مساع عديدة ومستمرة تظهر بعد التداعيات المستمرة عقب زلزال تركيا وسوريا المدمر، والتي تلقي بظلالها على الساحة الإقليمية، مما لفت الانتباه إلى ضرورة وجود سبل للحد من خطورة الزلازل وتأثيرها المدمر، فكان الكشف عن وجود أجهزة الإنذار المبكر للزلازل عبر عدة تقنيات، ومنها سعي العلماء لتطوير تقنيات مراقبة الزلازل، لتوفير إنذار مبكر يمكنه إنقاذ الأشخاص قبل وقوع الزلزال.
موضوعات مقترحة
وبحسب الخبراء في مجال تحليل بيانات الزلازل، يؤكد على ضرورة التفرقة ما بين التنبؤ بالزلزال، وما بين نظام أجهزة الإنذار المبكر للزلزال، حيث إن فكرة التنبؤ بالزلازل أمر مستحيل حدوثها ولا يمكن التنبؤ بها نهائيا، وبالتالي لا يمكن الإعلان عن حدوثه في أي وقت، أما المقصود بالإنذار المبكر "أنه لو زلزال حدث ننتبه بحدوثه" وذلك قبل وقوع الموجة المدمرة للزلزال، لذلك أكد أن أجهزة الإنذار المبكر ليس المقصود بها التنبؤ بحدوث الزلزال.
وقد كشفت دراسة جديدة، أن العلماء يسعون لتطوير تقنيات مراقبة الزلازل لتوفير إنذار مبكر يمكنه إنقاذ الأشخاص قبل وقوع الزلزال والكوارث الطبيعية قبل ثوان فقط، حيث يمكن أن يصل للأفراد تحذير مباشر على هواتفهم الجوالة قبل ثوان أو دقائق، لكن هذه الفترة قد تصبح أطول بكثير وتسمح بإنقاذ المزيد من الأشخاص، ويتم ذلك عبر تقنيات المراقبة الحديثة التي ترصد حجم التحركات في الأرض، من خلال استخدام الليزر والاستشعار الصوتي المنقول بالألياف الضوئية الموجودة من الأساس تحت الأرض.
وقد أشارت الدراسة أنه من خلال الكابلات المخصصة للاتصالات بالإنترنت، تنتقل تحركات الزلزال إلى السطح حتى يوم كامل ما قبل الزلزال المحتمل، وهذا في حاله العمل على تطوير التكنولوجيا وتطويعها في مجال توقع الزلازل، لكي تنتقل الإشارات بسرعة الضوء التي هي بطبيعة الحال أسرع بكثير من انتقال الموجات الزلزالية.
الإنذار المبكر للزلازل باستخدام تقنية الألياف الضوئية
يقول الدكتور علي جمال ربيع أستاذ الاتصالات والإلكترونيات والحاسبات المتخصص في مجال تحليل بيانات الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية الجيوفيزيقية، تعتبر أجهزة الإنذار المبكر، نوعا من تقنية الإحساس بالزلازل باستخدام الألياف الضوئية، وبالفعل نحن نستعد لها في مصر، ولذلك قمنا داخل المعهد القومي للبحوث الفلكية بشراء بعض المكونات لكي نكون نظام الألياف الضوئية في مصر بهدف تشغيله لكي نتأكد هل يمكن تنفيذه أم لا خاصة مع تكلفته الباهظة.
ومن مميزات تقنية الألياف الضوئية عند استخدامها في الإنذار المبكر للزلازل، أنه يتم من خلالها عمل أكثر من محطة لرصد الزلزال قد تصل إلى مئات وآلاف المحطات حول مركز الزلزال، وهذه التقنية قوية جدا عند استخدامها للتأكد من حدوث الزلازل، كما أنها تتيح تنبيها أسرع عند حدوث الزلزال، مما يتيح فرصة أكبر لتنبيه الناس لتأمين نفسها عند حدوث الزلازل، وفي مصر والعالم نسعى لتشغيل تقنية الألياف الضوئية، ولكن هذه التقنية لم يطبقها أحد حتى الآن في الإنذار المبكر بالزلازل.
