كوريا الجنوبية واليابان "سمن على عسل"

20-3-2023 | 10:50

أمام تهديدات وجودية جسيمة، تقترب كوريا الجنوبية واليابان من طي صفحات تاريخية مؤسفة، ظلت عالقة في أذهان الأجيال، والتفرغ -بإرادة سياسية ملهمة- لبناء شراكة إستراتيجية، سياسية واقتصادية وثقافية، قائمة على رؤية للمستقبل. 

تلك هي خلاصة المتابعة الدقيقة، لنتائج زيارة رسمية -في غاية الأهمية والأولى منذ 12 عامًا- قام بها الرئيس الكوري الجنوبي، يون صوك-يول، للعاصمة اليابانية، طوكيو الأسبوع الماضي، تنفيذًا لتعهد انتخابي، صعد به إلى سدة الحكم في بلاده.

في مؤتمر صحفي مشترك بطوكيو، قال الرئيس يون صوك-يول: "إن عام 2023 يصادف مرور 25 عامًا على إعلان 1998 المشترك، الذي تبناه الرئيس الكوري الجنوبي، كيم ديه-كونج، ورئيس مجلس الوزراء الياباني الأسبق، كيزو  أوبوتشي، وقتذاك، لمواجهة الماضي وتطوير العلاقات الثنائية على أساس التفاهم والثقة المتبادلة، وسيكون العام الحالي، 2023، خطوة أولى نحو التغلب على التاريخ المؤسف، وفتح حقبة جديدة من التعاون بين كوريا الجنوبية واليابان".

بدوره، قال رئيس مجلس الوزراء الياباني، كيشيدا  فوميئو: "إن حكومته تتمسك بإعلان عام 1998- الذي دعا إلى شراكة جديدة قائمة على رؤية مستقبلية بين كوريا الجنوبية واليابان- وملتزمة بمواقف الحكومات اليابانية السابقة، نفسها، بالنسبة للقضايا التاريخية، وتتطلع إلى تعزيز العلاقات على أساس معاهدة 1965، لتطبيع العلاقات، واستئناف الحوار الأمني، المتوقف منذ 5 سنوات، والتعاون الثلاثي –الذي يشمل الولايات المتحدة الأمريكية- في مواجهة الوضع الأمني المتدهور بالمنطقة، وتحديدًا، التهديدات النووية والصاروخية الكورية الشمالية".

الزعيمان – يون  وكيشيدا- اتفقا على وضع إطار عمل للأمن الاقتصادي، بغية تأمين سلاسل إمداد أشباه الموصلات، والتفوق في الحوسبة الكمية والتقنيات المتقدمة، وتطبيق معاهدة تبادل المعلومات الاستخبارية الثنائية، بما يسهم في تنمية الثقة والصداقة بين البلدين، وإحلال السلام والاستقرار بالمنطقة.

الخطوات المتسارعة نحو تطبيع العلاقات بين سول وطوكيو ترتكز على مبادرة جريئة اتخذها الرئيس يون للتحايل على حكم قضائي يطالب اليابان بتعويض ضحايا العمل القسري إبان الحقبة الاستعمارية، مؤكدًا: "إذا طالبنا من اليابان التعويض، فإن هذا سيعيد المشكلات مع طوكيو إلى ما كانت عليه، وأن الحكومة الكورية الجنوبية تعاملت –حتى الآن- مع قضية تعويض ضحايا العمل القسري باستخدام المالية العامة، بموجب معاهدة 1965، وبالتالي، فقد جرى إقرار خطة تعويضات للضحايا من خلال طرف ثالث، أي من خلال المؤسسات الكورية الجنوبية".

سول تسعى -بجدية حاليًا- لحل إحدى النزاعات طويلة الأمد مع طوكيو، وتتعلق بتعويض الكوريين الذين أجبروا على العمل القسري لصالح الشركات اليابانية، عندما كانت كوريا تحت الحكم الاستعماري الياباني في الفترة من 1910-1945.

تبقى في جعبة النزاعات طويلة الأمد -العالقة بين سول وطوكيو- تطبيق الاتفاق الثنائي لعام 2015 حول قضية الاسترقاق الجنسي للكوريات- نساء الترفيه- إبان الحكم الاستعماري الياباني، وكذلك، النزاع على جزر دوكدو-تاكيشيما، التي تسيطر عليها كوريا الجنوبية، وتدعيها اليابان، في بحر اليابان-الشرقي، فضلا عن الحساسيات الناتجة عن تكريم مسئولين يابانيين لضحايا الحرب بمعبد ياسوكوني بطوكيو المثير للجدل، ويعتقد الكوريون بأنه يضم رفات عدد من مجرمي الحرب.  

مبادرة الرئيس يون الجريئة، وزيارته الرسمية لطوكيو، فتحت عليه "نار جهنم" من جانب المعارضة الداخلية، التي تحظى بأغلبية المقاعد في البرلمان الكوري الجنوبي، وانتقد زعيم الحزب الديمقراطي، لي  جيه-ميونج، قمة يون-كيشيدا ووصفها بأنها "أكثر اللحظات إذلالًا وإهانة وفظاعة في التاريخ السياسي والدبلوماسي لكوريا الجنوبية، وأن الضحايا، والمواطنين الكوريين، رفضوا رسميًا خطة التعويض، غير أن إدارة يون اختارت أن تصبح دمية في يد حكومة اليابان".

من جانبه، دافع حزب سلطة الشعب عن نتائج قمة يون-كيشيدا، ووصفها بأنها تؤتي ثمارها، وقال زعيم الكتلة الحاكمة في البرلمان الكوري، جو هو-يونج: "إن القمة ستعطي فرصًا هائلة للاقتصاد، وأن جدار انعدام الثقة ونقص التواصل بين سول وطوكيو، الذي جرى بناؤه على مر السنين، قد بدأ في الانهيار، وأن الحزب الديمقراطي- المعارض يستخدم المشاعر المعادية لليابان لتحقيق مصالح سياسية، وأن التاريخ سيقيم –بشكل صحيح- قرار يون من أجل الأجيال الكورية المقبلة".

لأن واشنطن هي الحليف الإستراتيجي الأقرب لكل من سول وطوكيو، وتتطلع إلى إنجاز تحالف ثلاثي أوسع بين العواصم الثلاث، إضافة إلى غيرها، في مواجهة التهديدات الأمنية، فقد تعلقت أنظار المراقبين على رد فعلها تجاه قمة يون-كيشيدا. 

منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي للاتصالات الإستراتيجية، جون كيربي، قال: "إن الولايات المتحدة ترحب بفصل جديد في العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان، وسط التهديدات الصاروخية والنووية الخطيرة التي تشكلها كوريا الشمالية، وأن الرئيس بايدن أثنى على إعلان 6 مارس، الذي يهدف إلى معالجة القضايا التاريخية العالقة وتحسين العلاقات بين سول وطوكيو، من أجل دعم رؤيتنا المشتركة بأن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادي أكثر أمنًا وازدهارًا، مع التزام واشنطن الصارم للغاية بالدفاع عن حليفتيها، كوريا الجنوبية واليابان".

كوريا الشمالية استبقت قمة يون-كيشيدا، وأطلقت صاروخها الباليستي هواسونج-17، الذي حلق لمدة 70 دقيقة، وبلغ ارتفاعه الأقصى 6054 كيلو مترًا، وسقط على بعد 200 كيلو متر، غرب جزيرة أووشيما بمحافظة هوكايدو اليابانية، ويعتقد أن مدى الصاروخ يصل لمسافة 15 ألف كيلو متر، كافية لضرب أي جزء من البر الرئيسي للولايات المتحدة. 

في الوقت نفسه، هددت بيونج يانج بأن جيشها -بما يمتلكه من قدرات صاروخية ونووية وبشرية- سيهزم الأعداء، إذا نشبت الحرب، معربة عن امتعاضها وشجبها للمناورات -الجارية ولمدة 11 يومًا- بين جيشي كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.

في العام الماضي، أطلقت كوريا الشمالية 80 صاروخًا باليستيًا، بما فيها 8 عابرة للقارات، وهو أكبر عدد في عام واحد، وفي العام الحالي، 2023، أجرت بيونج يانج عدة جولات من التجارب الصاروخية، بما في ذلك الصاروخ هواسونج-17.

مخاوف سول وطوكيو، الوجودية، لم تعد تتوقف عند حد التهديدات الصاروخية والنووية الكورية الشمالية، بل بدأت تتصاعد تجاه الجارتين: روسيا والصين.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة