تكنولوجيا التخمر الحيوى وألبان بدون أبقار

21-3-2023 | 16:08
تكنولوجيا التخمر الحيوى وألبان بدون أبقار لبن
فاروق الحاج
بوابة الأهرام الزراعي نقلاً عن
  • 80 % من سكان العالم يستهلكون منتجات الألبان بانتظام والرقم يتزايد مع الوقت
  • موضوعات مقترحة
  • الدعوات المتزايدة من ناشطى البيئة فتحت الباب على مصراعيه أمام الألبان الصناعية
  • الفطريات تنتج الحليب الصناعى بسلاسة عكس اللحوم الصناعية
  • حليب الصويا ذو قوام كريمى وطعم معتدل يمكن استخدامه كبديل لألبان الأبقار
  • لبن الصويا يحتوى على نفس كمية البروتينات فى حليب الأبقار لكن محتواه من  الكالسيوم قليل

 

مع الزيادة السكانية، ولسد الفجوة ما بين الإنتاج والاستهلاك تبرز الحاجة إلى استخلاص البروتين من المصادر التقليدية، وغير التقليدية كالخميرة والفطريات والطحالب والحشرات.

مع التغيرات المناخية، تتصاعد الدعوات المتزايدة من ناشطى البيئة، باعتبار أن الحيوانات الزراعية من الأسباب الرئيسية فى زيادة غازات الاحتباس الحرارى، لما تطلقه من كميات كبيرة من غاز الميثان، وبالتالى تتزايد المطالبة بتجاوز النظم الغذائية القائمة على الحيوانات، إلى أشكال أكثر استدامة لإنتاج الغذاء، وفى ظل هذه المبررات اتجه نشاط العلماء للبحث عن تقنيات بديلة للحيوان، لتوفير الاحتياجات من الألبان، وبذلك برز التخمير الدقيق كأحد التقنيات الواعدة فى هذا الشأن.. وكان لنا هذا الحوار مع الدكتور فوزى أبو دنيا المدير السابق لمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى، للوقوف على  أبعاد هذه التكنولوجيا الجديدة... 

- ماهو حجم الإنتاج العالمى من الألبان؟

يبلغ الإنتاج العالمى من اللبن نحو 536 مليون طن سنوياً، يصل نصيب الدول المتقدمة نحو 85% من هذا الإنتاج، والــ 15% المتبقية هى من نصيب الدول النامية، ويعتبر اللبن البقرى واللبن الجاموسى هما المصدر الرئيسى للبن، فنجد أن إجمالى اللبن البقرى يمثل نحو 87 % من الإنتاج العالمى، بينما يمثل اللبن الجاموسى نحو 10% من الإنتاج العالمى، إلا أن هناك أيضاً ألبان الضأن.

- ماهى مكونات اللبن؟

يتكون اللبن الطبيعى أساساً من الماء، الذى يمثل 87 % ومواد صلبة 13%، وتتكون المواد الصلبة فى اللبن من: البروتينات والدهون والفيتامينات والأملاح المعدنية، وتتباين مكونات اللبن الطبيعى طبقاً لنوع الحيوان المنتج منه اللبن، ويلاحظ أن الحموضة لا تزيد فيه على 0.16 – 0.17 %،. 

ونظراً للحملة البيئية العالمية المتوهجة ضد تربية الحيوانات الزراعية، وتكييل الاتهام لها بأنها من أحد الأسباب الرئيسية فى تغيرات المناخ، بدأت تتجه الأنظار للبحث عن بدائل الحيوان، لتوفير الاحتياجات من الألبان الطبيعية لإنتاج ألبان بديلة. وفى الحقيقة لم تكن تقنية استخدام التخمر الحيوى هى الأولى من نوعها فى البحث عن إنتاج بدائل الألبان، فقد سبقها إنتاج اللبن من الصويا كمصدر نباتى، حيث تمّ إنتاجه قديماً فى الصين، إلا أنه ينتشر انتشاراً واسعاً فى دول شرق آسيا، ولم ينتشر فى أوروبا حتى بدايات القرن العشرين.

