الأمريكيون حائرون، قلقون.. لا يدرون ماذا يفعلون وكيف يتصرفون، إزاء مشكلة شائكة تؤرقهم وتكاد تحرمهم من نعمة النوم، فهل يا ترى الأمر يتعلق بمعادلة سياسية أم اقتصادية أم عسكرية أم أمنية مستغلقة تشعر أركان الإدارة الأمريكية بالعجز وقلة الحيلة أمامها؟
حيرة واشنطن تتصل بتعرضها لغزو من "كائنات فضائية" قادمة من مكان أو كوكب مجهول، تلك ليست نكتة ولا مقلب من مقالب برنامج الفنان الشهير "رامز جلال"، بل حقيقة ماثلة على أرض الواقع، فالقوة العظمى رقم واحد في الألفية الثالثة تواجه عدوًا مجهولًا لا تعرف ماهيته وحقيقته، وأين يوجد ومدى قوته وقدرته، وما هي الخطة المثلى لوقفه عند حده، ومنعه من تنفيذ مزيد من الهجمات المفاجئة ضد الأراضي الأمريكية مستقبلاً.
عدو أمريكا المجهول عبارة عن "أجسام طائرة" تحلق في أجوائها بوتيرة متزايدة، وبلغ عددها أربعة، منذ مطلع الشهر الحالي، وأسقطت المقاتلات الأمريكية آخرها فوق بحيرة "هورون" بولاية "ميشيجان" قبل يومين، وخرج مسئول عسكري رفيع المستوى ليرجح أن الظاهرة العجيبة غير المفهومة ما هي إلا غزو تنفذه كائنات فضائية!!
هذا المسئول ليس صاحب خيال جامح ولا يعاني من الهلاوس البصرية والسمعية ولا من مدمني نظرية المؤامرة، لكنه لم يعثر على حجة مقنعة يسوقها للرأي العام الداخلي والخارجي سوى نظرية "الغزو الفضائي" وله عذره الذي يحق له الارتكان إليه رغم غرابته وشططه في نظر بعضنا.
فمن الواضح أن إدارة الرئيس "جو بايدن" ليس لديها معلومات وافية ولا كافية عن ماهية هذه الأجسام الطائرة، بدليل أن المواطنين الأمريكيين علموا بنبأ واقعة "ميشيجان" من نواب في الكونجرس الأمريكي، وهو ما أزعجهم كثيرًا، وزاد من انزعاجهم صمت بايدن ومستشاريه الأقربين.
صمتهم كان مريبًا وغير مبرر من مواطنيهم لكون الحادث يخص أمنهم وأمن بلادهم في المقام الأول والأخير، وإن ربطنا ذلك بقصة المنطاد الصيني الذي حلق في سماء أمريكا لأيام متتالية قبل إسقاطه فسوف يرتفع منسوب الدهشة والاستغراب، لأن تفسير الواقعتين يقودنا إلى أنه من السهولة بمكان اختراق جدار الأمن القومي الأمريكي، وأن دفاعات واشنطن ليست كما يتردد قوية ومتينة ولا تنفذ منها ذبابة.
نعم من الوارد تعرض الكبار والصغار لكبوات وثغرات أمنية، وأنه ليس باستطاعة أحد إحكام سيطرته الأمنية على أجوائه وحدوده بنسبة مائة في المائة، لكن الثغرات زائدة في الحالة الأمريكية الراهنة، وخلت فرضيات أمريكا من الاحتمال المنطقي المتمثل في خصمها اللدود الصين، أو روسيا، لتجد متسعًا ورحابة في قصص وحكايات "الخيال العلمي" من عينة الكائنات الفضائية، والأشرار الأوغاد الذين يخططون لغزوها من موقعهم بالمجرات البعيدة التي ربما لا يقدر البشر على الوصول إليها، ومباغتتها بهجمة وقائية تردعهم وتحبط خططهم الهجومية الآنية والمستقبلية.
وإن حاولنا التشبث بالعقل لفهم ما يجري بالولايات المتحدة بعيدًا عن رواية "الكائنات الفضائية"، فنحن أمام أكثر من احتمال وفرضية، منها كون هذه الأجسام سلاحًا جديدًا تستغله القوى المناوئة لواشنطن لأغراض تجسسية، عقابًا لها على مواقفها وسياساتها حيال القضايا الدولية المثارة والمتنازع حولها، وأبرزها بطبيعة الحال الأزمة الأوكرانية، ولن تجد تلك القوى من ساحة اختبار أفضل من الداخل الأمريكي كرسالة واضحة أنه في متناول يدها.
الفرضية الثانية أن تكون جهات أمريكية طورت ما يظهر في السماء كأجسام طائرة، لخوض حروب من على البعد تقلل من خسائرها البشرية، وما يليها من احتقانات واعتراضات من ذوي الضحايا وأطراف سياسية داخلية مناهضة للجالس في البيت الأبيض ممسكًا بمقود القيادة، وقد تكون خرجت عن مجال السيطرة في ميدان الاختبار؛ مما استدعى التخلص منها، وهناك وقائع ماضية تؤكد ذلك في تاريخ الأجهزة العسكرية والمخابراتية الأمريكية.
وإلى حين ظهور الخيط الأبيض من الأسود من الحقيقة، وانكشاف السر سيدور الأمريكيون قيادة وشعبًا في فلك اللامعقول متجسدًا في نظرية "الكائنات الفضائية" على أمل صدور البيان الأول من مرسلي هذه الكائنات، لإراحتهم وطمأنة قلوبهم الملتاعة القلقة.