"الإسكندرية" أول مدينة دوارة تستحق.." 2-2"

12-2-2023 | 14:19

شاء قدر مدينة الإسكندرية أن تظل على موعد متواصل مع التحديات في ماضيها وحاضرها، برًا وبحرًا وسماء، فكما حفل ماضيها، بالتحولات والصراعات ومحاولات الهيمنة منذ تأسيسها على يد الإسكندر الأكبر، فإن حاضرها لا يخلو من التحديات والمخاطر الطبيعية مناخًا وبشرًا، من الداخل والخارج، وبينهما أساطير وشهادات الزائرين والعابرين من الإغريق والرومان والعرب.

جاءت فعاليات "يوم البيئة الوطني" الشهر الماضي، بتنسيق المكتب العربي للشباب والبيئة، سنويًا، ليتبني ترشيح مدينة يتم اختيارها من بين المحافظات، وتم ترشيح أول مدينة في إفريقيا، وأول عاصمة لمصر وهي مدينة "الإسكندرية" لكي تكون مدينة يوم البيئة الوطني مع نهاية يناير المقبل 2024، والاختيار هنا ليس لتميز أهمية المدينة التاريخية فقط، بل أيضًا لتعدد وتنوع المخاطر التي تأتيها من كل اتجاه.

أولى المخاطر هي مياه البحر، نتيجة ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، محدثة ذوبان الجليد عند القطب الشمالي؛ ليتحول هذا الذوبان إلى مياه تزيد حجم المياه على الكوكب، ومن بينها البحر المتوسط، ويرتفع منسوبها كل عام مهددًا الشاطئ، ولا تقف أمام هذه المياه الهادرة، أو تمنعها آية برامج للحد من خطر المياه، أو خطط للحماية والتكسية للساحل، فهي تتعامل مع المشكلة بشكل مؤقت فقط، لكنها لا تعالجها في الأساس، أما المخاطر المحلية أو الأرضية والتي تأتي من البر فحدث ولاحرج، فقدرها أن تواجه "بانوراما" من التلوث بكافة أشكاله وأنواعه، الصناعي والزراعي، وبينهما الصرف الصحي.

تاريخيًا، تعرضت مدينة قديمة عند أبي قير للإطماء، ثم اختفت وغاصت تحت مياه خليج أبوقير، وأيضا مدينة الإسكندرية التي كانت حاضرة البحر بمبانيها ومعابدها، ابتلعتها مياه البحر، وكانت أسفل مياه الميناء الشرقي ما بين قلعة قايتباي وما يطلق عليه اللسان، وغاصت المدينتان تحت تأثير المياه وسطوة البحر، وهو ما نقلته لنا عمليات التنقيب، وحملت لنا عملات وآثار الغابرين، وفي أبوقير تم العثور على مخلفات أسطول نابليون الذي أغرق الأسطول الإنجليزي وهو قابع في الخليج، ويسجل التاريخ، عند مياه البحر أمام نصب الجندي المجهول بالمنشية، أن هناك أطلال مدينة الإسكندرية القديمة.

ما يهمنا هنا هو الحاضر والمستقبل، والتخفيف من تحديات المناخ وتحولاته، ولنبدأ بالمياه، وما يمكن فعله هو الوقاية من تزايد حجم المياه القادمة من السماء وهي الأمطار الغزيرة التي تحملها، أو ما يعرف بـ "النوات" واعتدنا على تصريفها في البحر.. لتكتمل مأساة المدينة برًا وبحرًا، يحدث هذا والمدينة تعاني من مشكلة أزلية مناخية هي الزيادة السنوية المستمرة بارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط، وتعرض شواطئها للتآكل والاجتياح، وكأننا نرفع مستوى الخطر القادم من البحر، بدلا من تقليله أو معالجته.

والتساؤل الذي يطرحه د. حسين محمد أباظة المستشار الدولي للتنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، ورئيس برنامج الأمم المتحدة للاقتصاد والتجارة الدولية "سابقًا"، في كلمات معبرة هو، كيفية "تحويل الضرر إلى منفعة"، موضحًا أن مؤشرات طقس الإسكندرية دائمًا تحذر من تعرض المحافظة لموجة من الطقس السيئ وسقوط أمطار، التي تتزايد كمياتها مع تغيرات المناخ، ويرى ضرورة الانتهاء من تنفيذ مشروع فصل شبكة مياه الأمطار عن شبكات الصرف الصحي بشكل كامل، لتعجيل الاستفادة من مياه الأمطار وتحويلها إلى المصارف لإعادة استخدامها في الزراعة والاستخدامات الأخرى، والأهم ألا تذهب إلى البحر حتى لا تساهم في زيادة منسوب مياه البحر. ويري د.أباظة، أهمية الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة في تشغيل المشروعات الجديدة بالمدينة بما يتواءم مع الحلول الآمنة للبيئة، مثل تحلية المياه، وتدوير المخلفات، والتخلص الآمن من المخلفات الصناعية السائلة منها والصلبة، حتى نستطيع أن نزعم أن الإسكندرية مدينة دائرية خضراء.

وتركز د.منال فوزي رئيس لجنة الإنسان والمحيط الحيوي باللجنة الوطنية المصرية لليونسكو "M.A.B."، على معالجة نحر الشاطئ باستخدام مواد صديقة للبيئة، وليس المواد والوسائل التقليدية التي أثبتت عدم جدواها أمام المخاطر المتزايدة، إضافة إلى تفاقم التلوث بسبب الصرف الصناعي والصحي، وارتفاع منسوب بحيرة مريوط  جنوب المدينة، والحمد لله، تم إعادة تأهيل محطتي الصرف الصحي "محطة التنقية الشرقية والغربية"؛ حيث يتم حاليًا معالجة مياه الصرف الصحي ابتدائيًا وثانويًا، ولذلك، وخلال السنوات الست الماضية، شهدت مياه البحيرة تطورًا جيدًا، وكذلك تم تطهيرها من الكثير من النباتات التي كانت تعوق الملاحة، والاعتماد أكثر على الطاقة الشمسية، وفصل القمامة من المنبع وإعادة تدويرها والاستفادة منها.

وحول مصدات المياه وتكسية الشاطئ، ترى رئيس لجنة ("M.A.B.")، أنه يمكن محاكاة تجربة بعض الدول التي تستخدم مصدات للأمواج، يتم صنعها من مادة أسمنتية مخلوطة بصدف المحاريات، ولها شكل هندسي مجوف يصد الموج، ولا يبلى أو يتآكل بسرعة، كما يحدث للأسمنت أو الطبقات الصخرية، ومسالة معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة الاستخدام هي أهم توجه بحثي، نعكف على بحثه في اللجنة مع مجموعة من الخبراء والباحثين، في معمل التقنيات الخضراء باستخدام مواد صديقة للبيئة منخفضة التكلفة.

لعل من المعنيين والمهتمين والخبراء بالشأن السكندري أن يقدموا الحلول والمقترحات فالمدينة تستحق.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة