باتت مشكلة ضرب الزوجات أزمة تهدد السلم الاجتماعي مع تزايد أعداد الدعاوى القضائية المتعلقة بها في ساحات المحاكم، ووصول بعض حالات الاعتداء إلى القتل الخطأ والعاهات المستديمة، واستمرار التصورات الدينية الخاطئة حول إباحة ضرب الزوجة الناشز.
موضوعات مقترحة
وتصاعد الجدل خلال الأيام الماضية حول ضرب الزوجات وموقف الإسلام منه، خاصة بعد أزمة الفنانة علا غانم الأخيرة مع زوجها، حيث استغاثت الفنانة بالمجلس القومي للمرأة، لحمايتها من زوجها الذي تعدى عليها بالضرب والسحل وطردها من منزلها، على حد قولها.
8 ملايين سيدة تتعرضن للضرب
ويعد العنف ضد المرأة واحدا من أكثر انتهاكات حقوق المرأة انتشارا واستمرارا، ومن أكبر المشاكل التي تواجه المجتمعات الحالية، وهو عنف قائم على أساس النوع الاجتماعي وغالبا ما ينظر إليه على أنه آلية لإخضاع النساء.
وهناك نحو 8 ملايين سيدة مصرية تتعرضن للعنف، و86% من الزوجات يتعرضن للضرب من الأزواج، بحسب الإحصائية الأخيرة للمجلس القومي للمرأة، وذلك على الرغم من محاولات الدولة الدائمة لوقف هذه المشكلة وسن التشريعات والقوانين.
ضرب الزوجات السبب الأول لزيادة حالات الطلاق
والإحصاءات الرسمية تكشف أن هناك حالة طلاق كل دقيقتين في مصر، وبلغت نسبة حالات الطلاق قرابة 50% من إجمالي حالات الزواج الجديدة، ويعد العنف الأسري وضرب الزوجات من الأسباب الرئيسية التي تدفع نسبة غير قليلة من النساء إلى السعي لطلب الطلاق أو الخلع.
ويشير علماء النفس والاجتماع، بأصابع الاتهام لوجود ظاهرة ضرب الزوجات، إلى المؤسسات الدينية باعتبارها ترسخ قناعة لدى الرجل بأنه صاحب الحق في الاعتداء بالضرب على زوجته وأبنائه لتأديبهم، على الرغم من أن القرآن الكريم لم يبح الضرب، وهناك فهم خاطئ لبعض الآيات، ويولد الضرب العنف الأسري، ويزيد الفجوة بين الزوجين مما يزيد حالات الطلاق والخلع.
ويرجع الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية، سبب وجود ظاهرة ضرب الزوجات، إلى التنشئة الذكورية وتربية الرجل على إباحة الضرب حتى أصبح متشبعًا بثقافة العنف والضرب، وهم غير مدركين للفهم الحقيقي للزواج وكيفية تكوين أسرة سليمة.
ضعف عقوبة ضرب الزوجات
وأصبح ضرب الزوج لزوجته من الأمور التي تسبب لها أذى نفسيًا ينعكس سلبًا على الأسرة والأطفال، مما يؤدي إلى دمار العائلة، وزيادة الفجوة بين الزوجين وكسر كبرياء المرأة يجعل الأطفال يقومون بتقليد والدهم، كما نرى الحوادث المأسوية التي تحد هذه الأيام، ويؤكد "هندي"، أن ضعف العقوبة هو من أحد الأسباب القوية في استمرار ضرب الزوجات واستخدام العنف ضدهم.
عقوبة ضرب الزوجة بالقانون
وينص القانون، على عقوبة ضرب الزوجة والتي تبدأ من 6 أشهر إلى سنة أو سنتين أو أكثر حسب الضرب الذي تعرضت له والأداة المستخدمة وحجم الضرر الواقع عليها ونية الشخص نفسه، وعلى سبيل المثال إن كان غرض الزوج من الضرب إجهاض الحمل أو الموت أو غيره، كما يتم فرض غرامة مالية بحد أدنى 200 جنيه، ويمكن للزوجة المتضررة أيضا طلب التعويض، بحسب ما أكده محمد طايع محامي متخصص في الأحوال الشخصية.
والمادة 266 تنص على: "كل من أحدث عمدًا جرحا أو ضربا بزوجته يعاقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات إذا لم ينشأ عن الجرح والضرب أي مرض أو عجز كلي عن العمل يفوق 15 يوما، أو بالحبس من سنتين إلى 5 إذا نشأ عجز عن العمل يزيد على 15 يوما، وقد تصل العقوبة إلى 20 سنة إذا أفضى الضرب إلى بتر أحد الأعضاء أو الحرمان من استعماله، ويدان الفاعل بالمؤبد إذا أدى الضرب إلى الوفاة دون قصد إحداثها، أما المادة 333، تعاقب بالحبس من شهرين إلى 6 أشهر، وبغرامة مالية كبيرة".
تربية الرجل على إباحة ضرب الزوجة
ويؤكد استشاري الصحة النفسية، أن العديد من الرجال يقيسوا الضرب على أنه يزيد من رجولتهم أمام الزوجة بأنه الأقوى، ويروا أن عقاب المرأة في أي نوع من أنواع الخلاف هو الضرب والإهانة لها، وغالبا ما يكون هؤلاء الأشخاص "ساديين" ولديهم نرجسية مفرطة وليس لديهم قدرة على تحمل المسئولية، ويهربون من ذلك بضرب زوجتهم.
