فاجأنا غضب الطبيعة بفورة حادة، ففجر جذورنا الإنسانية.
إننا جميعا من أصول واحدة، بل من أب واحد وأم واحدة (آدم وحواء)، وأن الاختلاف في ألواننا وأجسامنا وثقافتنا وأدياننا، ما هو إلا أساس، جعله الخالق لنتعارف ونتدارس أمورنا، ونتحدى الطبيعة ونتعاون إنسانيا، لكي تختفي الحروب، ويتم التمسك بالحياة، وتخفيف آثار الكوارث، إذا لم تولد الأحداث الجسام، فإننا فعلا سنصبح في حالة إنسانية مريضة، ستودي بهذا الكيان الضخم المعروف بالإنسان إلى التهلكة والضياع.
الزلزال المفاجئ الذي هز القشرة الأرضية على الحدود التركية - السورية (كهرمان مرعش)، ودمر المدن حتى القلاع (منطقة كاملة)، أصبحت في خبر كان، قلاع عمرها آلاف السنين، انتهت بين لحظة وأخرى، ذكرتنا الأحداث بيوم القيامة ونهاية الحياة الإنسانية ككل، لكنها وضعت أمامنا حقيقة مخيفة، عن ضرورة التعاون الإنساني، فهذه المنطقة تتعرض منذ أكثر من عقد لحرب أهلية طاحنة، عمودها الفقري انهيار الدولة السورية، هؤلاء الضحايا أغلبهم من سكان سوريا ومهاجريها، الذين فروا من الصراع هناك، كل المتابعين ذكروا أن الزلزال «مرعش» لم يحدث منذ الثلاثينيات في القرن الماضي، الهزة أصابت كل منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض، لأنها وصلت إلى لبنان وسوريا وفلسطين واليونان وقبرص وأرمينيا وجورجيا والعراق ومصر.
الزلزال أعاد تأثير المتغيرات المناخية، ووضع العقلاء أمام التفكير الجدي. وكيف أن العلم يحتاج أن يبذل جهدا أكثر للتخفيف من الصراعات الإنسانية، وأن يتجه إلى تحدي الطبيعة والتغيرات المناخية وتوفير بيئة إنسانية أفضل. فقد رأينا بأم أعيننا، ولمسنا بعقولنا تحرك جزء من القشرة الأرضية الخارجية من قارة إفريقيا، يصطدم بجزء من قارة أوروبا، لوحان متصادمان «لوح شمال إفريقيا، ولوح منطقة أوراسيا».
زلزال 2023، أسفر عن سقوط المنازل والقلاع في مدينة غازي عنتاب التركية، وامتد إلى مدينة حلب التاريخية في سوريا. وهزاته وصلت إلى عدة دول، ومازالت تتداعى هزاته، ويسجل آلاف الضحايا والخسائر، ويدمر الآثار والقلاع، المناطق السياحية التركية اهتزت في أضنة وملاطيا وديار بكر وشانلي أورفا وعثمانية، مدن نعرفها، الحياة تختفي فيها لعقود طويلة من الزمن، أنطاكيا في محافظة هاتاي مثالا، الأضرار والتكاليف سوف تفوق مليارات في دقائق، يتوقعون مليوني مهاجر سوري جديد، حالة مخيفة، تمر بها تلك المنطقة، التي شاهدت هذا الزلزال المخيف والمدمر.
وحدة الإنسان، وحدة المنطقة، وحدة العرب، تدفعنا وتدفع الشعوب إلى التعاون بدلا من التقسيم، حيث ظهر في الفترة الأخيرة استخدام سيئ للسوشيال ميديا، لتفجير صراعات وحروب بين الدول العربية، وليس تجفيف منابعها، فلنوفر بيئة خصبة للتعاون، إن الأحداث الجسام تفرض التعاون. وأن تتحرك المؤسسات العالمية، خصوصا الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، لكي تجعل المنطقة أفضل، وأن تساعد الأطفال والنساء والشيوخ الذين تضرروا بفعل هذه الكارثة الإنسانية الصعبة، لإعادة الحياة، وأن يساعد الإنسان أخاه الإنسان، ولا يكون عبئًا على الحياة. ولا تتحول الإنسانية وحياة الشعوب إلى طاردة للحياة والتعاون.
فاجأ الزلزال المنطقة العربية والشرق الأوسط، وحالة الحرب مستمرة، فهل ينتبه الجميع، إلى أوضاع الشعوب وإلي حالة الضعفاء والبسطاء، الذين أنهكتهم حالة الحرب التي جعلت حياة السوريين جحيما مستمرا منذ عقود، فهل نتخلص منها، ونعيد الوئام والتعاون بين شعوبنا، أم نترك حالة التردي المخيف لمن يدفعون منطقتنا إلى حرب جديدة لتشمل الجميع؟
يجب على عقلاء العالم أن يتعاونوا ويحلوا مشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن يحلوا صراعاتهم بين جيرانهم، بعقول متحضرة ورؤية مستنيرة، تقرأ واقع العالم، اليوم وصعوبات وتحديات الإنسان المعاصر التي ترفض الصراعات وتنبذ الحروب، بل تفرض التعاون الإنساني في كل المجالات، وهذا لا يمنع التنافس، لكن في ظل ابتكار الشركات والمؤسسات والأصول التي تفيد الإنسان، وتجمل الحياة لا تدمرها، فهل يستطيعون أن يقرأوا الواقع الجديد؟!