لقد أصبح واضحًا للجميع كيف أن ظاهرة الشائعات صارت سلاحًا غير تقليدي في يد المغرضين وأصحاب الأجندات الخارجية الذين يستغلون بعض الظروف القائمة أو المحتملة لمحاولة فت عضد الدول وتقويض مسيرة تنميتها، خصوصًا تلك الدول التي تسعى لإعادة ترميم بنيانها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بعد سنوات من التحديات الصعبة مثل مصر، التي استطاعت أن تقضي على الإرهاب في تحدٍ كبير وخلال سنوات قاست فيها الدول جميعا ويلات التطرف، لتكون الشائعات مستوىً جديدًا من تلك المواجهات ومكونًا رئيسيًا من مكونات حروب الجيل الرابع، ومن أهم العوامل التي تعتمد عليها الجهات والأفراد وقت الأزمات في محاولة لتكدير الحياة العامة والتشكيك في قدرات الدول على مواصلة جهودها الشاقة والحثيثة باتجاه استيفاء أركان التنمية والتطلع إلى المنافسة.
لذلك نرى تلك الرسائل التي يبعث بها فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي من وقت لآخر وبالمحافل المختلفة محذرًا من الاستماع إلى ضعاف النفوس الذين يسعون إلى إثارة الفتن والأكاذيب بهدف الهدم والإفساد، ولا يتطرقون إلى النقد البناء بهدف التعمير، والإصلاح، فعلى سبيل المثال يستغل البعض الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم الآن محاولا إفشال الجهود المصرية في تجاوز الأزمات، في وقت تحقق فيه نجاحات على أصعدة مختلفة مثل زيادة الصادرات المصرية بشكل عامٍ تقريبا إلى 46.8 مليار دولار مقارنة بـ 39.3 مليار عن الفترة المماثلة من العام السابق عليه، مقابل انخفاض قيمة الواردات المصرية خلال نوفمبر الماضى بنسبة 26.8٪ لتصل إلى 5.94 مليار دولار مقارنة بـ8.11 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضى.
وفي وقت سابق كانت بيانات المركز الإعلامي لمجلس الوزراء قد أشارت إلى تداول الشائعات في البلاد منذ عام 2014، وأنها في تزايد مستمر، مما يفيد بوجود بيئة حاضنة لها، لاسيما وأن الشائعات بطبيعتها أكثر جاذبية من الأخبار المؤكدة.
وهذه الظاهرة المقيتة مرت بتطورات عدة وصولا إلى استهداف تحقيق مآرب سياسية وعسكرية، مستفيدة من التقدم الهائل في علوم الاتصالات وتقنيات وبرامج الهواتف المحمولة، ولقد برز بشكل لافت أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت عاملا رئيسيا في انتشار الشائعات بشكل متزايد نظرًا لتنامي استخدامها وسهولة الوصول إليها من خلال أجهزة المحمول الذكية، الأمر الذي جعل كل شخص تقريبًا يمتلك حسابًا على تلك المنصات مستقبلا وناشرًا للأخبار؛ سواء صحيحة أو مزيفة، فضلا عن مرض لفت الانتباه وتحري ما يسمى بـ"الترند"، بالنشر السريع لأي شيء حرصًا على الشهرة بادعاء السبق والمعرفة بالمعلومات دون تفنيد، ولقد أثبتت التجربة خلال هذه السنوات كيف أن المضللين لا يأبهون بفكرة المتاجرة بآلام الناس أو الالتفات إلى ظروفهم الإنسانية، بل يسعون إلى هدفٍ رخيص دون أي اعتبارات سوى تحقيق نتيجة من شأنها إما زرع اليأس في النفوس أو إحداث بلبلة في المجتمع أو إحداث الفرقة بين الشعوب، مثلما رأينا مثلا فى الكارثة الإنسانية جراء زلزال سوريا وتركيا والتي اهتم فيها هؤلاء فقط بترويج كذبة تقاعس الدول عن إرسال الدعم للمنكوبين، وما رأيناه كذلك فيما أثير حول قناة السويس التي تم رصد الكثير من الشائعات بشأنها، وغيرها الكثير والكثير من النماذج والمحاولات التي رغم سلبياتها بالطبع، فإنها تعكس تلك الأهمية لمصر كدولة محورية في العالم كله، تشغل الكثير من الدول والأجهزة، التي تنفق أموالًا ضخمة لبث تلك الشائعات وإعداد وثائق مزيفة واتباع كل الصور الممكنة لتمهيد الطريق أمام الشائعة المضللة، ومع كل ذلك لم تستطع أن تصل تلك المساعي الدنيئة لتحقق نجاحٍ يُذكر في بلوغ أهدافها وهذا إنما يرجع إلى أولا ارتفاع الوعي لدى قطاع كبير بالشعب المصري من واقع معايشة التجارب، وذلك توازيا مع جهود الحكومة في تفنيد كل ما يُطلق من شائعات أو أخبار مزيفة، ومن هنا لابد أن يتحلى الجميع بروح المسئولية تجاه هذه الحرب الشرسة التى تعد أخطر من حروب الصواريخ والطائرات والأسلحة المعتادة.