إشكالية الطعن بالنقض على أحكام محاكم الأسرة

20-3-2023 | 13:01

من المستقر عليه منذ صدور قانون إجراءات التقاضي في مواد الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 200 وقانون محاكم الأسرة رقم 10 لسنة 2004 عدم قابلية الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية لمحاكم الأسرة للطعن فيها بطريق النقض: فقد قررت المادة "14" من القانون الأخير على أنه: "مع عدم الإخلال بأحكام المادة (250) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تكون الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية غير قابلة للطعن فيها بطريق النقض".

وقد قصد المشرع من تقرير عدم قابلية تلك الأحكام والقرارات للطعن فيها بالنقض تحقيق الاستقرار لما ينشأ عن مسائل الأحوال الشخصية من مراكز قانونية تتعلق بأهم شئون الفرد والأسرة، خاصة دعاوى النسب والطلاق، والوقاية من خطر إطالة أمد إجراءات التقاضي، خاصة ما يتعلق بدعاوى النفقات، وبالاضافة إلى هذه الاعتبارات المهمة، هناك اعتبار آخر؛ إذ اتجه المشرع إلي إلغاء الطعن بطريق النقض، وذلك باعتباره طريقا غير عادي للطعن، وذلك بالنظر إلى ما كفله المشرع من تشكيل خاص لمحكمة الأسرة منذ البداية بحيث تؤلف من ثلاثة (3) قضاة أحدهم علي الأقل بدرجة رئيس محكمة، وتختص هذه المحكمة بمسائل كان ينعقد الاختصاص بنظرها بمعرفة قاض فرد، وتستأنف أحكام محكمة الأسرة لدى دائرة من دوائر محكمة الاستئناف العالي المؤلفة من ثلاثة (3) مستشارين أحدهم علي الأقل بدرجة رئيس بمحاكم الاستئناف، مما يضمن جودة هذه الأحكام والقرارات، وتضاؤل أهمية الطعن عليها بطريق النقض.

وتقوم فلسفة الطعن بالنقض كطريق طعن غير عادي على وظيفة توحيد تطبيق القوانين وتوحيد تفسيرها، بحيث يتم ضمان عدم اختلاف محاكم الاستئناف فى صدد المسألة القانونية الواحدة، بالاضافة إلى ضمان تمتع المتقاضين بضمانات التقاضي المنصف من خلال السماح بالطعن بالنقض لوقوع بطلان فى الإجراءات أثر فى الحكم، أو بطلان فى الحكم ذاته، كذلك إلى ضمان عدم تناقض الأحكام من خلال السماح بالطعن بالنقض؛ وذلك إذا صدر حكم حائز لقوة الأمر المقضي فيه مخالفا لحكم حائز لقوة الأمر المقضي فيه أيضًا. وسمحت المادة (250) من قانون المرافعات للنائب العام الطعن بالنقض على الأحكام الصادرة من محاكم الأسرة الاستئنافية. وبذلك فإن المشرع المصري قد ضحى بضمانة الطعن بالنقض للاعتبارات السابق ذكرها، سواء اعتبار الأمن القانوني أو اعتبار السرعة أو اعتبار التشكيل المتميز لمحاكم الأسرة.    

والتساؤل الذي يطرح نفسه هل هذا الاتجاه التشريعي بحظر الطعن بالنقض على الأحكام الصادرة فى مواد الأحوال الشخصية من الملائم الاستمرار فيه، بعد هذه السنوات؟ خلال السنوات السابقة، حاولت محكمة النقض التخفيف من حدة هذا الحظر، وقبلت دعوى انعدام الأحكام الصادرة من محاكم الأسرة، وأعطت الاختصاص بها للمحكمة الابتدائية وفقا للقواعد العامة فى قانون المرافعات؛ وذلك فى حالة إصابة الحكم بتخلف أحد أركان وجوده، وهذه الحالات نادرة الحدوث والقبول فى التطبيق العملي من جانب المحاكم، وترتيبا على ذلك فهذه الدعوى ليست كافية لضمان عدالة الأحكام سواء من الناحية الموضوعية أو الإجرائية. كما أن الطعن لمصلحة القانون من خلال النائب العام، ليس ضمانة كافية للخصوم، وأثره نظري بحت؛ حيث يُلغى الحكم دون ثمة أثر على المراكز القانونية للخصوم.

