الكفاح والصبر والقدرة على مواجهة الأزمات، صفات تتميز بها الأم المصرية، التي تحملت مشاق الحياة القاسية والصعبة، فمنهن من تمارس مهن الرجال الصعبة للحصول على قوت الأسرة، ، ومنهن من تحملت مسئولية أسرتها بالكامل بعد تركها زوجها أو وفاته لتحل محله وتصبح هي الأم والأب والسند.
موضوعات مقترحة
ويحتفل العالم اليوم الثلاثاء بعيد الأم، الذي يعد من أهم المناسبات التي يتم الاحتفال بها سنويا في جميع أنحاء العالم، للتعبير فيه عن حب الأبناء لأمهاتهم، بالهدايا والورد وبطاقات المعايدة، محاولة منهم لإسعادها وتكريمها وشكرها لما بذلته وقدمته لهم في سنوات حياتها في سبيل راحة أبنائها.
قصة الاحتفال بعيد الأم
وبدأ الاحتفال بعيد الأم في أمريكا يوم 12 مايو عام 1908، عندما أقامت آنا جارفيس ذكرى لوالدتها، وأطلقت بعدها حملة لاعتراف الولايات المتحدة بعيد الأم، تحقيقا لرغبة والدتها قبل وافتها، ليصبح فيما بعد تقليدا تحتفل به الشعوب في مناطق مختلفة حول العالم، وفي اليابان يحتفل به يوم الأحد الثاني من شهر مايو، حيث يقام معرض لصور الأمهات، وتقوم الهند بالاحتفال لمدة 10 أيام ويطلقون "درجا بوجا" وهو اسم أحد الآلهة التي تبعد عنهم الشر.
ويختلف تاريخ الاحتفال بعيد الأم من دولة لأخرى، حيث خصصت بريطانيا أول احتفال بعيد الأم في القرن الـ17، وتحديدا في يوم نهاية الصوم الكبير، صوم الـ40 يوما، حيث يذهب كافة الأبناء بعد انتهاء الصلاة في الكنائس للاحتفال بأمهاتهم والتعبير عن محبتهم وتقديرهم لهن.
أما في كندا فتحتفل بعيد الأم في الأول من شهر مايو، وكذلك إسبانيا حيث يرتبط لديهم الاحتفال بتكريم السيدة العذراء، أما في دولة النرويج فيحتفلون بعيد الأم في الثاني من شهر فبراير، وفي الأرجنتين في الثالث من أكتوبر، أما في جنوب إفريقيا يحتفلون في الأول من شهر مايو.
بدأ الاحتفال بعيد الأم في مصر، ثم انتشر لباقي البلاد العربية في خمسينيات القرن الماضي، وترجع بداية الاحتفال بعيد الأم للكاتب الصحفي على أمين، مؤسس جريدة أخبار اليوم، حيث طرح في مقال له فكرة الاحتفال بعيد الأم، قائلا: "لماذا لا نتفق على يوم في أيام السنة نطلق عليه "يوم الأم"، ونجعله عيدا قوميا في بلادنا وبلاد الشرق، وفي مثل هذا اليوم يقدم الأبناء لأمهاتهم الهدايا الصغيرة ويرسلون للأمهات خطابات صغيرة يقولون فيها شكرا أو ربنا يخليك، لماذا لا نشجع الأطفال في هذا اليوم أن يعامل كل منهم كملكة فيمنعوها من العمل، ويتولوا هم في هذا اليوم كل أعمالها المنزلية بدلا منها، ولكن أي يوم في السنة نجعله عيد الأم؟".
ولاقى المقال إعجاب الكثيرين من القراء، واستجاب الكثير من القراء لهذه الدعوة، ومنها تم اختيار يوم 21 مارس أول أيام فصل الربيع، ليصبح رمزا للجمال وتفتح الزهور وللعطاء والحياة، وكان أول احتفال بعيد الأم في مصر عام 1956.
دور الأم في المجتمع
"الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق"، فهي أساس الحياة وهي السبب الرئيسي في نجاح كل شخص في الحياة، فبيدها تلون الوطن بأحسن الألوان من خلال تربيتها لأبنائها، فبحسب الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن ذلك يكون من خلال تربية الأم أبناء صالحين نافعين لوطنهم، مطورين ومنتجين للقضاء على الفساد، فنحن بحاجة كبيرة لأن يرى العالم كله أن المجتمع المصري مازال بخير ولديه جيل قوي ونظيف.
وتؤكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن الاحتفال بعيد الأم يعيد الإنسانية والرحمة والشفقة والعواطف الجميلة والنبيلة بداخل الأمهات والأبناء، والبعد عن عالم الجرائم الغريبة المنفردة التي ظهرت في الفترة الأخيرة، كما أن هذا اليوم يؤكد أهمية الأم وفضلها وقيمتها ودورها الكبير في الحياة بشكل عام.
وتشدد "خضر"، على ضرورة عودة اهتمام الأمهات بأبنائهن، وتقليل اهتماماتها في سبيل تربية الأطفال وتأسيس حياتهم، كما يجب تكريم كل أم ضحت بحياتها من أجل أطفالها، وتكريم أمهات الشهداء العظماء، لأنهم صنعوا أجيالا عظيمة تضحي من أجل حماية وطنها.
تعظيم قيمة الأم في الإسلام
لقد أعلى الإسلام من قيمة الأم، سواء كان ذلك من خلال آيات القرآن الكريم، أو الأحاديث النبوية الشريفة التي تحدثت عن الأم وفضلها في العديد من المناسبات، حيث إن الأم تعتبر الأساس في حياة الإنسان، ولا يوجد شخص له قيمة بدون والدته، فهي من قامت بالتربية والرعاية، وهي من وقفت أمام مخاطر الحياة في سبيل أولادها، وقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال "الجنة تحت أقدام الأمهات".
ولقد أمرنا الرسول على ضرورة صحبة الأم، حيث قال في حديث شريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: أمك، قال: ثم من؟، قال: أمك، قال: ثم من، قال أمك، قال: ثم من، قال أبوك".
طاعة الرب مقترنة برضا الأم
كما أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعة الوالدين، لأنهما من طاعة الله سبحانه وتعالى، فقال رسول الله في حديث شريف: "رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما"، فلابد أن نطيعهما في جميع الأوامر عدا الأوامر التي تخالف الله ورسوله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن حتى لو كان الأمر مخالفا، فيجب الرفض بالحسنى ودون تجريح أو رد فاحش.
حكم الاحتفال بعيد الأم
ظهرت في الفترة الأخيرة بعض الفتاوى السلفية التي تحرم الاحتفال بعيد الأم، ولتوضيح الأمر، يقول الدكتور عطية لاشين أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف، إن تحريم السلفيين الاحتفال بعيد الأم تحت مزاعم أنه بدعة أمر ليس جديدًا، وإنما تعودنا عليه في كل مناسبة تسعد المجتمع فيحاولون تعكير صفوها، فأصحاب هذه الفتاوى الشاذة يعتمدون على قول الرسول: "إن للمسلمين عيدين هما الفطر والأضحى"، ولكنهم تناسوا الاجتهاد وقول الرسول إن الله يرسل كل 100 عام على رأس الأمة من يجدد فكرها، موضحا أن حديث الرسول لا ينفي وجود أعياد أخرى للاحتفال بها.
ويؤكد أستاذ الشريعة الإسلامية، أن الرسول أوصى بالاهتمام بالأم والمرأة، مستشهدا بحديث الرسول، عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى رسول الله، فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك.. قال: ثم من؟.. قال: أمك.. قال: ثم من؟.. قال: أمك.. قال: ثم من؟.. قال: أبوك"، منوها بأن ذلك يوصي بتكريم الأم والاحتفال بها.
ويوضح الدكتور عطية لاشين أن يوم موت الأم يأتي منادٍ من السماء يقول ماتت من كانت نكرمك من أجلها، لذلك فإن الاحتفال بعيد الأم يذكر الناس بدور الأمهات، ويؤكد للمتذكر أنه عمل جليل وعظيم، وأن الله يبارك لكل شخص يرضي أمه، لافتا إلى أن السلفيين لا يسعون لتجديد الواقع الفكري الذين يعيشون فيه ولا يريدون أن يقتنعوا بأن الحياة كل يوم في شأن، ثم إن الاحتفال بعيد الأم هو رد للجميل لنقول لها شكرًا، وأوصى المولى عز وجل، ورسوله بالأمهات، قائلا لأصحاب الأفكار الشاذة: "ارحمونا يرحمكم الله.