرية، وهناك ليالي كثيرة مرت علي دون تناول أي طعام، لكني تحملت من أجل مساعدة أسرتي حيث كنت آخذ من عملي باستديو روما ٣٠ جنيه يوميًا كنت أرسلها لوالدتي ثم أعمل بعد الظهر "مكواجي" لأوفر أجرة سكن أعيش به، والحقيقة أكثر شيء جعلني أصبر وأعيش هناك زوجة صاحب الأستديو الذي كنت أعمل به، لأنها سبق وعاشت في القاهرة حيث كان والدها أحد المهندسين المشاركين في بناء السد العالي لذلك كانت تحبّني لأنها تشعر أنني من رائحة القاهرة، وكنت الأزمات في أغلب سفرهم وجوالاتهم".
هنا قاطعتها "هل شعرت بصعوبة في مهنة المكواجي؟ لتجيب مشيرة أن كان جزء من عملها الأساسي في الاستديو "كي الملابس" التي تحضرها بالمساء حتى تكون جاهزة للنجوم في الصباح خلال التصوير.
العمل بالتليفزيون المصري
عادت عليا من الخارج لتحصل على وظيفة بالتلفزيون المصري بعد أن فتح بابه للتوظيف، وبالفعل تم توظيفها وكانت تحصل على أجر جنيه واحد فقط فاليوم، وبالرغم من الأجر الزهيد لكنها تعلمت كثيرًا بهذا القطاع على يد مصممين الأزياء الحقيقين في مقدمتهم كريمة سعدي "والدة الفنانة نجلاء بدر" التي كانت أول من عمل في مجال الفوازير وغيرها من المسلسلات الشهيرة مثل "الشهد والدموع"، وكذلك آمال رضوان التي كانت مسئولة عن الأزياء التاريخية، حيث تعلمت منها "صناعة تاج ملكي بفصوص من الألماس باستخدام الورق" يبدو وكأنه حقيقي.
كيف أنقذت عليا أحمد فوازير الخاطبة؟
بدأت عليا عملها بالتلفزيون المصري مع المخرج الراحل عادل صادق في أفلام التلفزيون، وكانت أول مشروع عملت به مع الراحل محمود يس والفنانة ماجدة الخطيب بفيلم "مسافر بلا طريق" ثم بدأت العمل في مسلسلات مثل "رأفت الهجان" والفوازير.
وخلال تصوير تتر فوازير "الخاطبة" الشهيرة، وضعت بطلته نيللي ومخرجها فهمي عبد الحميد في مأزق كبير، حيث كان لابد من تصوير أحد مشاهد التتر من خلال ارتداء نيللي لفستان «منفوش»، كانت حينها الساعة الثانية صباحا وهو التوقيت الذي كانت فيه أيضا جميع ورش الخياطة الموجودة بالتلفزيون المصري مغلقة.
تحكي عليا عن هذا المأزق، وتضيف: "الفوازير كانت مثل الأعمال الدرامية تعرض خارج البلاد، فكان لابد من التصوير السريع والذهاب بها إلى المطار في شرائط فيديو لتسليمها هناك لعدم وجود تقنيات شحن البث الحديثة الموجودة حاليا.
نظرًا لإغلاق جميع ورش الخياطة في هذا التوقيت، كان على التصرف السريع، فذهبت لإحضار«جوبونة فستان عرائس»، ثم ذهبت لورشة الديكور وبحثت عن ورق كورشيه باللون «الموف» وقمت بتدبيسه ليكون الجزء السفلي من شكل الفستان ثم أحضرت ثلاثة أمتار شيفون وقمت بربطها باليد دون ماكينة لاستكمال جزء الفستان العلوي.
وبالفعل تم تصوير المشهد وسط اندهاش من مخرجه الذي سأل عن الفستان وكيف تم إحضاره برغم إغلاق ورش الأزياء لتفصح له نيللي عن السر المتمثل في ورق الكورشيه.
وتواصل حديثها: كنّا جيشًا مؤهلًا خلف الكاميرا باحتراف من جميع أفراد العمل من اكسسوار، ملابس،وديكور، كاميرات، مساعدين إخراج، لم نكن نعرف النوم، ولا نرى بيوتنا؛ حيث إقامتنا الدائمة في التليفزيون لأننا أحيانًا كنّا بنعرض حلقة حلقة وإذا كانت تتأخر أو لا تعرض فهناك شرط جزائي على التليفزيون من الدول الأخرى التي تعرض فيها الفوازير، ومثلًا نيللي كان لديها غرفة داخل البلاتوه أما أن تصور مشاهد من الفوازير أو تدرب عليها، لكن برغم كل هذا التعب كنّا نعمل بحب كبير.