الدكتور علي جمال
أجهزة الإنذار المبكر ليس المقصود بها التنبؤ بحدوث الزلزال
ويؤكد الدكتور علي جمال، على ضرورة أن نفرق أولا ما بين الإنذار المبكر للزلازل وبين التنبؤ بالزلازل، حيث إن فكرة التنبؤ بالزلازل أمر مستحيل حدوثه ولا يمكن التنبؤ بها نهائيا، وبالتالي لا يمكن الإعلان عن حدوثه في أي وقت، أما المقصود بالإنذار المبكر هو "إن زلزال حدث بالفعل ننتبه بحدوثه قبل وقوع الموجة المدمرة للزلزال"، لذلك أجهزة الإنذار المبكر ليس المقصود بها التنبؤ بحدوث الزلازل.
ويتم من خلال أجهزة الإنذار المبكر الإنذار عند حدوث الزلزال وذلك في خلال 6 ثوان قبل قدوم موجه الزلزال المدمرة، أي يتم الإنذار قبل وقوع الموجة المدمرة للزلزال وليس التنبؤ بحدوث الزلزال، وتظهر أهمية أجهزة الإنذار المبكر للزلازل خاصة أن الزلازل تكون مصحوبة بأكثر من موجة زلزالية، ومنها الموجة الأولى التي تكون ضعيفة في بداية الزلزال والتي نستغلها في تنبيه المواطنين، وهذه الموجة الزلزالية الضعيفة تشعر بها أجهزة الإنذار، ثم يليها بعد حوالي من 9 إلى 15 ثانية تحدث موجة الزلازل المدمرة، وقبل أن تحدث الموجة المدمرة يوجد 15 ثانية جميع العالم يتصارع بشأنها للتقليل من وقت تحليل الزلزال، وللتأكد من أنه زلزال قوي، والذي يتم تحديد قوته في أقل وقت ممكن في خلال 4 ثوان، أما باقي الثواني يتم فيها البدء في تنبيه المواطنين لتأمين نفسها وأخذ إجراءات تقلل من الموجة المدمرة.
أجهزة الإنذار المبكر للزلزال تقنية تستخدم في اليابان منذ 2007
ويشير أستاذ الاتصالات والإلكترونيات والحاسبات المتخصص في مجال تحليل بيانات الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية، إلى أن الإنذار المبكر للزلازل هي تقنية موجودة ومطبقة في اليابان منذ عام 2007، ويتم من خلالها معرفة الموجة المدمرة للزلزال التي تحدث بعد وقوع الزلزال بمرور فترة تتراوح من 9 إلى 15 ثانية، ويعتبر حدوث أول موجة للزلزال موجة ضعيفة ولا تسبب تدميرا.
لذلك يتم التفكير خلال الـ15 ثانية أن يتم تحديد من 4 إلى خمس ثوان لكي نشعر فيهم بوجود زلزال، وهذا يعتبر قرارا صعبا وليس أمرا سهلا، لأن هذا القرار يترتب عليه وجد زلزال قوي قادم، ويعتبر الإعلان عن وجود زلزال هذا ليس قرارا سهلا لأنه سيترتب عليه قدوم زلزال قوي ومعرفة ما هي شدته، لذلك لا يمكن صدور قرار بوجود زلزال إلا بعد يقين 100% أنه يوجد زلزال، حيث إن قرار الإعلان عن وجود زلزال يتم نشره لأجهزة الدفاع الوطني، لذلك يجب أن نأخذ رد فعل حول ما هي الأماكن الحساسة التي سيحدث لها الزلزال، بهدف التنبيه على وجود زلزال خلال 6 أو 10 ثوان.
تطبيق أجهزة الإنذار المبكر تشترط توعية المواطنين بتأمين أنفسهم
ويؤكد الدكتور علي جمال، أنه يشترط قبل تطبيق جهاز الإنذار للزلازل، أن يسبقه توعية كاملة للمواطنين حول كيفية التصرف لإنقاذ وتأمين أنفسهم في خلال 6 ثوان، وذلك بهدف ألا يحدث ردود فعل من المواطنين قد تلحق الضرر بهم أكثر من نفعهم.