- مما يتكون لبن الصويا وماهى فوائده؟

يتكون لبن الصويا أساساً من المستخلص المائى لحبوب فول الصويا الكاملة، ويشكّل هذا المستخلص محلولاً أبيض سكرياً، يحتوى على البروتينات، والكربوهيدرات المذابة فى الماء، كما أنّه يتميز أيضاً باحتوائه على معظم الأحماض الدهنية الموجودة فى زيت فول الصويا، ويمتلك حليب الصويا قواماً كريمياً، وطعماً معتدلاً، لكنّه قد يتغير بحسب الشركات المصنّعة له، ويُمكن استخدامه كبديلٍ لألبان الأبقار، وخصوصاً مع القهوة، أو مع الإفطار، أو مع الأطباق المالحة. يحتوى لبن الصويا على الكمية نفسها من البروتينات كحليب الأبقار، (لكن ليس نفس تدرج الأحماض الأمينية)، كما أن لبن الصويا الطبيعى يحتوى على القليل من الكالسيوم، على عكس حليب البقر، كما يحتوى لبن الصويا على القليل من الدهون المشبعة، ولا يحتوى على الكولسترول، ويؤدى استخدام فول الصويا لصنع لبن الصويا، بدلاً من تربية الأبقار وهو أمر مفيد بيئياً، حيث تحتاج الأبقار إلى طاقة أكبر بكثير من أجل إنتاج الحليب، فالحيوان يحتاج إلى تغذية ويمكن أن يستهلك ما يصل إلى 24 كجم من الطعام على أساس المادة الجافة، و90  إلى 180 لتراً من الماء فى اليوم، وذلك كى ينتج متوسط ​​40  كيلوجراماً من اللبن يومياً، من ناحية أخرى فإن زراعة نبات فول الصويا كأحد النباتات البقولية، تعمل على تجديد محتوى النيتروجين فى التربة التى تزرع فيها.

- هل من المتوقع زيادة فى الطلب على منتجات الألبان؟ 

نظراً لأن أكثر من % 80 من سكان العالم يستهلكون منتجات الألبان بانتظام، ومن المتوقع أن تكون هناك زيادة فى الطلب على هذه المنتجات مستقبلاً، ويتوازى مع ذلك الدعوات المتزايدة من ناشطى البيئة، باعتبار الحيوانات الزراعية من الأسباب الرئيسية فى زيادة غازات الاحتباس الحرارى، لما تطلقه من كميات كبيرة من غاز الميثان، وبالتالى تتزايد المطالبة بتجاوز النظم الغذائية القائمة على الحيوانات إلى أشكال أكثر استدامة لإنتاج الغذاء، وفى ظل هذه المبررات اتجه نشاط العلماء للبحث عن تقنيات بديلة للحيوان، لتوفير الاحتياجات من الألبان، وبذلك برز التخمير الدقيق كأحد التقنيات الواعدة فى هذا الشأن، وهو مجال جديد نسبياً للتكنولوجيا الحيوية الناشئة باستزراع الخلايا الميكروبية النافعة، لتوفير مصادر بروتينية غير تقليدية يمكن أن تدعم نمو الاقتصاد الحيوى المستدام.

- ماهو التخمير الدقيق وماهى استخدماته؟ 

 ويستخدم التخمير الدقيق مبادئ التخمير الأساسية، والتى لها تاريخ طويل وآمن فى صناعة الأغذية، يطلق على هذه التقنية الجديدة فى إنتاج الألبان الاصطناعية الحديثة حالياً العديد من التعريفات مثل: التخمرات الدقيقة، أو حليب الكائنات الحية الدقيقة، أو التخمر الحيوى لإنتاج الألبان أو ألبان بدون أبقار، وتعتمد عمليات التخمير التقليدية على إكثار الخلايا الميكروبية (الخميرة والفطريات)، فى ظل الظروف اللاهوائية)الخالية من الأكسجين)، لإنتاج مكونات ذات خصائص نكهة فريدة، مثل الزبادى والخبز والجبن، وفى عملية إنتاج الألبان البديلة يتم استزراع الفطر فى خزانات كبيرة، مع إضافة السكر والمواد المغذية الأخرى لتحفيز نموها، لإنتاج كتلة بروتينية غنية بالأحماض الأمينية الحقيقية والضرورية التى تحتويها الألبان.

- ماهى الأهمية الاقتصادية لإنتاج الفطريات ومشتقاتها؟

 تنتج الفطريات مستويات عالية من البروتين والفيتامينات والمعادن، واليوم يُسخّر التخمير الدقيق لتخليق مركبات قد تكون باهظة الثمن ومعقدة، حيث يتم الحصول عليها من مصادرها الطبيعية، ويعتمد على إعادة برمجة الميكروبات لإنتاج جزيئات محددة ومخصصة، يمكن أن تنتج مكونات غذائية جديدة، ويمكن للمنتجات الجديدة عبر تقنية التخمير الدقيق تعزيز الاستهلاك من خلال تحسين المذاق أو الملمس أو الجوانب الوظيفية الأخرى، لاستيعاب تفضيلات المستهلكين واهتمامات الاستدامة، وبذلك نرى أن إنتاج الألبان الاصطناعية فى المقام الأول يركز على إنتاج البروتين وتوفيره من مصادر متعددة، حيث يعتبر المكون الأساسى فى الألبان، وبالتالى فى المستقبل ستكون مصادر هذه البروتينات من النبات والكائنات الحية الدقيقة والحشرات وغيرها مما يستجد، كى يتم خلطه مع مصادر دهون وكربوهيدرات وفيتامينات وأملاح معدنية، لإنتاج ألبان اصطناعية جديدة ذات مصادر بروتينية مختلفة ونكهات مختلفة، لكنها ستكون مرغوبة للإنسان.

- ما هو الحليب الاصطناعى؟

 ويوصف الحليب الاصطناعى الناتج بأن له مذاق الحليب العادى وشكله وملمسه، وله التركيب الكيميائى نفسه، لكنه لا يتطلب تربية الحيوانات. ففى أستراليا تقوم بعض الشركات الناشئة على تطوير اللبن الاصطناعى، حيث تستخدم "التخمير الدقيق" لإنتاج البروتينات الموجودة فى حليب البقر، ثم تستكمل باقى مكونات اللبن ليماثل اللبن الحقيقى الناتج من الحيوانات، وتستهدف الشركات المستهلكين القلقين بشأن تغير المناخ، ولا سيما تأثير غاز الميثان الناتج من الأبقار، فى الواقع أن هذه البروتينات تمنح الحليب العديد من خصائصه الأساسية، وتسهم فى قوامه الكريمى، وأن الباحثين يضيفون المعادن والسكريات والدهون والنكهات إلى البروتين، للوصول إلى مواصفات تضارع المنتج النهائى.

وعلى عكس اللحوم الاصطناعية التى تكافح كى تُطابق تعقيد اللحوم الحيوانية وملمسها، يُوصف الحليب الاصطناعى بأنه يمتلك مذاق الحليب الحيوانى وشكله وملمسه.

- ماهو تأثير الزيادة السكانية على إنتاجية الألبان فى المستقبل؟

مع الزيادة السكانية سوف نحتاج لإطعام سكان العالم فى المستقبل، وبالتالى نحتاج إلى إنتاج غذاء على نطاق أوسع وأكثر استدامة مما هو عليه اليوم، ولسدّ هذه الفجوة ما بين الإنتاج والاستهلاك، نحتاج إلى استخلاص مزيد من البروتين من المصادر التقليدية، إضافة إلى البروتين من المصادر الناشئة التكميلية مثل: (الخميرة والفطريات والطحالب والحشرات).

- ماهى الآثار الجانبية من إنتاج الحليب الصناعى؟

ومن المتوقع أن يقلل الحليب الصناعى من الآثار البيئية المتوقعة والمخاوف، مثل انبعاثات غاز الميثان، وأن يساعد على الرفق بالحيوان، وإذا تمكنت صناعة الألبان الصناعية من تحقيق هدف التكلفة هذا فى جميع المجالات، فهناك  -مع الأسف-  احتمال عالٍ لتعطيل صناعة الألبان المعتمدة على الماشية الطبيعية، كما يمكن أن توجه البشرية بعيداً عن الزراعة الحيوانية التقليدية نحو أنظمة غذائية مختلفة جذرياً.

- ماذا عن صناعة الحليب التقليدية؟

من المؤكد أن صناعة الحليب التقليدية لن تتلاشى فى أى وقت قريب، وأن الحليب الاصطناعى ليس حلًا لكل شىء، على الرغم من المكاسب الكبيرة المحتملة لصالح البيئة ورفاهية الحيوانات، بسبب هذه التقنية، فإن لها تحديات وجوانب سلبية محتمل، مثلاً البروتينات البديلة لا تضفى الطابع المؤسسى أو تجانس الزراعة الصناعية التقليدية، مما يعنى أن كبار منتجى اللبن الاصطناعى قد يستحوذون على أنظمة الألبان البديلة ضعيفة التقنية أو صغيرة النطاق، علاوة على ذلك، قد تحل هذه الصناعة مستقبلاً محل الكثير من الأشخاص فى نطاق صناعة الألبان العالمى، إذا كانت تعاونيات صناعة الألبان التقليدية فى أستراليا ونيوزلندا تتجه نحو الحليب الاصطناعى.

وفى نهاية الحوار يقول الدكتور فوزى أبو دنيا: أنه ومع اكتساب الحليب الاصطناعى منافع فى السنوات القادمة، يجب الحذر من تكرار الإجحاف القائم فى النظام الغذائى الحال، وبالتالى يجب أن يدرك قطاع منتجى الألبان ومنتجات الألبان التقليدى، أنه حالياً فى مرحلة مهمة من التغير المحورى، نظراً للتقدم التكنولوجى، ولمواجهة التحديات المتعددة، والتى منها تشريد بعض العاملين فى قطاع الألبان العالمى، يجب أن يعظم الفوائد المجتمعية لمشتقات الألبان الحيوانية، ويقلل مساهمتها فى التغير المناخى.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: