على وقع تحديات كبرى تواجه المهنة، تأتي انتخابات نقابة الصحفيين التي تعقد يوم الجمعة المقبل لاختيار نقيب جديد و6 أعضاء إيذانًا بمرحلة جديدة في العمل النقابي الصحفي، وتكتسب انتخابات هذه المرة أهمية كبيرة؛ نظرًا لما تمر به صاحبة الجلالة في مصر من تحديات فرضتها متغيرات كثيرة، منها ما هو محلي وما هو دولي، مما يفرض البحث عن فكر جديد يتعاطى مع التحديات، ويتصدى للمشكلات، ويعلي من قيم مهنة الصحافة، ويستعيد لها هيبتها وقدرتها على حمل مشاعل التنوير، في مجتمع يتوق إلى التقدم والخروج من أزمة اقتصادية فرضتها ظروف عالمية ضربت تداعياتها بلدان العالم أجمع، وفي الصدارة منها قوى عظمى مثل الولايات المتحدة التي شهدت خلال الأيام الماضية انهيار 3 من أكبر البنوك لديها.
وعلى مر التاريخ كان للصحافة المصرية دورها الوطني، الذي عزز قيم وثوابت الدولة المصرية، فكانت سلاحًا للتنمية ومنبرًا للتوعية وحصنًا للحرية وحارسًا للديمقراطية وساحة للاختلاف.. وسندًا للمظلومين ودرعًا ضد المتجاوزين، ومرآةً لقضايا وهموم المواطنين.. نعم في سجل تاريخ الصحافة الوطنية صفحات مضيئة كانت فيها نقابة الصحفيين حصنًا للمهنة ومدافعًا عنها، لكن حين حققت رسالتها السامية كانت تتسلح بوحدة أبنائها وقدرة أهلها على تشكيل نقابة قوية لا تحركها الأيدلوجيات ولا تمزقها المزايدات الكاذبة والبطولات الزائفة، وأعتقد أن التاريخ شاهد على أن نقابة الصحفيين كانت الأقوى حين كان نقيبها يمتلك من القدرة على التواصل مع مؤسسات الدولة لانتزاع حقوق الصحفيين وحل مشكلاتهم.
ولعل نموذج الكاتب الكبيرالراحل إبراهيم نافع خير مثال؛ إذ نجح خلال توليه منصب النقيب عدة دورات في تحقيق العديد من الإنجازات التي لا يختلف عيها اثنان، ابتداء من تجميد قانون 93، وانتهاء بإقامة مبنى جديد للنقابة يليق بأبناء المهنة، ناهيك عن الخدمات والمشروعات الأخرى التي ما زالت شاهدة على إنجازات النقيب الراحل.
وفي تاريخ انتخابات النقابة أيضًا دورات تم إدارتها بفكر أيديولوجي بل وشللي؛ مما أدى لانحراف النقابة عن رسالتها، وانزلاق العمل النقابي بعيدًا عن شئون المهنة وهموم الصحفيين، فلا خدمات تحققت، ولا حقوق استردت.
وهذه المرة هناك محاولات بائسة وتحركات يائسة مرجعيتها تيار سياسي لا يملك ما يمكن أن يعطيه لأبناء المهنة سوى اختطاف النقابة والجنوح بها إلى خندق هذه الأيديولوجيات الزائفة، التي لا تخدم الصحفيين ولا تحقق طموحات جيل جديد منهم يبحث عن مكان لائق في بلاط صاحبة الجلالة.
العمل النقابي الصحفي لا تحققه شعارات خرقاء ولا وعود جوفاء؛ بل يحققه من يمتلك القدرة والخبرة النقابية في إدارة حوار بناء مع مؤسسات الدولة، ومن يمتلك الإرادة في خدمة الجماعة الصحفية، ومن لديه القدرة على النهوض بقضايا المهنة، ووضع الحلول البناءة لتحديات ومشكلات تتطلب خططًا مدروسة ترفع من شأن المهنة وترسخ دورها الوطني في دعم الدولة المصرية التي تخوض معركة تنموية غير مسبوقة.
الأمانة تقتضي من كل صحفي ينتمي إلى هذه المهنة الاختيار بين المرشحين على أسس ومعايير موضوعية تأخذ في الاعتبار محددات ومتطلبات العمل النقابي، وحاجة الجماعة الصحفية إلى نقيب ومجلس لا تحركه دوافع سياسية أيديولوجية ونوازع شخصية زائفة.
يقينا فإن أصحاب هذه المهنة السامية هم الأقدرعلى الاختيار الحر، القائم على المعايير الموضوعية، بعيدًا عن أي حسابات ضيقة تهدد مستقبل المهنة، وتشل حركة النقابة في القيام بدورها في خدمة الصحفيين وحل مشكلات مزمنة، تحتاج إلى دعم قوي وإرادة أشد لحلها، وفي مقدمتها زيادة دخول الصحفيين في ظل أزمة اقتصادية تؤرق حملة القلم.