وحول تأمين المواطنين أنفسهم عند وقوع الزلازل، نجد أن اليابان تقدم كثيرا من الفيديوهات حول تأمين النفس وقت الزلازل في خلال 6 ثوان، وذلك بهدف التوعية حول كيفي التصرف وقت حدوث الزلازل، علما بأن تطبيق نظام أجهزة الإنذار بالزلازل، لن تمنع الخطر تماما ولكنها ستقلل من الإصابات ومن الخسائر في الأرواح، علما بأن المستفيد من أجهزة الإنذار المبكر هم المواطنون البعيدون عن مركز الزلزال، نظرا لأنه سيكون لديه وقت وثوان أكبر في تلقي الإنذار المبكر، ثم يكون لديه وقت وثوان أخرى لتأمين نفسه.
تطوير أجهزة الإنذار المبكر للزلازل في مصر
ويضيف، أنه يتم تطوير أجهزة الإنذار المبكر للزلازل داخل المعهد القومي للبحوث الفلكية، لكي نتمكن من عمل تحليل سريع لبيانات أي زلزال، ولكن مازلنا في إطار التطوير لكي نعلم صانع القرار بوجود زلزال في أقل من 4 ثوان.
ولكي يتم تنفيذ أجهزة الإنذار المبكر للزلزال، يشترط وجودها بالقرب من مركز الزلزال، لأنه لكي يتم الشعور بالزلزال يجب أن نكون قريبين من مركز الزلزال.
ولكن السؤال كيف نعرف مركز الزلزال وهو لم يحدث؟ الإجابة أن مراكز الزلزال والأماكن النشطة في مصر تكون معروفة مثل دهشور، ولذلك نعمل على وضع محطات قريبة جدا من مركز الزلازل، لذلك عندما تحدث مجرد موجة زلزال ضعيفة هنا تشعر بها محطات الرصد القريبة منها، ويتم عمل تحليل لها ثم إرسال إنذار بحدوث زلزال، علما بأنه على الأقل يجب أن توجد 3 محطات رصد للزلزال متباعدة بجوار مركز الزلزال.
كما أن زيادة عدد محطات الرصد يسهل الأمر في أخذ القرار بوجود زلزال بالفعل، لأن ليس من الصالح وجود محطة رصد واحدة بجانب مركز الزلازل يؤخر الإحساس بالزلزال، وهذا ما حدث مع اليابان التي تعتمد في تحديد الإحساس بحدوث الزلزال من خلال نظام محطة رصد واحدة للزلزال ، وهذا النظام الواحد يسبب تأخير الإحساس بحدوث الزلزال أي أن نظام الإنذار المبكر في اليابان لم يتم بطريقه جيدة، وذلك رغم أن اليابان هي أول الدول التي نفذت نظام الإنذار المبكر، ورغم ذلك ظهرت لديهم مشكلة كبيرة في 2011 عاما من عدم الإحساس المبكر بالزلزال نتيجة تقنية محطة الرصد من نقطة واحدة أو محطة رصد واحدة، والتي تحتاج إلى نوع آخر من الأجهزة مختلف تماما.
لماذا ومتى اهتمت مصر بوجود نظام أجهزة الإنذار المبكر للزلازل؟
ويؤكد الدكتور علي جمال ربيع أستاذ الاتصالات والإلكترونيات والحاسبات المتخصص في مجال تحليل بيانات الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية الجيوفيزيقية، أن محاولات وجود جهاز إنذار مبكر للزلازل في مصر، ظهرت بعد وقوع زلزال دهشور في 1992، ونظرا لأنه كان زلزالا قويا وقريبا من بعض الأماكن الحيوية مثل شبكات السكة الحديد القريبة من دهشور، ولذلك بعد زلزال 1992 إذا تكرر مرة أخرى كان من الضروري أن يكون لدينا إنذار مبكر للزلازل، لأن الزلزال قوته التدميرية تحتاج لضرورة وجود أجهزة الإنذار المبكر.
