كيانان أوجدتهما الأقدار عبر حسن الجوار، وشكلتهما الطبيعة وكأنهما كيان واحد.. في قارة آسيا، في الجانب الغربي منها، أرست السعودية مكانها ومكانتها كمنارة للإنسانية، وبجانبها كانت واستقرت الحضارة المصرية، ثم جاءت وتكونت قارة إفريقيا، وكأن مياه البحر الأحمر واحة لهما معًا، المثير أن المشهد الإقليمي الحالي المضطرب، لا يترك أثره عليهما، إلا فيما ندر، فكلاهما مشغول بشيء آخر لا يدركه أحد سواهما، مشغول بمد يده لأخيه قبل الآخر.
هناك خصوصية وتفرد للعلاقة بين مصر والسعودية من الخطأ تجاهلها، راكمتها مكانة كل دولة منهما منفردة، ودعمتها روح التفاعل والتكامل الإنساني بينهما، يضاف إليهما أن العلاقات بين الشعبين والدولتين لا تتوقف عند التاريخ القريب أو البعيد، ولا تعتمد على الجغرافيا الأقرب حدودًا وموقعًا، أو عند اللغة والعقيدة الواحدة، أو المخاطر المشتركة، أو حتى التوجه والهدف الواحد غالبًا، بل أيضًا هناك العلاقات الإستراتيجية التي شكلها تتابع الأزمات المشتركة، والأحداث الجسام، وأيضًا الحروب التي خاضها العرب ضد أعدائهم، أما التفاصيل والخطط والبرامج فقد تختلف رؤى عن أخرى، إلا أنها في النهاية تتجه إلى غاية واحدة.
نعم.. قد تتعرض العلاقات بين الدول، وكثيرًا ما تصل بين الأطراف في العالم العربي أو العالم إلى حافة الهاوية، إلا أن التاريخ بين الدولتين يعلي مصلحة الشعبين، وهو ما أثبتته الأحداث وشهد عليه التاريخ، لقد رأينا ملكًا يدفع بأبنائه وأشقائه للتطوع في الدفاع عن بلد آخر، لقد فعلها الملك والأمراء السعوديون وتحول أبنائهم إلى جنود للدفاع عن مصر، عندما انخرط هؤلاء تطوعًا للدفاع عنها أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، منهم الملك فهد، والملك سلمان، والأمير تركي والأمير عبدالله الفيصل والأمير سلطان بن عبدالعزيز، وسميت تلك الفرقة بـ"المجاهدين السعوديين"، كما أعلنت المملكة التعبئة العامة في أكتوبر 1956.
حينها قال جمال عبدالناصر فى خطابه الشهير بالأزهر: "اتصل بي الملك سعود تليفونيًا قائلا: إن جيش المملكة تحت تصرف مصر، وأموال السعودية كذلك، وإن السعودية مستعدة تعمل أى شيء". كما ترأس الملك سلمان بن عبدالعزيز في ذلك الوقت، العديد من اللجان الشعبية التي قدمت الدعم، منها رئاسته لجنة التبرع لمنكوبي السويس عام 1956، وامتد دوره بعد ذلك إلى رئاسته اللجنة الشعبية لدعم المجهود الحربي فى 1973.
قد تظهر على سطح العلاقة بينهما اختلافات في الرؤى ووجهات النظر، لكن عند اتخاذ المواقف تتلاشى هذه الاختلافات، كما حدث بين الملك فيصل والرئيس عبدالناصر بعد نكسة 1967، ونتذكر لاءات الخرطوم الثلاث التي أحدثت تحولا في الموقف العربي ضد إسرائيل، كما أوضح الأمير تركي الفيصل مدير الاستخبارات السعودية قائلاً: أذكر أن الملك فيصل أمر وزير الدفاع الأمير سلطان بن عبدالعزيز بالتواصل مع نظيره المصري وإبلاغه استعداد المملكة لوضع كافة إمكاناتها لمساندة مصر بعد نكسة 1967، فكان موقف الملك فيصل حاسمًا بين الاستسلام، أو مواصلة المواجهة ضد إسرائيل وهو ما عرضه الرئيس جمال عبدالناصر في قمة الخرطوم بعد نكسة 1976 مباشرة، قائلا: "إن الملك فيصل قام وأكد وقوف المملكة مع مصر التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي".
على الجانب الاقتصادي، في الاستثمار السعودي في مصر هو أكبر استثمار عربي، وتجاوز 53 مليار دولار بواقع 5300 مشروع، كما أطلق الصندوق السيادي السعودي، "الشركة السعودية المصرية للاستثمارات" تنشط في قطاعات البنية التحتية والعقارات والصحة والزراعة والأدوية.
وبالرغم من أن الدولتين تجمعهما أهدافًا إستراتيجية عديدة، فإن الرؤى حول قضايا مثل حرب اليمن، سوريا، إيران، إسرائيل،الإخوان المسلمون تراوحت واختلفت في قضية أو أخرى، إلا أنها لم تخرج عن إطار التفاصيل، أما عن اتخاذ موقف أو قرار فلا نتوقع مسارًا يختلف عن السياق التاريخي والأخوي بين البلدين.
للأكاديمي والمفكر السعودي خالد الدخيل كلمات عن مصر معبرة إذ قال: "هو ليس حديثًا عن أية دولة عربية، أو تدخلًا في شئونها الداخلية، فمصر كادت أن تكون في يوم من الأيام هي كل العرب، وتاريخها الحديث يكاد يكون تاريخ كل العرب في طموحاتهم ونجاحاتهم وإخفاقاتهم".
ستظل عبارة "من يملأ فراغ من" تتردد، وهي في معانيها دليل متجدد على ثقل وحجم البلدين، وهناك خلل إجرائي في الحكم على أحد طرفي المعادلة المصرية السعودية، فغالبًا ما يدور الحوار عن طرف أو آخر، أو عما بينهما، من زاوية واحدة فقط، دون الحكم على باقي القضية، أو الأبعاد والصورة الكاملة، ومن المهم إقامة حوار عبر الكيانات المتخصصة، حوار ثقافي فكري ثنائي مشترك، بين المثقفين والمفكرين بكلا البلدين، فإن ذلك يذيل الكثير من الغموض ويبدد السحب التي قد تتجمع بمرور الوقت، أو تنبت بشكل مفتعل من أطراف أخرى تتكسب من وراء الخلاف.
في مصر، يوجد شعور والتزام وعهد غير مكتوب بأن ما يصيب السعودية، مقدساتٍ وشعبًا وأرضًا وسماءً، هو كأنه يحدث في أرض الكنانة، فلا نامت أعين الدخلاء.
[email protected]