الأسبوع الماضي، وصلتني دعوة من "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار" بمجلس الوزراء، للمشاركة في جلسة نقاشية لإعداد ورقة عمل تقترح سيناريوهات حول "تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة"، بمشاركة 20 من العلماء والخبراء شيوخًا وشبابًا من كافة القطاعات، بهدف رصد وتحليل الواقع الراهن، في ضوء المتغيرات في كافة المجالات، وتحديد أولويات المشكلات الرئيسية، للوصول إلى صياغة حلول لها قابلة للتنفيذ.
الجلسة، هي الثامنة، ضمن سلسلة نقاشات مجموعات التركيز "Focus Groups"، في القطاعات المهمة والحيوية مثل الصناعة، والزراعة، وأمن الطاقة، ونظيره في الماء والغذاء، وكذلك في السياحة، والاتصالات، والسياسة الخارجية، والحوكمة، والسياسة النقدية والإصلاحات الهيكلية، وغلاء المعيشة، وغيرها، بواقع 20 جلسة عمل تضم 400 من صفوة الخبراء والعلماء والمتخصصين، على مدار شهري فبراير ومارس 2023.
الأمر المتوقع والتقليدي أن الدعوة رسمية من الحكومة، إذن فهناك محددات وأطر لابد من اتباعها في المناقشة والحديث والعرض، حيث المؤسسة الرسمية، بطبيعة الحال، تفضل أن تسمع كل ما هو إيجابي يعكس جهودها ونتائج عملها، ولا مجال للأحاديث والكلمات والعبارات السلبية والمحبطة، إلا أن ما حدث لم يكن متوقعًا بالنسبة لي وللكثيرين من المشاركين، وألخصها في ملاحظات على هامش اللقاء، أرى أنها فائقة الأهمية، باعتبارها مدخلًا ومعبرًا عن مخرجات هذا اللقاء ونتائجه.
في بداية الجلسة جاءت النقاط والملاحظات كالتالي:
- طالب محمد عبدالمقصود، رئيس "قطاع إدارة الأزمات والكوارث والحد من المخاطر" بمجلس الوزراء، والذي أدار الجلسة، بألا تكون هناك حواجز أو حدود للموضوعات المطروحة، فكل القضايا تحت عنوان الجلسة، مطروحة للبحث والحوار، وبرغبة صادقة منه، طالب المشاركين بالحديث بصراحة ودون تردد، فلا يوجد سقف للمناقشات البناءة، وطرح كافة القضايا بلا استثناء.
- قبل هذه الكلمات المشجعة والبداية المتفائلة، فقد استرشد الرجل منذ البداية، برؤية الدكتور حسين محمد أباظة والمستشار الدولي للتنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، للمساهمة في تصور أولويات القضايا ومحاور النقاش، وهو اختيار أجمع الحاضرون على أهمية توقعاته وخياراته.
- عند وضع د. أباظة للحلول والبرامج والمبادرات، مستعرضًا ومحددًا للمشكلات، وحلولها، إلا أنه نبه وشدد على أن الطريق لتنفيذ هذه المقترحات، واستدامة نجاحها، تبدأ، ولا تنتهي، إلا بكشف الفساد ومواجهة منابعه.
- اكتظت الجلسة برؤى صريحة وجريئة للوصول إلى تنمية مستدامة لوضع أسس لاقتصاد وطني سليم، بحثًا عن آفاق محلية تتفاعل وتتواءم مع أزمات عالمية وكوارث مناخية، فلم تتجاهل المناقشات ضرورة إزالة معوقات التنمية المستدامة، وأهمها ارتفاع نسب الدين العام، وزيادة حجم القروض، وهو ما يتعارض ويعوق الوصول إلى التنمية المستدامة، التي هي عنوان للجلسة.
- مؤشرات كاشفة عن تواضع الأداء في العديد من القضايا مقارنة بمؤشرات دولية، عرضتها دراسات وبحوث مشجعة، لم تكن متوقعة من مؤسسة رسمية، كشفت عنها الدكتورة هبه عبدالمنعم في تقرير حول "آفاق النمو الاقتصادي العالمي"، كاشفًا معدلات نمو محليًا وعالميًا، فضلا عن عرض تقديمي للباحثة بالمركز آية بدر، فقد كان عرضًا مهمًا عن مدى تراجع الأداء، وهو أولى الخطوات للحلول والإصلاح.
- كان هناك اقتراح بتجاهل المعوقات التقليدية، مثل جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، وزيادة أسعار الفائدة، وفوضى أسعار المنتجات الزراعية، وضرورة الاعتماد على ذاتنا ومواردنا البشرية والخامات المحلية وما أكثرها، في تحسين المناخ والبيئة المصرية المحفزة للإنتاج، وما أكثر هذه الموارد وأغناها وهم البشر ثم البشر ثم البشر.
- تتزايد أهمية التركيز على الداخل وتطوير مواردنا البشرية والطبيعية الذاتية، بعد أن كشف مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أكيم شتاينر، منذ يومين فقط، عن فشل الدول المتقدمة في الوفاء بالتزامها منذ 10 سنوات بدفع 100 مليار دولار في شكل تمويل سنوي للمناخ للدول النامية، ووصف هذا الفشل بالمهزلة، موضحًا أن الدول الغنية، التي تتحمل أكبر قدر من المسئولية عن ظاهرة الاحتباس الحراري، لم تفِ بعد بتعهد عام 2009 بتقديم 100 مليار دولار سنويًا لمساعدة الدول النامية على التعامل مع عواقب ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وأضاف: "أقول هذا بكل صدق، أن العديد من البلدان يجب أن تسأل نفسها ما إذا كان هذا قد يكون أحد أكثر الأخطاء المأساوية في التاريخ، إنه بعد 10 سنوات من تقديم مثل هذا الوعد، لم يتم الوفاء بالتزام 100 مليار دولار بعد"..
وهذا يعزز اقتراحًا بأنه لا مجال ولا مخرج سوى الاعتماد على الذات في بلدنا الغنية، البشر والشجر والحجر، أي مواردنا البشرية والطبيعية، وبجانبنا وحولنا قارتنا الإفريقية الخضراء.. ولها مبادرة وحديث قادم، بإذن الله.
- بعد حوار الجلسة الثامنة، وعنوانها حول "التنمية المستدامة"، بمجلس الوزراء، لن نردد ما قاله الشاعر أبو فراس الحمداني بالأمس: "وكل ما فوق التراب تراب"..، لكننا نقول اليوم: "وكل ما فوق تراب مصر كنوز"..
[email protected]