وكان من الضروري وجود أجهزة الزلزال في مصر، رغم أن الزلازل تحدث على فترات طويلة، ولكنها كانت مرة لها تدميرا كبيرا جدا، ولكن رغم تباعد حدوثه إلا أنه يجب الاستعداد له، لذلك يجب وجود نظام الإنذار المبكر كنوع من المساعي لوجود نظام قائم لحمايتنا من الزلازل.
أجهزة الإنذار المبكر تصنع في مصر محليا
وفي سياق متصل، يقول الدكتور علي جمال، إننا في مصر لكي نعمل على وجود أجهزة الإنذار المبكر نعمل على أن نوفر له نشر محطات رصد زلازل كثيرة قرب مركز الزلزال، وهو ما نقوم على تنفيذه الآن، وبالفعل قمنا بتصنيع الأجهزة محليا الخاصة بهذا الشأن لاستخدامها في محطات الرصد بدلا من استيرادها، ومن خلال إنشاء هذه الأجهزة في مصر بصورة مكثفه ستنخفض معه تكلفه إنتاج المحطات،مما يمكنا من تصنيع أكثر من محطة لرصد الزلازل، وتركيبها بجوار الأماكن المتوقع فيها حدوث زلزال، وبعد ذلك يتم تنفيذ شبكة الاتصالات للتمكن من نقل بيانات الزلازل من محط الرصد في الصحراء ونقل بيانات الزلزال إلى المركز الرئيسي لاستقبال بيانات الزلازل.
وبعد إنشاء محطات رصد الزلزال، يتم إنشاء شبكة اتصالات خاصة فقط بمحطات الرصد، والهدف من ذلك التحذير السريع للمواطنين وإتاحة وقت كاف لهم لتأمين أنفسهم، وبعد انتهاء جميع الخطوات سيتوافر في مصر نواة جيدة للإنذار المبكر، وأن يكون لكل مركز زلزال شبكة مخصصة له من الإنذار المبكر، والميزة في كل ذلك أن تصنيع أجهزة الإنذار المبكر ينفذ فكر الاستدامة، لأننا نكفي إحتياجات مصر من هذه الأجهزة، وكذلك تصديرها إلى مراكز الزلازل في الدول العربية مما سيجعل لنا امتداد مع هذه الدول.
نجاح أجهزة الإنذار المبكر للزلازل يشترط تطبيق الكود المصري للزلزال
ويؤكد الدكتور علي جمال، أن نجاح أجهزة الإنذار المبكر مع المباني والمنشآت، يشترط أن تكون مصممة حسب الكود المصري الذي يضع شروطا للحماية من الزلازل في إنشائها وأن تكون مؤهلة للزلازل، وبذلك يحدث حماية للبشر من خلال وجود منظومة متكاملة تهدف لحماية المواطنين وتبدأ بأن تكون المباني مصممه لحمايتهم.
ولكن الأهم في نجاح الأمر، أن يكون السلوك البشري مدربا على تأمين الأفراد لأنفسهم خلال ثوان، لذلك لا بد من تهيئه المواطنين وجود استعداد نفسي لديهم عند حدوث زلزال، مما يتطلب وجود حملة قومية من جميع الأطراف والجهات والإعلام لتهيئة الناس، مع عمل دورات تدريبية للمواطنين كما يحدث في اليابان التي تهتم بتدريب جميع ساكنيها الأصليين وغير الأصليين على التصرف السليم في خلال 6 ثوان وقت حدوث الزلزال، بهدف ألا يحدث من الفرد أي سلوك خاطئ من الممكن أن يؤذي أي شخص آخر معه.
لذلك لن تطبق أجهزة الإنذار المبكر للزلزال إلا بعد التوعية أولا، لأنه يجب ضبط السلوك لدى المواطنين أثناء حدوث الزلزال في أول 10 ثوان من وقوع الزلزال.