.. في توقيتها وأسلوبها ومآلاتها جاءت دعوة ما سمى بـ "الديانة الإبراهيمية " تحمل علامات استفهام كبرى، لا بد من التوقف عندها والبحث في مآربها ومن يقف ورائها، ولا يكفي أن يتصدى الأزهر لهذه الدعوة المشبوهة التي تطل علينا من آن لآخر خلال الشهور الأخيرة ببيان استنكاري أو تصريح استهجاني بل يجب أن تتحرك كل المؤسسات الدينية الإسلامية والقبطية في مواجهة هذه الدعوة التي تستهدف تفريغ الديانات من مضمونها السامي المقدس وضرب قيمها وهدم أركانها تحت زعم توحيد الديانات الثلاثة في دين واحد، ولعل ما ذهب إليه هؤلاء الداعون من وراء الدعوة هو التعاون والتشارك إلا أن من يتعمق في التحليل والدراسة فى الأهداف والمقاصد سيتأكد أن من يقف وراء هذه الدعوات الخبيثة يسعي إلى هدم الدين الذي أراده الله سبحانه وتعالي للعالمين . فقد أراد الله وقدّر للأديان السماوية الاختلاف في أحكامها وأصولها وتفاصيلها، وحتى في أتباعها، حين قال عز وجل في سورة المائدة :" لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً "، إلا أن الدعوة لما يسمى (الديانة الإبراهيمية) لا تزال تطل برأسها القبيح، من حين لآخر، مُروِّجه للجمع بين الأديان التي شاء الله لها ذلك الاختلاف، وحفظ لكل إنسان حرية العقيدة، حين قال في سورة الكافرون:" لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ".
موضوعات مقترحة
دعوات الديانة الإبراهيمية
في مواجهة هذه الدعوة جاء بيان أصدرته الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ذكرت فيه أنه إشارة إلى ما يثار من دعاوى حول تكوين كيان عقدي يجمع الديانات السماوية الثلاث في دينٍ واحد تحت مسمى (الديانة الإبراهيمية)، وما يرتبط بها من بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد بمقولة إن ذلك يعد مدخلًا سريعًا للتعاون الإنساني، والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات في العالم، ونظرًا لما تنطوي عليه تلك الدعاوى من خطر على الدين والدنيا معًا، فإن مجمع البحوث الإسلامية يود أن يوضح للعالم
الأزهر الشريف
أولًا: إن اختلاف الناس في معتقداتهم وتوجهاتهم سنة كونية وفطرة طبيعية فطر الله الناس عليها، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118- 119]، وأنه لو شاء أن يخلقهم على شاكلة واحدة، أو لسان واحد أو عقيدة واحدة لخلقهم على هذا النحو، لكنه أراد ذلك الاختلاف ليكون أساسًا لحريتهم في اختيار عقيدتهم، قال تعالى: ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29].
حرية العقيدة
وأضاف البيان أن حرية اختيار المعتقد، لا تمنع التواصل الإنساني مع أتباع الديانات الأخرى والتعاون معهم على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان، لأنهم أهل كتب سماوية، والتعامل معهم على أساس العدل والاحترام المتبادل مما يدعو إليه الإسلام.
الجمع بين الأديان
وحذرت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف من أنه لا يجوز الخلط بين احترام عقائد الآخرين والإيمان بها، لأن ذلك الخلط سيؤدي إلى إفساد الأديان والتعدي على أثمن قيمة كفلها الله للإنسان، وهي حرية المعتقد، والتكامل الإنساني فيما بين البشر، ولهذا قال سبحانه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، وقال سبحانه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾[المائدة: 48].
مسجد الأزهر
مجمع البحوث الإسلامية
وقالت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، إن الدعوة التي تطارد مسامع الناس اليوم بما يقال عن وحدة الأديان أو ما يسمى (الدين الإبراهيمي)، قد سبق أن أثيرت من قبل، وحسم الأزهر الشريف أمرها وبيَّن خطورتها.
الأديان السماوية
وقال الأزهر الشريف إن ما يسمى (الدين الإبراهيمي)، لا يتفق مع أصول أي دين من الأديان السماوية ولا مع فروعه، ولا مع طبيعة الخلق وفطرتهم التي تقوم على الاختلاف في اللون والعرق وحرية العقيدة، كما أنها تُخالف صحيح ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وما اتفق عليه إجماع علماء كل دين من الأديان وكل ملة من الملل.
التعاون الإنساني
وأكد الأزهر الشريف رفض مثل هذه الدعاوي، رفضًا قاطعًا، وأكدت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أن هذا الرفض لا يتعارض مع التعاون في المشتركات بين الأديان لتقديم العون والمساعدة للناس، وتخفيف آلامهم وأحزانهم.
