..مع بدء العد التنازلي لأول أيام شهر رمضان الكريم، أفضل الشهور وأعظمها، تفرض إحدى الظواهر السيئة نفسها بقوة على مجتمعاتنا إذ نجد مشاهد صارخة للهدر الغذائي الذي أصبح عادة عربية أصيلة أعادها الخبراء إلى أن المناسبات باختلاف أنواعها ترتبط لدى الكثير من الناس بالغذاء فيما انتقدها البعض، لافتين إلى قول الله تعالى: "كلوا واشربوا ولا تسرفوا"، أما الأرقام فقالت إن شهر رمضان رغم كونه شهر عبادة إلا أن الزيادة الاستهلاكية للغذاء فيه تتضاعف بقيمة نحو 100 مليار جنيه، فيما تصل قيمة الاستهلاك الغذائي في الأشهر العادية نحو 55 مليار جنيه.
موضوعات مقترحة
نصائح الترشيد في رمضان
وينصح الخبراء بجعل شهر رمضان الكريم، بداية لتغيير ثقافة الاستهلاك الغذائي، والاقتصاد والتدبير المنزلي، واعتماد أصناف الطعام حسب قيمتها الغذائية وكذلك حسب أسعارها لضمان تقديم وجبة غذائية صحية تحتوي على الفيتامينات والمعادن اللازمة للجسم وفي الوقت نفسه تكون اقتصادية في التكلفة، ليس فقط لمواجهة الظروف الاقتصادية العالمية التي فرضت نفسها على الدول، وإنما أيضًا ليكون ذلك أسلوب حياة يهدف إلى التغذية الصحية ذات التكلفة البسيطة.
وعلى سبيل المثال، يشهد شهر رمضان، استهلاك زيادة في الدواجن بنسبة 45% ، وقدر جهاز تنمية التجارة الداخلية التابع لوزارة التموين المصرية قيمة استهلاك السلع الغذائية خلال الشهر الفضيل بنحو 100 مليار جنيه (6.4 مليار دولار)، وتأتي هذه الزيادة الاستهلاكية ضعفًا للاستهلاك في الأشهر العادية الذي قُدّر بنحو 55 مليار جنيه (3.51 مليار دولار).
استهلاك شهر
ووفقا لبحوث وبيانات الدخل والإنفاق للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري، فإن أكثر من 85% من المصريين يغيرون عاداتهم الغذائية في الشهر الفضيل، ويرتفع حجم الاستهلاك بنسبة تقترب من 150% في رمضان، أي يعادل حجم استهلاك 3 أشهر بالسنة.
يقول نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام، يبدأ المزارعون الاستعداد لشهر رمضان بالتركيز على زيادة إنتاج الخضروات والحبوب التي يستهلكها المصريون في هذا الشهر بكميات أكثر، نظرا لارتباط شهر رمضان بكثرة العزائم واللقاءات بين العائلة والأصدقاء.
ويزداد خلال شهر رمضان استهلاك معظم السلع الغذائية في مقدمتها اللحوم الحمراء بكل أنواعها، والدجاج والحبوب بكافة أنواعها، مثل الفول البلدي والعدس والفاصوليا والأرز.
وإضافة إلى ذلك، فإن الغالبية يطيلون السهر خلال شهر رمضان، وأثناء السهر يمدون أنفسهم بمزيد من الطعام استعدادا لإشباع أنفسهم جيدًا قبل بدء موعد الصيام حتى لا يشعروا بالجوع وهو ما يجعل الاستهلاك الغذائي في هذا الشهر أكثر من غيره.
مشاركة الخير
وينصح نقيب الفلاحين، بترشيد الاستهلاك الغذائي ليس فقط للتوفير في التكلفة بالنسبة لرب الأسرة وإنما أيضًا لمنع إهدار ما يتبقى من موائد الطعام التي لفت إلى أن الظروف الاقتصادية العالمية التي فرضت نفسها على دول العالم ضربت باقتصاد طبقات باتت متعففة عن سؤال الغير تدبير حاجتها من الطعام، قائلًا :" علينا الاقتصاد في تحضير الوجبات وجعلها متناسبة مع أفراد الأسرة وبدلًا من إهدار كميات زائدة يمكن مساندة الغير بهذه الكميات، على سبيل الهدية والمشاركة".
يقول الدكتور بهاء ناجي، استشاري التغذية، يمكننا البدء بشهر رمضان، لتغيير ثقافة الاستهلاك الغذائي، وعاداتنا الغذائية، وهذا سيبدأ من الآن، حيث التسوق لتحضر منتجات الشهر الكريم.
علينا أثناء هذا التسوق التحضيري لشهر رمضان، عد أفراد الأسرة، وتوفير السلع الغذائية بناء على عدد الأفراد، وعلى سبيل المثال، عند إحضار الأرز فإن كل فرد يحتاج كمية بعينها وعلينا احتساب هذه الكمية بدلًا من ملء الطنجرة عن آخرها، وذهاب الفائض منها بعد نهاية اليوم إلى سلة الفضلات.
ويمكن اعتماد هذه الطريقة عند توفير البروتينات سواء الدجاج أو اللحوم، علينا تجهيز الوجبة حسب الكميات المحدودة لكل فرد دون زيادة أو إفراط، ولأن وجبات شهر رمضان لا تخلو من الحاجة إلى وجود بروتين على مائدة الطعام فيمكننا خلط البروتينات بعناصر أخرى مثل الخضروات المختلفة حتى تضيف قيمة غذائية أكبر للوجبة فضلا عن تزويد حجم الوجبة وتقليل حجم كمية البروتين المستخدمة.
على سبيل المثال، يمكن عمل الدجاج، بطريقة الشيش طاووق، بتقطيع الدجاجة إلى قطع صغيرة وتحديد حصة كل فرد من أفراد الأسرة، والإكثار من الخضروات والبصل ويمكن إضافة عش الغراب مع الفلفل الألوان مما يعطي كثافة للوجبة وزيادة أكبر لقيمتها الغذائية.
وعند شراء الخضروات يمكن الابتعاد عن الأنواع الجديدة لارتفاع سعرها أو الأنواع الموجودة بندرة لارتفاع سعرها أيضًا، على أن يكون اختيار الخضروات حسب السعر المناسب وعلى سبيل المثال، يمكن انتقاء الكوسة نظرًا لسعرها المناسب، وطبخها مع الخضروات أو حشوها بقليل من الأرز ممزوجًا بالحشو الأصلى الذي تم تفريغه، وهو ما يقلل من كمية الأرز المستخدمة، فيما إذا كان هناك من يعاني مشاكل في المعدة، فيمكنه تناول الكوسة مسلوقة.
وبالنسبة للنشويات، على سبيل المثال يحتاج الفرد من 5 إلى 6 ملاعق أرز، وإذا كانت الأسرة مكونة من 4 أفراد، فإنها تحتاج إلى كوب من الأرز، وإذا كان الخضار المطبوخ مثلا بطاطس، فإن الفرد يحتاج إلى حوالي ربع كيلو من البطاطس، أي أن الأسرة المكونة من 4 أفراد تحتاج كيلو من البطاطس، ويفضّل تسوية البطاطس بالفرن مع إضافة البصل والخضار لزيادة كمية الوجبة بدلًا من تحميرها وتقليل حجمها مع استهلاك كميات كبيرة من الزيت.
ويمكن اعتماد طريقة الطهي بواسطة الفرن، لكثير من الوجبات، مثل اللحوم والدجاج والأسماك، وغيرها، بدلًا من طريقة التحمير التي تستهلك كميات زيت كثيرة، وذلك للتوفير لربة المنزل.
وبالنسبة للحلويات، على سبيل المثال، يمكن اعتماد الفول السوداني كبديل للمكسرات لأنه يعطي نفس القيمة الغذائية، إضافة إلى انخفاض سعره عن سعر المكسرات، ويمكن إضافة الزبيب معه.