العمل مع سعاد وشادية ونادية
على مدار رحلة عليا الآسطاوي، عملت مع كثير من نجمات الزمن الجميل، حيث تؤكد أن لكل منهن شخصية في عملها، وتضيف: سعاد حسني عملت معها منذ فيلم "خلي بالك من زوزو"، مرورًا ب "أميرة حبي أنا"، وصولًا فيلم "الراعي والنساء" والذي كان في رحلة مرضها فكنّا نصور بصعوبة كبيرة، وسعاد امرأة تحمل خصوصية كبيرة في شخصياتها بخلاف الجانب الإنساني الذي تتمتع به، فعندما تدخل عليكي تعرفيها من بريقها، فهي شخصية حساسة وراقية وهذا غير موجود كثير في الحياة.
أما شادية كانت تحب المنزل كثيرًا "ست بيتوتية" لكنها كانت تحرص على الحضور بل التصوير بوقت كافي حتى قلل فريق العمل، ترتدي ملابسها وتجلس لتحفظ دورها، أما نادية لطفي فهي نموذج لبنت بلد في صورة خواجاية، سيدة تدافع عن الحق دائمًا وتثور له، هذا غير عملي مع نجمات مثل الفنانة نجلاء فتحي وميرفت أمين الذين يمثلون الجدعنة على أصولها والرقي الشديد في التعامل.
تحديات مع يوسف شاهين وسمير سيف
التحدي لدى عليا أحمد لم يتوقف عند حد الفوازير، لكنها كانت سببًا في إنقاذ عدد من المخرجين خلال تصوير أعمالهم، كما فعلت مع المخرج يوسف شاهين خلال تصوير فيلم "المهاجر"، هنا تتحدث مضيفة: فوجئت بطلب الأستاذ لفستان روماني باللون الأورنج بشكل مفاجئ، ولم يكن موجود في أوردت الشغل في هذا اليوم، حينها ذهبت لعم عباس صابر ملك الاكسسوار في المهنة وبحثت في الستائر على قطعة قطيفة باللون البرتقالي وقصتها بشكل معين وعملت رباط ولمتها ببروش فرعوني حتى أن أحد فريق العمل من الجهة المنتجة من فرنسا كانت في حالة اندهاش وذهول مما فعلته لأنها لم تكن تعرف أن هذه الخبرات موجودة في مصر.
كذلك في فيلم "الهلفوت" أول عمل لإلهام شاهين مع المخرج سمير سيف، حيث جاءني الاوردر بالمساء ومن المفترض أن نكون في إسماعيلية في اليوم التالي وكان لابد أن يتم تفصيل الملابس، وبالفعل أحضرت القماش وقمت بتفصيله في ساعتين فقط ونفس الأمر في فيلم "المنسي" للزعيم عادل إمام حيث أحضرت هدوم الزعيم من وكالة البلح وقمت "بتسبيخها" علشان تطلع الشخصية بالشكل الذي ظهرت عليه.
رحلة عمل مع يسرا ٣٠ عامًا
تتحدث عليا أحمد عن عشرة العمر النجمة يسرا المسئولة عن ملابسها،وتروي تفاصيل علاقاتها بها وتضيف:" معها من أول ما بدأت رحلة عملها، وأشعر بالغربة عندما تسافر في إجازتها خارج القاهرة، لأن طول ماهي موجودة في القاهرة حتى لو مش بشوفها كل يوم أشعر أنها ظهر وسند كبير وأكون عارفة اني ورايا ضهر هلجأ له مع أي تأزم، فهي دائمًا شخص خدوم لجميع من حوله ولا تتأخر في أي محنة يمر بها أحد العمال معانا في المرض مثلًا.
والحقيقة أنني لا أعرف العمل مع شخص لا أحبه، وهي ست حساسة وتفهمني دون أن أتحدث وهذه منحة من الخالق، كما أنها سيدة تعمل على ذاتها بشكل كويس جدًا، وعلى شكلها فقد تمكث لساعات طويلة دون طعام لإنقاص وزنها، تهتم بكل كبيرة وصغيرة في شغلها والفريق الذي يعمل معها، وفي مسلسلاتها تحرص على إحضار مزيج كثير من الشباب وغيرهم من الفنانين الذين لا يعملون منذ فترة وتكبر أدوارهم على حساب دورها، فهي دائمة القول للمؤلف "النجم نجم بالناس اللي حواليه".
يسرا في الكواليس شخصية مرحة ومحبة للجميع من حولها، لابد أن تحضر الأكل من بيتها وتجيبه وتقعد تفطر مع الناس ولازم كل الناس تقعد الأول وهي آخر واحدة، وفي الكواليس أيضًا تجدي جميع الزملاء على طول في كرانفها ولو حد جديد تقول هاتوه يقعد معايا فهي لا تحب الجلوس بمفردها، ودائمًا بمجرد دخولها الأستديو تجدي جميع الناس في حجرتها.
الزعيم في الكواليس
تتحدث عليا عن النجم عادل إمام وتؤكد أنه يترك كل شخص يقوم بعمله ولا يتدخل فيه، فهكذا يكون الفنان المحترف وتضيف: عادل إمام في الكواليس ترمي الأبرز تسمعي صوتها، وبحب اشتغل معاه لأن كواليس عمله لذيذة، فهناك دائمًا ضحك ومرح، يجلس وسط العمال ويأكل فسيخ ورنجة، وأحيانًا أخواته يطبخوا ويبعتولنا الأكل ونعمل وليمة في الأستديو.
هنا توقفت عليا لتتذكر عددًا من النجوم الراحلين الذين كانت تجمعها بهم صداقة، وتواصل: تأثرت برحيل كثيرين كنت أتوقع أن القدر سيهملهم الشفاء نظرًا لارتباطه الكبير بهم لأَنِّي كنت بقضي اليوم معهم، في ناس مشيوا ج بسرعة مثل دلال عبد العزيز كذلك رجاء الجداوي وسعاد نصر التي كانت تقف معي ليلة قبل دخولها المستشفى وأخبرتني أنها ستجري جراحة بسيطة وتخرج بعدها وتحضر للأستديو في اليوم التالي، ومؤخرًا هشام سليم لأنه كان عشرة عمر طويلة وكان لدي أمل في شفائه.
تطورات المهنة بين الماضي والحاضر
تؤكد عليا أحمد أن هناك كثيرًا من الاختلافات التي باتت تسيطر على المهنة في الوقت الحالي، بعد دخول استحداث لقب "الأستايلست" على الأعمال الفنية والتي تحاول تفرض سيطرتها على باقي عناصر العمل كالماكيير والكوافير دون وعي وفهم.
وتضيف الآسطاوي: قديمًا كان هناك شخص واحد للملابس والماكيير والكوافير مسئول عن العمل كاملًا، أما حاليًا فالوضع اختلف تمامًا، فأحيانًا يكون الاستايلست سببًا في ضياع ميزانية العمل بالملايين بدعوى أنه يحضر ملابس ذو ماركات عالمية، رغم أن ارتداء "البراند" لابد أن يكون في حياة الفنان الشخصية وليس في العمل لأنه بيحمله ميزانية ضخمة يكون نتيجتها أيضًا ظلم كثير من العاملين خلف الكاميرا في الأجور، وسبق مثلًا وقدمت مسلسل كامل لم أستخدم فيه إلا ثلاثة بنطلونات مع استخدام الإكسسوارات المناسبة وحصلنا به على العديد من الجوائز فالفكرة في مهارة الأشخاص.
ولدينا مصممو أزياء كبار مثل ناهد نصر الله، مونيا فتح الباب، سامية عبدالعزيز وغيرهم من الأسماء الكبيرة التي تتعامل مع العمل باحترافية؛ حيث تقوم بتفريغ احتياجات ملابس الشخصية على الورق وتعطيني الخط الذي سأعمل عليه، وهنا يأتي دورنا في الحضور قبل الأوردو بثلاثة أو أربعة ساعات نحضر كل ملابسنا وتقوم الاستايلست بمراجع عملنا وتتابعه وليس مثل الآن تظهر مرة وتختفي في باقي تصوير العمل مما ينتج عنه كثير من الأخطاء في راكورات التصوير.
عليا الآسطاوي
عليا الآسطاوي
عليا الآسطاوي
عليا الآسطاوي
عليا الآسطاوي
عليا الآسطاوي
عليا الآسطاوي
عليا الآسطاوي
عليا الآسطاوي
عليا الآسطاوي
عليا الآسطاوي
عليا الآسطاوي