لاشك أنه اختيار في محله..
جاءت زيارة الرئيس السيسي مدينة المنيا الجديدة دليلاً على ما لمحافظة المنيا من مكانة لدى القيادة.. فزيارات الرئيس خارجياً وداخلياً محسوبة، ووقته ثمين.. ولاشك أن اختيار المنيا أو البدء بها له أسباب..
لماذا المنيا؟
بعيداً عن كونها مسقط رأسي ووطنى الأول الذى أحمله فى قلبي أينما ذهبت.. فإنها لم تُدعى عروس الصعيد سُدى..
بدايةً من موقعها الفريد المتوسط بين شمال مصر وجنوبها، وانشطارها بين ضفتى النيل بحيث يستمتع أهلها بأكبر مساحة من النهر الخالد. ومروراً بما تغص به من مآذن وأديرة وآثار فرعونية وإسلامية ويونانية وقبطية ورومانية بالعشرات.. وانتهاءً بأهلها الذين سطروا تاريخاً مشرفاً من مقاومة الإنجليز حتى إن عيد المنيا القومي في 18 مارس جاء بسبب تصدى أهالي ملوي ودير مواس لقطار حمل جنوداً إنجليزًا أثناء ثورة 1919 فأبادوهم وقتلوا قائد الحملة!
أهل المنيا جادون كادحون طامحون لكل ما هو أفضل، لا يعرفون الكسل ولا الاستكانة.. لهذا ترى كثيراً منهم اشتهروا كقادة ووزراء وأدباء ومفكرين ورياضيين، كما تمتعت المحافظة بعدد كبير من المصانع تنوعت بين صناعات الأغذية والزيوت والأسمنت والسكر وغيرها كثير.. هذا وتميزت المنيا بريادتها في مجال زراعة القطن والموز والقمح والبطاطس والذرة وقصب السكر..
أما عن إمكانياتها السياحية الكامنة فحدث ولا حرج، ولا أشك أنها ستتحول يوماً إلى مزار عالمي كالأقصر لو أحسن استغلالها.. وتعال أخبرك شيئاً مما لدى المنيا من آثار وأسرار..
قد تندهش من كمية الآثار الإسلامية والأديرة التراثية فى المنيا ناهيك عما بها من آثار أخرى.. المحافظة كانت في القديم تُدعى منيا الفولي نسبةً إلى العارف بالله أحمد الفولي الذي اختارها مقامًا له.. الصحابي عبادة بن الصامت أحد القادة الذين فتحوا مصر بجيش عمرو بن العاص له مسجد يزدان باسمه في المنيا.. بخلاف مسجد العمراوى ومسجد اللمطى واليوسفي وكلهم من مساجد العصر الفاطمي ومسجد الوداع أقدم مساجد المنيا والذي تم تجديده فى العصر المملوكي، والمسجد العتيق بسمالوط، ومسجد القايات بالعدوة.
أما عن الكنائس والأديرة فهناك دير السيدة العذراء وهو من مواقع مسار العائلة المقدسة وبه كنيسة يرجع تاريخها للقرن الرابع الميلادى، ويأتيها زائروها من كل مكان بمصر، وكذلك هو عمر كنيسة الأنبا بيشوي بدير البرشا. إلى جانب دير أبو فانا ودير الأنبا صموئيل..
أما الحديث عما يملأ أرجاء المنيا ومراكزها من آثار فرعونية وقبطية ورومانية.. فهذا حديث يطول وقد يأتي أوانه..
المنيا الجديدة..المدينة المدهشة
ليست هي المدينة الجديدة الوحيدة.. فهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة شيدت وتشيد عشرات المدن منذ عام 1977 وحتى اليوم، حتى إنها صارت تنقسم لأجيال ومراحل منذ جيل المدن الأول 15 مايو والسادات والسادس من أكتوبر والعاشر من رمضان.. أما المنيا الجديدة فتعتبر من مدن الجيل الثانى التى بدأ العمل بها منذ عام 1982 بشكل مستمر حتى اليوم.
المدهش فى مدينة المنيا الجديدة التي بدأ إنشاؤها عام 1991 بقرار من مجلس الوزراء عام 1986 أنها مقامة على هضبة مرتفعة، وأنها مقامة على مساحة ضخمة تزيد على ثلاثين ألف فدان..
لهذا السبب تم تقسيم المنيا الجديدة كالمنتجعات.. فبالإضافة للأحياء السكنية التي يبلغ عددها 8 منتجعات فهي تحفل بعدد من المناطق الخدمية والتعليمية والجامعية، بالإضافة لمنطقة سياحية وأخرى حرفية ناهيك عن المساحات الخضراء والمناطق الترفيهية المتعددة، وهو ما جذب عدداً كبيراً من السكان نحوها رغم ما يتميز به المصريون من تشبثهم بمكان نشأتهم. هكذا وصل عدد قاطني المنيا الجديدة حتى اليوم ما يزيد على 77 ألف نسمة وهو قليل بالمقارنة بمساحتها وإمكاناتها..
امتازت المنيا الجديدة بشبكة طرق طويلة ممتدة بلغت حوالي 250 كم، يربط المدينة بمحاور ثلاثة رئيسية: محور الصعيد ومحور المنيا ومحور يربطها بالمدينة الصناعية، ومياه الشرب حظيت بمشروعات متعددة بالمدينة الجديدة الفريدة.. فبالإضافة للخزانات العملاقة التي يبلغ عددها 8 خزانات، تم تنفيذ محطات آبار ارتوازية ومحطة تحلية إلى جانب شبكة رى للمسطحات الخضراء حتى بلغ طول شبكات المياه بالمدينة الجديدة ما يقترب من 3 ملايين كم!
الحقيقة أن المدن العمرانية الجديدة بمختلف محافظات مصر أصبحت متنفساً رائعاً وفرصة حقيقية لمن يريد الخروج من دوائر الزحام، ولو فكرتُ يوماً فى الانتقال إلى إحداها فلن أجد أفضل من المنيا الجديدة.
ملايين أنفقت.. وإنجازات تحققت
لقد شهدت محافظة المنيا تطورًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، حتى أصبحت مقصداً متميزًا وسط إقليم شمال الصعيد للمستثمرين والأهالي، حدث هذا فى أعقاب تطوير المناطق الأثرية والخدمية، وإقامة المحاور على نهر النيل، ورفع كفاءة شبكة الطرق، والتوسع فى الاستصلاح الزراعى بشكل لافت.
لو حدثتك عن بعض ما حدث من مشروعات ومنجزات خلال السنوات القليلة الماضية ربما تساءلت متى وكيف حدث كل هذا؟ ولماذا لم نشعر به ولم نره قبل ذلك؟!
بل لو أنني تكلمت عن التنمية التى حدثت فى قطاعات بعينها من قطاعات التنمية لكفاني هذا.. قطاع الصحة مثلاً .. لقد شهد نقلة نوعية كبيرة من خلال افتتاح عدد من المشروعات القومية الكبرى، حيث تم افتتاح 3 مستشفيات، وهي مستشفى سمالوط التخصصي، والمقام على مساحة 9630 مترًا مربعًا، وكذلك مستشفى ملوى التخصصي على مساحة 28.9 ألف متر مربع، ويتكون من 151 سريرًا، إلى جانب مستشفى دير مواس المركزي.
هناك طرق حرة أقيمت.. ويعد محور الفريق صفي الدين أبوشناف، (سمالوط سابقا)، من أهم الطرق الحرة التي تم إنجازها مؤخرًا في المحافظة، حيث يربط شرق وغرب المحافظة، ويفتح آفاقاً جديدة للتنمية وإنشاء مجتمعات عمرانية وزراعية وصناعية جديدة، ويبلغ طوله 24 كيلومتراً وعرضه 21 متراً، ويضم حارتين بكل اتجاه، و47 عملًا صناعيًا و30 كوبرى و17 نفقا، كما يبلغ إجمالى تكلفة المشروع مليارا و872 مليون جنيه، وهو كذلك، أحد المحاور التنموية حيث يربط الطريق الصحراوي الشرقي بالزراعي والصحراوي غرباً، عابراً نهر النيل.
مبادرة حياة كريمة كان لها نصيب الأسد بمحافظة المنيا.. إذ تم تنفيذ مشروعات فى 19 قطاعًا خدميًا داخل 5 مراكز، شملت (العدوة ـ مغاغة ـ أبوقرقاص ـ ملوى ـ دير مواس) بإجمالى 192 قرية و757 تابعًا، ويبلغ عدد السكان المستفيدين من تلك المبادرة بالمراكز الـ5، 3 ملايين نسمة بإجمالى تكلفة تصل إلى 30 مليار جنيه بعدة قطاعات.
قليل من كثير.. والأجمل لم يأتِ بعد..
مدينة المنيا الجديدة بدأ العمل بها منذ ثلاثين عاماً وهى ما زالت تتمدد وتكبر وتنمو طولاً وعرضاً.. الدولة وضعت لبنات التنمية، فأين رجال الأعمال والمستثمرون ليرفعوا البنيان ويضاعفوا ثمار التنمية بهذه المدينة الواعدة؟
أكاد أجزم أن لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي الأخيرة دلالات كامنة وأهمها دفع رجال الأعمال للوقوف جنباً إلى جنب وراء الدولة فيما تنجزه من أعمال ومشروعات هنا وهناك. لابد للمستثمرين أن يسيروا خلف ركب التنمية القدم حذو القدم.
ما حدث فى المنيا الجديدة مجرد بداية.. وما تطمح له القيادة السياسية أكثر من هذا بكثير.. لأن ما تم هو مجرد مقدمات، أما النهضة الحقيقية فى المنيا كجزء عزيز وغالٍ من أرض مصر لم تتم بعد، ورجال الأعمال لهم دور.. وفي ظني أن أهم ما يمكن تطويره في المنيا آثارها .. لكن لهذا حديث آخر..
[email protected]