ومن ثم، فإنه إذا كان حظر الطعن بالنقض يقوم على أسباب لا يمكن إغفالها بالنسبة لمنازعات الأحوال الشخصية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن ضمانة الطعن بالنقض على الأحكام لا يمكن غض الطرف عنها فى صدد منازعات تتناول مراكز قانونية مهمة للمجتمع والأسر المصرية، خصوصا أن هناك من الناحية العملية مسائل شائكة تختلف محاكم الأسرة بشأنها، وعلى رأسها منازعات الاستضافة؛ حيث تختلف محاكم الأسرة بصددها؛ فهناك من المحاكم من تتيح فكرة الاستضافة، وهناك من ترفضها.

وتأسيسًا على ذلك، وتحقيقًا للتوازن بين هذه الاعتبارات المهمة، فإننا نقترح على المشرع المصري أن يتيح الطعن بالنقض على الأحكام الصادرة من محاكم استئناف الأسرة على نحو يحقق التوازن بين ضمانة استقرار المراكز القانونية، واعتبار العدالة الناجزة، من ناحية، وضمانة الطعن بالنقض، وما تحققه من فوائد جمة من ناحية أخرى ؛ حيث من الممكن السماح بالطعن بالنقض فى حالة مخالفة القانون، أو الخطأ في تطبيقه، أو تأويله على نحو جسيم/ أو في حالة ثبوت تناقض أحكام محاكم الاستئناف فى المسألة القانونية الواحدة، كذلك فى حالة وقوع بطلان جسيم فى الإجراءات أثر فى الحكم، أو بطلان جسيم فى الحكم ذاته؛ حيث إن هذه الأحوال يجب فيها السماح للمتقاضين بالطعن بالنقض، وذلك من أجل ضمان عدالة منصفة وناجزة للمتقاضين فى منازعات الأحوال الشخصية، إذ عبر هذه الأسباب لن يصبح طريق الطعن متاح لأى سبب بسيط من أسباب الطعن بالنقض، إنما يقبل في حالات تتأبى العدالة على استمرار تلك الأحكام المعيبة عيوبا جسيمة والعمل بمقتضى حجيتها، دون أن تصل إلى تطلب وجود سبب من أسباب انعدام الحكم، كما أن إضافة سبب وجود تناقض بين أحكام محاكم الاستئناف الأسرية التي تتناول مسألة قانونية واحدة من شأنه أن يوحد التطبيق العملي للقانون ويحقق مبدأ المساواة بين الأفراد.

كذلك يجب تخصيص دوائر بمحكمة النقض لنظر هذه الطعون مثلما هو الحال بالنسبة للطعن فى الأحكام الصادرة من الدوائر الاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية، مع مراعاة تحديد مدة يجب الفصل فى الطعون خلالها، لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وإلا التزمت الدولة بتعويض الأضرار الناجمة عن تأخير الفصل فيها، حفاظا على اعتبار قيمة الوقت والعدالة الناجزة، كما أقترح تقرير مبلغ مالي مناسب من الكفالة يصادر فى حالة رفض الطعن بالنقض لقيامه على أسباب غير جدية، كنوع من الوقاية من التعسف الإجرائي، مع الإلزام بالتعويضات المقررة قانونا، إذ من شأن هذا الاقتراح كفالة تحقيق ضمانات العدالة المنصفة المنصوص عليها فى الدستور المصرى والاتفاقيات الدولية المقررة فى هذا الصدد، وتحقيق قدر كبير بين اعتبارات الحظر واعتبارات الإتاحة.

* أستاذ قانون المرافعات ومدير مركز الدراسات القانونية لخدمة المجتمع بجامعة أسيوط

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: