العلاقة بين مصر السعودية ليست علاقة يمكن أن تُشكلها لحظات أو مواقف طارئة، أو تفرقها أزمات أو خلافات؛ ولكنها علاقة صنعها التاريخ بأواصر فرضتها الجغرافيا؛ كما فرضها الواقع.
فهي علاقة جناحي الأمة العربية والإسلامية؛ قبلة المسلمين؛ أرض الحرمين الشريفين؛ وأرض الحضارة؛ بلد الأزهر الشريف؛ درع الإسلام الحصين؛ علاقة لا يمكن الفكاك من تأصلها؛ ولا من قوة ترابطها؛ فهل يمكن لجناح أن يعيش بدون الآخر؟
هكذا المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية؛ تاريخ طويل من البناء؛ وقيادة الأمة بطموحاتها وأحلامها؛ فالمواقف التي بينت تماسك وقوة العلاقة كثيرة؛ سطرها التاريخ بأحرف من نور؛ كلنا يتذكر ما فعله جلالة الملك فيصل رحمة الله عليه؛ إبان حرب استعادة العزة والكرامة؛ حين قرر منع البترول، وكانت ورقة ضغط مهمة للغاية؛ ولا ننسى مقولته الشهيرة: "مصر تأمر ولا تطلب".
ولا ينسى الشعب المصري ما فعلته المملكة العربية السعودية إبان العدوان الثلاثي على مصر؛ حين جاءها فرقة من المجاهدين السعوديين للذود عن مصر، كان بينهم جلالة الملك سلمان وقت أن كان أمير الرياض؛ وكان معه الأمير فهد بن عبدالعزيز، وزير المعارف بالمملكة، والأمير سلطان بن عبدالعزيز، والأمير عبدالله الفيصل، وزير الداخلية آنذاك، وآخرون في فرقة المجاهدين السعوديين التي تكونت للدفاع عن الوطن العربي، حيث قد تقدم الكثيرون من الشعب السعودي للتطوع.
لذلك فمكانة مصر تأصلت عند جلالة الملك سلمان منذ عقود؛ بل إن ما قاله ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان يؤكد ذلك؛ حيث أشاد بما تفعله مصر في السنوات الأخيرة لاستعادة مجدها وقوتها؛ ليس ذلك فقط؛ ولكنه يرى أن مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين مشرق؛ ويأتي في قلبها مشروع «نيوم» كأحد أطروحات التعاون الوثيق؛ ولا يمكن إغفال أن التبادل التجاري بين البلدين يدور حول 10 مليارات دولار، ومرشح للزيادة؛ بالإضافة إلى أن تحويلات المصريين العاملين بالمملكة قد يجاوز الـ 12 مليار دولار؛ وهو بكل تأكيد رقم مهم في معادلة تحويلات المصريين من الخارج؛ ناهيك عن أن عدد المصريين بالمملكة يدور حول 3 ملايين مصري؛ تكاد لا تميزهم عن السعوديين؛ يكنون للمملكة ولشعبها كامل التقدير.
المواقف السياسية؛ ترنو إلى التطابق بين البلدين؛ لما يمثلان من ثقل سياسي واقتصادي وعسكري؛ على مستوى العالم؛ أما الدعم المصري للسعودية فهو بلا حدود؛ ونتذكر حينما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي جملته الشهيرة "مسافة السكة" كناية عن سرعة رد فعل المصريين صوب أي تهديد ولو محتمل للشقيقة الغالية.
إن التعاون الذي يغلف علاقات البلدين في كل المجالات؛ بلا شك أبرز قيمة وقامة ومتانة العلاقات بينهم؛ ولكنه في ذات الوقت يؤكد أن هناك رؤى متشابكة قد تصل لحد التطابق في بعض الأحيان بين البلدين الشقيقين.
فما يملكه البلدان كبير للغاية؛ كبير بدرجة؛ جعلت ترابطهم أمرًا محتومًا؛ وهو ما بينه التاريخ؛ حتى أننا نُذكر به مرارًا و تكرارًا؛ دون أن ندري أحيانًا؛ وأحايين أخرى للتدليل على أن ما صنعه التاريخ من روابط قوية بين جناحي الأمتين العربية والإسلامية؛ صُنع ليستمر دون فكاك؛ وهذا ما أخبرتنا به كل الأزمات التى مرت على المنطقة منذ عقود كثيرة؛ كان البلدان هما صمام أمان المنطقة؛ ورايتها الخفاقة في سماء الأمة؛ تزهو بما حققت للشعوب؛ وتعلن الصمود في مواجهة ما تأتي به الرياح.
[email protected]