قدسية الأديان
وقالت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، على هؤلاء الداعين لمثل هذا التوجه أن يبحثوا عن طريق آخر يحققون به مصالحهم وينفذون به أجنداتهم بعيدًا عن قدسية أديان السماء وحرية الاختيار المرتبطة بها، وأن يتركوا الدين لله ويذهبوا بأغراضهم حيث يريدون، فإن الله لم ينزل دينه ليكون مطية لتحقيق المآرب السياسية، أو أداة للانحرافات السلوكية والأخلاقية.
النزاعات الدينية
وأكد الأزهر الشريف أن انفتاحه على المؤسسات الدينية داخل مصر وخارجها، إنما هو انفتاح غايته البحث عن المشتركات الإنسانية بين الأديان السماوية والتعلق بها لانتشال الإنسانية من أزماتها المعاصرة، ونزاعاتها المتناحرة حتى تستطيع مواجهة ما حاق بها من ظلم الغادرين وبغي الأقوياء، وغطرسة المتسلطين على المستضعفين، وحتى لا تقعد بها الصراعات العقدية والنزاعات الدينية عن الوصول لتحقيق غايتها الإنسانية النبيلة.
الإتجار بالدين
يقول المفكر القبطي،جمال أسعد، إن سيدنا إبراهيم، عليه السلام، هو أبو الأنبياء، لافتًا إلى الديانات، اليهودية، والمسيحية، والإسلامية، ولكن اليهودية وبالمعنى الأصح، الإسرائيليون الصهاينة يستغلون الديني لصالح السياسي.
المفكر القبطي جمال أسعد
استغلال الدين
يتابع المفكر القبطي، جمال أسعد، فيقول إن دليل ذلك، اختراع ما يسمى بالصهيونية المسيحية في أمريكا، وهدفها إقناع المسيحيون بأن المسيحي لابد أن يعترف بالمجيء الثاني للمسيح، وهذا لا يتم إلا ببناء الهيكل، وهدم المسجد الأقصى، فهذه نظرية سياسية صهيونية، تستغل الدين المسيحي لصالح الرؤية السياسية الصهيونية.
سبب الدعوى الإبراهيمية
ويقول المفكر القبطي، على هذا الأساس، وعلى تلك الأرضية، وجدنا ترامب وزوج ابنته وهو يهودي، هو الذي أبدع ما يسمى بالإبراهيمية عند إعادة العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية في الخليج.
ويتابع المفكر القبطي، الغرض من ذلك القول بأن اليهود أولاد عم المسلمين، وأن إبراهيم أبو الأنبياء كلها، وهذه الدعوة المشبوهة لا علاقة لها، لا بإبراهيم، عليه السلام، ولا بالأديان السماوية.
مخطط صهيوني ضد الأديان
ويقول المفكر القبطي، إن لكل إنسان عقيدته التي يؤمن بها، وإيمان الإنسان بعقيدته لا يرفض حق الآخر في أن يؤمن بعقيدته، وبالتالي فإن الدعوى لما يسمى (الديانة الإبراهيمية)، معناها إسقاط العقائد الخاصة، يهودية، ومسيحية، وإسلامية، لكي تصب في عقيدة واحدة، مظهرها ديني، ومحتواها وهدفها سياسي.
ويضيف المفكر القبطي، جمال أسعد، عندما نرفض هذه العقيدة المزعومة بالإبراهيمية، هذا لا ينفي، ولا يسقط احترام كل دين للدين الآخر، فالعقائد جميعا، والأديان جميعا، في مقاصدها العليا تدعو للحب، والاحترام، والتآلف المتبادل، ولذلك نجد اللقاءات بين شيخ الأزهر والبابا فرانسيس، والبابا تواضروس، ما يؤكد بما لا يقبل الشك، تدعيم الاحترام المتبادل لكل الأديان، واحترام العلاقة الإنسانية التي أرادها الله منذ خلق الإنسان.
المشتركات بين الأديان
يقول الباحث القبطي كمال زاخر، إن هذه الدعوى (الديانة الإبراهيمية)، تأتي ضد المنطق فهناك فروق جوهرية بين الأديان وبعضها، رغم أننا نحاول قراءة المشتركات بين الأديان لكن بالضرورة هناك فروق جوهرية في الأمور العقائدية على الأقل، وبالتالي تكون الدعوة للديانة الإبراهيمية التي تدعو للجمع بين الأديان، ضد المنطق والعقل.