وهناك مفهوم خاطئ للزواج في المجتمع المصري لابد من تصحيحه، حيث يوضح الدكتور وليد هندي، أن الزواج شراكة وليس صراعًا، وحتى تنجح الشراكة لابد من الحفاظ عليها، ونجاح العلاقة الزوجية يجعل الأسرة ناجحة وسوية نفسيا، أما فشلها يعرض الطرفان للخسارة ويشرد الأطفال، لذلك لابد من وجود احترام متبادل بين الطرفين.
مطالب بتغليظ عقوبة ضرب الزوجات
ويطالب استشاري الطب النفسي بتغليظ عقوبة ضرب الزوجات، موضحًا أن تقبل المرأة للضرب المتكرر يجعلها سببا في تكرار العنف، فلابد أن تدرك الزوجة أنه لا يجب أن تعود زوجها على ضربها، وعلى كل زوجة أن تأخذ موقفا حاسما إذا ضربها زوجها لمنع تكرار ذلك، كما يجب على المؤسسات الدينية تجديد الخطاب الديني، وتغيير قناعة الرجل بأنه صاحب الحق في الاعتداء على زوجته، وأن المرأة يجب تكريمها وليس إهانتها.
الفهم الديني الخاطئ لضرب الزوجات
هناك فهم خاطئ لبعض الآيات القرآنية حول ضرب الزوجات، ويؤكد الدكتور مبروك عطية الداعية الإسلامية، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب في حياته كلها نساءه رضي الله عنهن أو حتى خادمًا، فالرسول كان دائمًا ينهي عن الضرب، وأما ما ورد من قول الله تعالى "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ"، فتلك مراحل تأديب الزوجة الناشز.
من هي الزوجة الناشز؟
الزوجة الناشز هي من لا تطيع زوجها فيما يجب عليها طاعته شرعًا، كالخروج من المنزل بغير إذنه لغير حاجة، والامتناع عنه قصدا بغير عذر، ولكن ضرب الزوجة الناشز هناك مفاهيم خاطئة عنه، لأنه لا يقصد الضرب بالمعنى المعروف عنه.
وتم وضع ضوابط وشروط للضرب عند الضرورة، فيجب على الزوج أولا الوعظ، ثم الهجر في المضجع، والضرب غير المبرح يأتي أخيرًا، وله شروط وهي:
- ألا يسبب الضرب أثرًا جسديًا أو معنويًا.
- لا يكون على الوجه.
- أن لا يكون على الرأس، لأن الرأس بها كل مراكز الإحساس بالجسم.
- أن لا تنزف دمًا.
- أن لا يترك أثرًا من احمرار أو ورم.
ويكون الضرب بالتلويح مثلا بالسواك أو قلم رصاص أو فرشاة أسنان دون أذى أو ألم، ويكون بعد استنفاد جميع الطرق بالوعظ والإرشاد والهجر في المضاجع، ثم يأتي الضرب بهذه الشروط، أما الاعتداء على الزوجة أو ضربها فلا يجوز شرعًا، فيؤكد "عطية" أن ما نراه الآن هو أمر يشبه الشروع في القتل، ومن يقوم بذلك فهو مجرم، وهذا أمر لا يقره الإسلام، بل لابد من حبس كل من يعتدي على زوجته بالضرب المبرح.
الآثار النفسية لضرب الزوجات
ويتسبب العنف ضد المرأة في مشاكل طويلة المدى وتأثيرات على الصحة البدنية والنفسية، ويؤكد "هندي"، أن العنف ضد المرأة وضربها لا يؤثر على النساء المعنيات فحسب، بل يطول أيضًا أطفالهن وعائلاتهن وحتى المجتمعات نفسها.
ويؤكد الدكتور وليد هندي، أن المرأة التي تتعرض للعنف تكون أكثر عرضة للأمراض النفسية، مثل، الاكتئاب والقلق أو التفكير بالانتحار، وهذه الأمراض النفسية لا يمكن الاستهانة بها، بل تحتاج إلى علاج نفسي، ومن الآثار السلبية الأخرى :
- انعدام الثقة بالنفس
- الانزواء والانكفاء على نفسها
- الانفصال والعزلة وقطع العلاقات العائلية أو الخوف من العلاقات الاجتماعية والزواج.
- تأثير سلبي على السلوك النفسي، مثل شرب الكحول أو الإدمان وتعاطي المخدرات.
- الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، وهو اضطراب يحدث نتيجة لتعرض الإنسان لموقف مروع في حياته.
- التوتر المزمن، وصعوبات في النوم، وتقلبات مزاجية.
- العنف يسبب تشتيت قدرة المرأة على التفكير السليم.
- عدم القدرة على التكيف النفسي والشعور بعدم الرضا تجاه حياتها.
- الإصابة بضعف الشخصية، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات أو التخطيط على المدى البعيد.
- التأثير على نمط الحياة والعمل ووقوع المشاكل في العمل أو فقدان الوظيفة.
- وتصاب المرأة بسبب العنف بنوعين من القلق، الأول عبارة عن حالة من القلق المزمن والعام الذي لا يفارقها خلال يومها، والثاني قد يصيبها على شكل نوبات قوية من القلق بسبب العصبية التي تسيطر عليها.
- الاكتئاب، ولا يمكن الاستخفاف في اكتئاب المرأة المعنفة، فهو في الغالب يفوق كونه مجرد حالة، بل يصبح مرضا متأصلا في الغالب، لذا من الضروري توجيهها للعلاج.
- ظهور الميول الانتحارية عليها.
- الإصابة باضطرابات الإجهاد اللاحقة للصدمة.