وعلى سبيل المثال، يمكن إضافة الفول السوداني مع الزبيب للكنافة، فتكون حينها تكلفتها أقل بكثير مما لو أضافت ربة المنزل المكسرات، كما يمكن تجهيز البقلاوة بالكريمة بدلًا من المكسرات أيضًا .
ويمكن لربة المنزل أن تصنع حلويات حلوة المذاق وبسيطة التكلفة مثل الأرز باللبن، والمهلبية، والجيلي، وجميعها لا تستهلك كميات كبيرة من السكر، كما أنها لا تحتاج إلى المكسرات ويمكن تزيينها بالفول السوداني.
أما عن الفواكه، خاصة أن شهر رمضان يأتي هذا العام في مناخ دافئ، وليس شتويًا، فالفواكه لها دور كبديل للحلويات، وترطيب المعدة أثناء الصيام، مثل الفراولة والكنتالوب والبرتقال واليوسفي، وجميعها أسعارها مناسبة.
وعن وجبة السحور، والتي تشتهر بالفول المدمس، ينصح استشاري التغذية ربة المنزل، بتدميسه في المنزل، وإضافة كمية من العدس في أثناء التدميس مما يعطي قيمة غذائية أكبر، ويزيد من الكمية ويقلل من التكلفة، لأنه من الوجبات المستمرة يوميًا خلال شهر رمضان.
ويمكن لربة المنزل اعتماد هذه الطريقة الاقتصادية في كل الوجبات قبل تحضيرها، في كل الأوقات وليس في شهر رمضان فقط، فكل ما عليها هو تحديد نوع الوجبة حسب سعر السلعة وإضافة الخضروات المختلفة مع التوابل واعتماد الأنواع التي تمد الجسم بالمعادن والفيتامينات المطلوبة.
التوسط في كل شيء، سلوك محمود، لقول الله تعالى :" وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"، ولقول النبي (صلى الله عليه وسلم)، (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) رواه الترمذي.
ومن المأثور، بحسب حديث الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، لـ"بوابة الأهرام"، أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، ما شبع هو وأهله من طعام قط ليكون قدوة لأمته، والصدر الأول من المسلمين عاشوا على الكفاف والقناعة والرضا، لأنهم كانوا يدركون المعنى من قول الله تعالى: "لتسألن يومئذ عن النعيم".
يقول أستاذ الشريعة الإسلامية، إن الإنسان سيُسأل عن إنفاقه، هل تجاوز حدود المسموح به؟ أم أنه دخل فيمن حذرنا الله منهم في قوله تعالى: "ولا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إنَّ المُبَذِّرِينَ كانُوا إخْوانَ الشَّياطِينِ وكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا".
وينبّه وينوّه أستاذ الشريعة الإسلامية، على أن من شكر الله على نعمائه، عدم إهدار النعم إسرافًا، وتبذيرًا، ففي الحياة المعيشية من المفترض أن الإنسان لا يكون نهمًا، بل يتوسط في طعامه، ويبتعد عن التخمة، وعن إهدار الأطعمة والأشربة، إلا أنه للأسف، يُلاحظ أن كثيرًا من موائد وولائم الأسر في المنطقة العربية، على وجه الخصوص، الفائض منها شيئًا يدعو إلى الغرابة، يكاد يكفي أسر لأيام متتالية، لكن للأسف إما إن يلقى في القمامة وإما أنه يذهب إلى ما نهى الله عنه.
وعلى ضوء ذلك، يناشد أستاذ الشريعة الإسلامية، المسلمين قائلًا، لا تظلموا شهر رمضان معكم لأنه يعلمنا العقلانية والموضوعية والواقعية، يعلمنا الصيام أننا نكون أشبه بالملائكة، يعلمنا الاعتدال، وهذه الأموال التي تذهب إلى هذه الولائم، والمآدب، محل سؤال في يوم الحساب، لافتًا إلى قول النبي (صلى الله عليه وسلم)، لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ "، وهذه دعوة إلى ترشد الإنفاق، وما أجمل ما قاله المولى عز وجل:" وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ".
مائدة طعام
مائدة طعام
مائدة طعام