المفكر القبطي كمال زاخر
دعوى شاذة
ويضيف الباحث القبطي، إن المستهدفين من هذه الدعوى التي وصفها بالمبهمة غير المنطقية، هما البسطاء من الناس، تحت شعار أننا كلنا واحد، ولكن هذا الشعار الذين نؤكد عليه جميعًا وندعمه إنما آخر حدوده أن يكون شعارًا اجتماعيًا وليس دينيًا، وبالتالي هناك تخوف من أن يحصل نوع من أنواع عدم استيعاب دقائق الإيمان والمحاور الجوهرية في كل دين بحيث تذوب الملامح الرئيسية للديانات وهو غرض خبيث وماكر.
دعوى مشبوهة
ويؤكد "زاخر" على حديث المفكر جمال أسعد، فيما يخص الهدف من الدعوى للديانة الإبراهيمية التي وصفها الأول بغير المنطقية ووصفها الثاني بالمشبوهة فيقول :" هذه الدعوى ظاهرها ديني وباطنها سياسي وأرجوا ألا ينخدع فيها أحد خاصة البسطاء من الناس".
ذوبان الأديان
ويقول الباحث القبطي، كمال زاخر، إذا كان ما يسمى بالديانة الإبراهيمية، الهدف منه التقارب الإنساني فهذا حاصل بالفعل ومصر خير مثال في الاعتراف بالاختلافات وقبول الآخر والتعايش معه والتأكيد على السلام بين الأديان وهو ما تعكسه لقاءات شيخ الأزهر الشريف باعتبارها أكبر مؤسسة إسلامية في العالم، مع بابا الفاتيكان، قائلًا :" نحن نؤمن بالاختلاف والتقارب الإنساني وهذا ما يحدث في مصر بالفعل لكننا ليس مع ذوبان الأديان في ديانة واحدة".
الشرائع السماوية
من المقرر شرعًا أن الشرائع السماوية تتابعت على مر التاريخ من عهد سيدنا آدم عليه السلام، وخُتمت بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل في سورة المائدة :" لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ".
والشرائع تتابعت في كل جيل، وزمان، ومكان، ومنها ما هو معروف ومنها ما لا نعلمه، لقول الله تعالى في سورة غافر :" مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ".
استقلال الشرائع
وبحسب الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، تتفق كل الشرائع في بعض الأصول العامة، وهي ثلاثة، الإيمان بالله عز وجل، والإيمان باليوم الآخر، والعمل الصالح، لكن في الأحكام العملية كل شريعة مستقلة بذاتها.
الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر
يضيف أستاذ الشريعة الإسلامية، في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، قد تُبقِي شريعة لاحقة، على بعض ما في شريعة سابقة، إلى أن جاء الإسلام وقال الله عن ذلك، في سورة الجاثية :" ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"، وقال جل شأنه، في سورة المائدة :" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا".
وحدة الأديان
والدعوى لوحدة الأديان تحت مسمى (الديانة الإبراهيمية)، يصفها أستاذ الشريعة الإسلامية بأنها دعوة خبيثة، ماكرة، مبعثها مخططات الماسونية، الصهيونية، للسيطرة على العالم بالتدريج، بمعنى أنهم يمهدون لإلغاء الشرائع الكبرى (المسيحية، والإسلام) وصولا إلى هيمنة الشريعة اليهودية وحدها.
مؤامرة ماسونية
وبطبيعة الحال، وبحسب أستاذ الشريعة الإسلامية، اندماج وحدة الأديان جريمة مُحرّمة، مُجرّمة، لأن لكل شريعة مرجعياتها، وأصولها، وأحكامها، وخصائصها، وعلى ضوء ذلك فيجب أن يتطلع المسلمون ومسيحيو أهل الكتاب، إلى خطورة هذه المؤامرة الماسونية في أصلها، والتي تدَّعي "ملة إبراهيم".
ملة إبراهيم
وملة إبراهيم هي إخلاص التوحيد لله عز وجل، بمعنى الدعوة إلى المنهاج العقائدي فقط، في جزئية الإلهيات، فكل الأنبياء، والرسل، عليهم السلام، كانوا يؤمنون، ويدعون إلى توحيد الله عز وجل، وتميز سيدنا إبراهيم الخليل، بإخلاص التوحيد لله (حادثة عدم استغاثته بسيدنا جبريل عليه السلام، حينما أُلقي في النار في العراق، ومقولته لسيدتنا هاجر المصرية، وابنها إسماعيل، عليهما السلام، الله أمرني بهذا، وتركهما في صحراء، جرداء، يقينا بالله عز وجل)، لكن للإسلام قوامه، وأحكامه، ومُحال أن تتداخل الشرائع فيما بينها، قال الله سبحانه وتعالى :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌا".