نتائج تفوق التصورات يكشف عنها الطب النفسي جراء العنف الأسري، فالآثار لا تمتد لأيام ولا حتى شهور وإنما قد تمتد طوال عمر الطفل وتتبدل مع كل مرحلة عمرية، لتصنع منبعا مستمرا للمشكلات الاجتماعية والنفسية التي لا تقتصر على الضحية ولكن تمتد للمجتمع بأكمله، مما ينذر بخطر كبير يدعو لوضع حلول عاجلة لوقف هذه الظاهرة الخطيرة بشكل فوري.
موضوعات مقترحة
الخطير أن العنف ليس شرطا أن يكون موجها للطفل بشكل مباشر وإنما يكفي أن يشاهده الطفل داخل المنزل خاصة الموجه من الأب للأم أو العكس.
تأثير العنف الأسري على الأطفال
يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية العسكرية، إن العنف المنزلي سواء الجسدي أو العاطفي أو حتى اللفظي ينعكس على الأطفال، وليس بالضرورة أن يكون الطفل هو الضحية المباشرة لهذا العنف، ولكن يمكن أن يشاهد أحد أفراد الأسرة الآخرين يتعرض لهذا العنف، وأشهر هذه المشاهد هو ضرب الرجل لزوجته، أو إهانتها أمام الأطفال.
الدكتور جمال فرويز
ويضيف أن العنف بين الآباء له تبعات خطيرة على الأطفال، مثل الشعور بالقلق الشديد، أو التبول الليلي، وصعوبة في النوم مصحوبا بالكوابيس، وقد يتحول الأمر إلى نوبات غضب أو العناد، أو التأخر الدراسي.
تأثير العنف الأسري على المراهقين من الأولاد والبنات
يؤكد الدكتور جمال فرويز، أن المراهقين يتأثرون بالعنف الأسري بطريقة مختلفة، ويظهر ذلك التأثير في اللجوء إلى حل الخلافات بالعنف والميل والعناد وهذه هي السلوكيات التي تعلموها من آبائهم في المنزل، وقد يصل الأمر إلى أن يدمنوا الكحول وتناول العقاقير المهدئة أو المخدرة.
ويتابع: البنات أو الإناث في هذه الحالات يميلون للانعزال عن الناس، والإبقاء على مشاكلهم في داخلهم، وتظهر عليهم علامات القلق والاكتئاب، ويكرهون ذاتهم، ويعانون شكاوى جسدية مختلفة، وتظهر أعراض اضطراب نظام غذائهم وقد يؤذون أنفسهم بتبادل العقاقير المهدئة وحتى جرح أنفسهم.
التأثيرات طويلة الأمد للعنف الأسري على الأطفال
وفي سياق متصل، يقول الدكتور فرويز، إن الأطفال التي تشاهد أغلب مظاهر العنف المنزلي، ينعكس ذلك على سلوكهم كتقليد لسلوك ذويهم، وقد يكونون ضحايا لهذا السلوك، حيث إن الطفل الذي يشاهد والده يضرب والدته يقلد هذا السلوك مع الإناث مستقبلا، وفي حالة البنت التي ترى الأذى الواقع على والدتها أمامها فإنها ستتوقع حدوثه معها مستقبلا، لذلك نجد أن جميع الأطفال الذين تم تربيتهم في منازل يتخللها العنف يكون طابع شخصيتهم العام القلق والاكتئاب وصعوبة الاندماج مع زملائهم.
طرق مساعدة الأطفال من تأثير العنف الأسري
يشير الدكتور جمال فرويز، إلى أن مساعدة ضحايا العنف الأسري تكون بتعاون جماعي بين المتعاملون مع الأطفال مثل الأطباء، الممرضات، المعلمين، الباحثين الاجتماعيين، بهدف تغيير المفاهيم الخاطئة التي ترسخت داخلهم، وتقديم النصيحة المطلوبة في كل موقف، وفي المدرسة يجب أن يتعاون المعلمون بوضع هؤلاء الأطفال في موضع اهتمامهم ومساعدتهم، وإحالتهم في بعض الحالات إلى المؤسسات الطبية النفسية الخاصة بالأطفال حال ظهور اضطرابات سلوكية وعاطفية حادة.
"كما أنه من الضروري تقديم المساعدات المستمرة للأمهات والأبناء، من خلال أن يكونوا بمأمن من الإيذاء والعنف، وأن يكونوا في مكان ملائم للسكن، مع منحهم مساعدة مالية لقضاء حاجاتهم المعيشية، كما يحتاج الأمر التنسيق مع المعلمين في المدرسة لمساعدة الطفل وفهم معاناته، وكذلك تحتاج الأم إلى العلاج النفسي والإرشاد الاجتماعي لأنها تتعرض بعد الإيذاء الأسري إلى حالة من الاكتئاب والقلق.
أبرز أثار العنف الأسري
إلى جانب ظهور السلوك العدواني في بعض الحالات، نجد أن حالة بعض الأطفال قد تأخذ مسارا آخر، مثل العزلة والابتعاد عن الأصدقاء والأقارب، والخجل، والقلق المفرط من أي خطر، كما أنه يجد صعوبة في الثقة بالبالغين، وفقدان الشعور بالتعاطف مع الآخرين أو محاولة فهم شعورهم.
إهمال ضحايا العنف الأسري له أبعاد خطيرة
يقول الدكتور جمال فرويز إن إهمال مساعدة الطفل ضحية العنف، قد يدفعه إلى انتهاج سلوكيات اجتماعية سلبية مثل الانضمام للعصابات، كما يميلون إلى استخدامهم العنف في علاقاتهم الشخصية للسيطرة على الآخرين.
تأثير العنف الأسري في مرحلة الشباب
يقول الدكتور إبراهيم عز الدين العميد الأسبق للمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بـ٦ أكتوبر إن العنف الأسري قد يمتد إلى مراحل مختلفة من حياة الطفل؛ حيث تعلق الذكريات السيئة في ذاكرة الطِّفل مدى حياته.
الدكتور إبراهيم عز الدين
العنف المباشر ضد الأطفال
يشمل العنف ضد الأطفال جميع أشكال الضربِ المبرح، أو الضرب المقصود، أو العقاب الجسدي، أو استمرار السخرية والإهانة والاستهزاء بحقِه، أو الإهمالِ والتقصير في رعايتِه وتوفير مستلزماته الصحية والنفسية والاجتماعية والجسمية، أو استغلاله في أعمال تفوق طاقته.
ويضيف الدكتور إبراهيم عز الدين: قد يحدث الأذى البدني للطفل بصورة غير مباشرة؛ كمنعِ العلاجِ عن الطفل، أو عدم تأمينه له، أو منع الطعام عنه، أو عدم إعطائه كفايته منه، أو التهاونِ في منعِ الأذى من الوصول إليه، إضافة إلى الحرمان من العطف، أو عدم إظهار المحبة والحنان، أو المطالبة بمهام غير واقعية، يصعب على الطفل القيام بها.
ويستطرد قائلا، تظهر الآثار النفسية والبدنية والاجتماعية والانفعالية بصورة واضحة في مستقبل الأطفال المعنفين، بدرجات متفاوتة، وعلى نوع طبيعة العنف الذي واجهه الطفل ونوعه.
طرق الحد من العنف الأسري ضد الأطفال
ويشير الدكتور إبراهيم عز الدين، إلى أنه من الممكن التقليل من العنف الأسري ضد الأطفال من خلال الآتي:
1- نشر أضرار ومخاطر العنف الموجه تجاه الأطفال وأشكاله وأنواعه، مع توعية الأسرة من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات المجتمعية كالمؤسسات التعليمية، والمساجد، ودور الشباب.
2- تشريع القوانين والأحكام الخاصة بالأطفال المتعرضين للعنف بأشكاله وضمان حقوقهم.
3- المتابعة المستمرة للأطفال الذين تعرضوا للعنف، وتقديم الدعم النفسي من خلال برامج الإرشاد النفسي في المؤسسات التعليمية، وخلال جميع المراحل.
4- تنظيم الجلسات التوعوية، والدورات التأهيلية للأسرة وأولياء الأمور لشرح مخاطر ممارسة العنف تجاه الأطفال وأشكاله، بالإضافة إلى ذكر أهم طرق وأساليب التنشئة الأسرية السليمة.
5- مجابهة ظاهرة العمل للأطفال دون سن العمل القانوني، واستغلالهم من قبل جميع المؤسسات المجتمعية والأهالي وأصحاب العمل.
6- تقديم الدعم والمساندة الاجتماعية بجميع أشكالها وبأقصى درجاتها تجاه الأطفال المتعرضين للاعتداء والعنف الجنسي، نظراً لشدة تأثير الأضرار التي تُصيب نفسية الطفل واتجاهاته ومستقبله.