مع التزايد "المخيف" لنسب الطلاق لابد من وقفة لكشف أسبابه المعلنة وغير المعلنة وطرح طرق "واقعية" للوقاية منه بعيدًا عن المألوف "كتحمل" الطرف الآخر؛ فالتحمل الزائد يكلف صاحبه -من الجنسين- الكثير ويجعل شريكه بالزواج يرى التحمل حقًا له وينفجر غضبًا عند التوقف عنه..
لا نطالب بالطبع بالتعامل بخشونة مع ما لا يعجبنا من شريك الحياة ولا بالتوقف عند كل صغيرة لمحاسبته عليها والكلام للجنسين؛ فذلك يتسبب في الشعور "بالاختناق" ويصعب الحياة الزوجية ولا نفضل التجاهل؛ فالطرف الآخر كيف سيعرف بما يضايق شريكه إن لم يخبره صراحة وبأقل كلمات وبلا اتهامات أو إهانات أو توسل؛ مثل لماذا تسيء إلي؟ أو لم أتوقع أن تتصرف بهذا الأسلوب، أو لا استحق منك ذلك؛ فكل ذلك كفيل ببدء مشاجرة والمطلوب التنبيه "بلطف" وبكلمات قليلة؛ فالهدف "تحسين" الزواج وليس تحويله لصراعات ستتسبب في إنهائه ولو مستقبلًا.
مع ضرورة طرد الحساسية الزائدة والمبالغة في التألم من مواقف عابرة غير مقصودة وعدم الاحتفاظ بها في الذكريات التي ستتحكم في صاحبها -من الجنسين- وتدفعه للرد بحدة على شريكه بالزواج في أمور عادية انتقامًا لنفسه، والأفضل تذكر المثل اللبناني الرائع: "كبرها بتكبر صغرها بتصغر".
لا أحد -من الجنسين- يقرر الطلاق "فجأة"؛ فالطلاق "إنهاء" لحياة زوجية واختيار الابتعاد للأبد عن شريك الحياة، فالتفكير بالطلاق يمر بعدة مراحل قبل أن "يتمكن" من صاحبه ويجعله لا يرى أية فرصة للسعادة بحياته قبل "الفوز" بالطلاق؛ والمؤلم أن الكثيرين والكثيرات يتنفسون "الندم" بعد الطلاق، وإن رفض البعض الاعتراف بذلك..
من الأسباب المعروفة للطلاق خيانة أحد الطرفين وسوء التعامل وعدم الاحترام للشريك ولأهله والطمع المادي وعدم منح الشريك الحقوق العاطفية والجسدية وتعمد الإساءة له..
أما الأسباب غير المعلنة والتي تشكل حاليًا "أهم" أسباب زيادة الطلاق وهي الفجوة الهائلة بين "التوقعات" من الزواج والواقع؛ فالزوجة التي تتوقع من زوجها "التفرغ" لها بعد الزواج ونسيان أصحابه وأسرته وهواياته من أجلها تتسبب في طلاقها ولو بعد حين؛ فلا يوجد زوج بالكون يفعل ذلك ولن تقبل أن تطالب زوجة أخيها بذلك..
والزوج الذي يطالب زوجته بتفهم عصبيته الزائدة أو عدم تحمله للمسئولية غير واقعي ولن يقبل بذلك لأخته.
الطلاق زرع يتم بذر بذوره "وريها" لأشهر وأحيانًا لسنوات؛ حيث يفكر البعض من الجنسين أن شريكه "يتعمد" حرمانه من حقوقه أو يرفض -عن وعي- حسن معاملته؛ وللأمانة فكثير من الأفكار التي يزرعها البعض من الجنسين غير حقيقية، ولكن مع الإصرار عليها يتعاملون معها "وكأنها" حقائق ويرفضون من ينبههم إلى خطئهم ويصرخون في وجهه: لا تشعر بنا!! ونوصي "بمراجعة" ما نضعه في عقولنا عن شركاء الحياة أولًا بأول لإغلاق أبواب الطلاق وتذكر أن الجميع يخطئ ويصيب وأننا لسنا ملائكة والشركاء ليسوا شياطين.
من أسباب الطلاق المثل الشعبي "عدوك يتمنى لك الغلط وحبيبك يبلع لك الزلط"؛ فنرى انتظار أي خطأ لتضخيمه ومحاسبة الشريك عليه بعدوانية فتشتعل النيران، أو التجاوز عن الأخطاء المسيئة فتكبر ويصعب السيطرة عليها وخير الأمور الوسط دائمًا.
نصل لتكبير الأخطاء وتضخيمها والتفكير بها كثيرًا وتذكير الشريك بها دائمًا مما يوغر الصدور من الطرفين؛ فمن يضخمها يزرع بداخله الغضب من شريكه ويجعله متحفزًا ضده، ومن يتعرض لذلك ينظر للآخر على أنه يتصيد له الهفوات "ويكرهه" ويبحث عن مبرر ولو كان ضعيفًا لمضايقته، وبالطبع لا يتقبل ذلك وكثيرًا ما يرد بالأسوأ وتصل للطلاق بسبب أمور لا تستحق ولكنها "تجعل" الحياة صعبة ومستحيلة لتكرار معاقبة الشريك عليها "وتكديره" بسببها.
من أهم أسباب الطلاق "تعمد" تجاهل مزايا الطرف الآخر، والمسارعة بتجاوز التصرفات الجميلة وكأنها "حق" لا يجب الفرح بها عند حدوثها وعند تذكرها؛ وإذا ذكره بها الشريك تعامل مع ذلك وكأنه يمن عليه واشتعل غضبًا وقال كلامًا مسيئًا؛ والكلام الجارح من أسباب الطلاق ولو بعد حين، ولو كان الحب متبادلًا بين الزوجين، وقديما قالوا: "لا ترم سهمًا يصعب عليك رده"، وقالوا: "جراحات السهام تلتئم وجراحات اللسان لا تشفى"..
ومن المهم الحفاظ على الكلام بلطف بين الزوجين والتوقف عن الشجار قبل تبادل "القذائف" الكلامية التي تحول خلافًا عاديًا إلى معركة قاسية تأكل من رصيد الاحترام بين الزوجين؛ ولا شيء يقتل الزواج كغياب الاحترام أو "السماح" بتناقصه.
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات "وما زالت" تلعب دورًا رئيسيًا في زيادة الطلاق والطلاق العاطفي أيضًا؛ بالتحريض المتواصل على "مؤسسة" الزواج وتحويل دور الزوجة من شريكة حياة وأم وصانعة لحياة ناجحة وسعيدة إلى "ضحية"، وتحريضها دومًا ضد أسرتها وتصوير أي شيء تفعله، وكأنه تضحية هائلة وزوجها وأولادها يمثلون "الجحود" والنكران "وتعمد" التقليل من دور الزوج وتتأثر -مع الأسف- بعض الزوجات وتبدأ بالتعامل "بحدة" مع الزوج والأولاد وتراهم كنموذج "بشع" للاستغلال، بينما في العالم كله تهتم حواء بأسرتها وببيتها وتراه "مملكتها" وتسعى لإنجاح زواجها وترى ذلك "ذكاءً" ومهارة وليس عبئًا لا يطاق؛ كما يصوره محترفو زيادة المتابعات على حساب سعادة المتزوجات بتحريضهن على أزواجهن ليلًا ونهارًا.
قالت زوجة أعطت "عقلها" قبل أذنيها وعينيها لهذه الوسائل وللفضائيات: "أموت من الحسرة كلما رأيت اهتمام الأزواج بزوجاتهم وزوجي لا يقصر معي ولا مع أولادنا، ولكنه لا يهتم بي كما يفعل هؤلاء "الرائعون"، وأفكر كثيرًا بجدية في طلب الطلاق"!!