تجاوزت عقد النقص في الولايات المتحدة حدود اللامعقول، بل قل إن عقدة النقص أصابت الغرب بصفة عامة، وكل متطرفي العقيدة والجنس أو العرق تتملكهم تلك العقدة، وتظهر بوجهها القبيح في تعاملات الأشخاص العنصريين، ودفع جنون العنصرية أصحاب شركات عقارية بأمريكا بتسعير عقارات المواطنين السود بنصف ثمنها، أو إجبارهم على بيعها بثمن بخس.
وتحكي أسرة من السود تقيم بولاية سان فرانسيسكو أنهم طلبوا مثمن عقاري لتقييم منزلهم، وقدره بـ 550 ألف دولار، ويعد أقل بكثير من ثمنه الحقيقي، وفكرت الأسرة في حيلة، واستدعوا امرأة بيضاء صديقة لهم، تظاهرت أنها مالكة المنزل، وطلبت مثمن عقاري آخر، وأزال الزوجان السود أي أثر يدل عليهما في المنزل، وقدر المثمن الأبيض الجديد سعر المنزل بمليون ونصف دولار، وتعرف هذه العملية باسم "الغسيل الأبيض"، ورفعت الأسرة قضية ضد المثمن العقاري الأول وتقديره المجحف لمنزلهم.
وعقدة النقص لا تفارق الشخص العنصري، وتسيطر عليه النظرة الدونية نحو الآخرين، والعنصرية داء كل نرجسي، ولا يقتصر وجودهم في الغرب، إنما يعيشون أيضًا بيننا، ويعرفون بسيماهم، ويرددون عبارات مثل: "متعرفش أنا مين"، "وما فضلش إلا انت"، "إنت مجنون تكلم سيدك كده" وغيرها كثير، ولا يفارق أقوالهم لفظ أنا، وقد يصل بهم الأمر ويتعدى بيديه على من يعارضه، حين تبلغ نزعته الفوقية ذروتها بداخله.
وتكمن المشكلة إذا أصاب الآخر الشعور باليأس، بعدما انهارت مقاومته أمام هاجسه الإحساس بالدونية، وترى النرجسيين كالثور الهائج، لا يحترمون مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية، وتتجلى كذلك داخل المجتمع الواحد، وأبرز مثال على ذلك المجتمع الإسرائيلي وانقسامه إلى عدة طبقات، بينها فجوات ظالمة في الحقوق، ويسيطر اليهود "الأشكناز ذوي الأصل أوروبي على مقاليد الحكم منذ تأسيس دولتهم، واليهود السود أو ما يسمون بيهود "الفلاشا"، يعانون من تمييز قاسٍ في جميع مناحي الحياة؛ سواء في التعليم والصحة والعمل، والدونية هي النظرة الغالبة تجاههم.
وهنا تكمن خطورة العنصرية ونظرتها النرجسية على تماسك نسيج المجتمع، وخاصة في المجتمعات التي تتمتع بوحدة الهدف والعقيدة، ويربطها ثقافة متجانسة، وأمام ظهور براعم الطبقية وليدة بذور النرجسية يتمزق هذا النسيج، وينقسم على نفسه من أهون الأسباب، ويعلو دور المال كلاعب أساسي في الانقسام بين فئاته، وتتضخم النظرة الفوقية في نفوس مجموعة لا بأس بها من أثريائه، وتتغلب عليهم عقدة النقص خلال معاملتهم مع الفقراء أو منهم دونهم.
ويرفض المتعالون فكرة أن المجتمع يمثل سلسلة من الحلقات، إذا فرط عقدها وتخلت فئة من المجتمع عن أداء وظيفتها تعثر تقدمه، وأقرب مثال على ذلك تراكم القمامة في شوارع فرنسا، بسبب إضراب عمال النظافة عن العمل، اعتراضًا منهم على قانون المعاشات، وستكون نفس النتيجة إذا استبدلنا تعديل القانون باستعلاء واستقواء بعض الأثرياء على عمال النظافة، وتتحول عقدة النقص إلى كارثة حين تؤثر على عقلية أفراد من بسطاء المجتمع، وتكون أسلوبًا لمعاملتهم مع زملائهم أو جيرانهم، وللأسف صارت أشبه بتقليد خبيث يتكرر كثيرًا داخل المنظومة الاجتماعية.
ومن ظواهر نظرة عقدة النقص النظر إلى المطلقات بدونية، ولا يخلو مجتمع من عنصريته تجاه المطلقات، وكما أسلفنا في مقال سابق عن النظرة الدونية للمرأة بشكل عام، والمرأة في المجتمعات الغربية التي تتشدق بالمساواة، تتعرض للإهانة والضرب وأحيانًا للقتل على يد الزوج، وتتقاضى غالبًا راتبًا أقل من الرجل، ونتج عن عنصرية الرجل الغربي نحو المرأة آثارًا سلبية، كان أهمها عزوف الشباب عن الزواج، مما أصاب مجتمعاتهم بالشيخوخة وعجز في المواليد.
وعالم النفس النمساوي "الفريد أدلر" يشخص صاحب عقد النقص، أنه يصارع أفراد مجتمعه ليضع نفسه في المقدمة، شعورًا منه أنه متميز ومتفوق عن الجميع، وفي سبيل يكذب، ويرسل معلومات خاطئة عن أسباب تفوقه، ويستطرد الباحث أدلر قائلا: إن عقدة النقص محاولة من النرجسي لمواساة نفسه وتعزيتها، وتلازم النرجسي عقدة النقص لعدم شعوره بالأمان، ويتفق خبراء علم النفس على أن الإنسان العنصري يتملكه الخوف من الآخرين، ويعاني من متلازمة "رهاب الأجانب".
KHUISSEN[email protected]