Close ad

جدديد المكتبة التاريخية.. المذاهب الدينية بالشام وأثرها السياسي والفكري خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة

7-2-2023 | 15:34
جدديد المكتبة التاريخية المذاهب الدينية بالشام وأثرها السياسي والفكري خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة صورة تعبيرية

يزخر التاريخ الإسلامى بالكثير من الأحداث التى كان لها أثر كبير فى تغيير مسار الأمة الإسلامية، بعضها كان سبباً فى حروب زعزعت عرى المسلمين، وأخرى كانت سبباً فى لم شملهم والحفاظ على الدين وترابط جماعة المسلمين.

موضوعات مقترحة

ومن تلك الأحداث ما وقع عام ( 41هـ/ 662م)، عندما تنازل الحسن بن على بن أبى طالب – رضى الله عنه- عن الخلافة لمعاوية بن أبى سفيان؛ وذلك لحقن دماء المسلمين وقطع الطريق على أهل الفتنة الذين يريدون إضعاف دولة الإسلام لذا سمى هذا العام بـ "عام الجماعة " .

الدكتورة مشاء الله شنشان ألقت الضوء على تلك المحاور من خلال كتابها "المذاهب الدينية في بلاد الشام وأثرها في الجانبين السياسية والفكري خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة 41ـ 300هـ/661ـ913م"الذي صدر مؤخرًا. 

بدورها تقول الدكتورة مشاء الله شنشان:"لقد تكون المجتمع الشامى من عدة أجناس، كانوا غالبيتهم من المسيحيين واليهود، سواء كانوا من العرب أو العجم، هذا بالإضافة إلى أعداد من النبط والسريان والسامرة، وهؤلاء السكان هم الذين شكلوا المجتمع الشامى قبيل الفتح الإسلامى لم يتمتعوا بالأمن والأستقرار والرخاء مثل الذى حصلوا عليه بعد مجئ الفتح الإسلامىـ وبعد الفتح الإسلامى لبلاد الشام انتشرت القبائل العربية المشاركة فى الفتح فى أرجاء بلاد الشام فى الجنوب والشمال والوسط وكانت أهم تلك المناطق الثغور الشامية فقد اولت عناية كبيرة من قبل الحكام والسكان".

وبعد استقرار المسلمين ببلاد الشام بذلوا جهودهم وطاقتهم فى ترسيخ مبدأ التوحيد، وبناء الدولة الإسلامية فى الشام" الخلافة الأموية " على مبدا الوحدة واجتماع كلمة المسلمين على كتاب الله، والابتعاد عن الفرقة والخلاف، ولكن كان من الضرورى إلقاء الضوء على أهم الأسباب التى أدت إلى الخلاف الفكرى بين المسلمين بالشام بدورها تقول الدكتورة مشاءالله شنشان أهم تلك الأسباب العصبية القبلية التي نشأت بين القيسية واليمنية  وقد حاول الخلفاء الأمويون الأوائل القضاء على تلك الفتنة بعدة وسائل ولكن فى نهاية الدولة الأموية لم يستطع الخلفاء السيطرة عليها بل كان بعضهم سبباً فى حدتها فأصبحت خطراً يهدد أمن الخلافة وأدت فى نهاية المطاف إلى سقوط الخلافة الأموية.

وتضيف الدكتورة مشاء الله شنشان:"باعتبار الشام جزءاً من الصراع على الحكم الذى تم بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان –رضى الله عنه- ، ولقد انتهى ذلك الصراع بتنازل الحسن بن على – رضى الله عنه-  عن الحكم وقيام الخلافة الأموية بالشام فترتب على ذلك وجود عدد من العناصر لا ترضى عن الحكم الأموى، فأدى ذلك إلى نشأة العديد من الخلافات الفكرية بين المسلمين حول السلطة والخلافة وكانت الشام جزءاً من ذلك الصراع باعتبارها مركز الحكم، كما وجد مع اتساع الدولة الإسلامية نتيجة الفتوحات ودخول الكثير من الأمم و الشعوب فى الإسلام التي حملت معها معتقداتها وأفكارها السابقة سواء كانت اجتماعية أو دينية وقد تأثر بعض المسلمين بتلك الشعوب وبثقافتهم مما ترتب عليه نشأة خلاف بين المسلمين حول بعض المشكلات الفكرية والعقائدية التي طرحوها مثل الجبر والاختيار، والذات الإلهية وغيرها؟".

ورصد الكتاب المذاهب السنية ببلاد الشام ومنها مذهب الإمام الأوزاعى الذى استمر ببلاد الشام  قرنين ونصف من الزمان، انتشر خلالها المذهب بكل قوة، كما أنه انتشر خارج بلاد الشام  بالأندلس واستمر بها فترة من الزمن، فنجد أن ذلك المذهب أثرى الحياة الفقهية، ولما كان  الأوزاعى شامى النشأة عاش ومات بها فقد تأثر بمجتمعه فجاءت معظم آرائه مناسبة للمجتمع الذى عاش وترعرع فيه، كما أن الشخصية التي تمتع بها الأوزاعى كان لها أثر كبير فى نفوس معاصريه من المسلمين وغير المسلمين، فقد استطاع فرض سيطرته الروحية والقومية على أبناء مجتمعه ، وتلك الشخصية جعلت الأوزاعى صاحب كلمة مسموعة عند الخلفاء والولاة، فقد كان مهاباً عظيم القدر، كما أثّر الأوزاعى ومذهبه على المجتمع الشامى بجميع فئاته، وكان له دور فى عدم وجود تنافر عقائدى أو دينى يفكك روابط المجتمع الشامى.

وقد ساهم الأوزاعى فى وضع قواعد وأسس القانون الدولى فى الحروب والمعاهدات وذلك من خلال مرابطته فى الثغور فجاءت معظم آرائه الفقهية ملامسة للواقع عكس غيرها من المذاهب الأخرى وقد أيد ذلك الشافعى فى كتابه " الأم"، وللمذهب أهمية اختلف بها عن غيره من المذاهب فقد عالج وتعرض للكثير من القضايا التي لم يتعرض لها أحد من قبل، وجاءت فتاوى الأوزاعى من وقائع حدثت بالفعل، أو من المتوقع حدوثها فى المستقبل أو عن وقائع من المستحيل حدوثها.

كما تناول الكتاب مذهب سنى أخر انتشر ببلاد الشام وهو " مذهب الشافعى" وكان من الدوافع والأسباب التي ساعدت على انتشار المذهب الشافعى ببلاد الشام شخصية الشافعى وكثرة رحلاته وتنقلاته فجاء إلى الشام عدة مرات ، وكذلك المحتوى الفقهى للمذهب الذى تشاركه الشافعيون فى الشام ، وكذلك دور الملوك والحكام فى نشر المذهب وقيام قاضى مصر والشام"أبى زرعة" بتقديم تحفيزات ومكافآت مقابل حفظ مصنفات المذهب.

واهتمت الدراسة بالحديث عن أهم الفرق المذاهب الدينية غير السنية   التى انتشرت ببلاد الشام ومنها الخوارج، الشيعة،القدرية، المرجئة، الجهمية، والمعتزلة، والكرامية.

وعلى الرغم من وجود مثل هذه الفرق الدينية فى بلاد الشام ، إلا أنها لم تنتشر، وظلت على نطاق محدود، وغالبية أهل الشام سنة، وذلك بسبب السياسة الدينية التى طبقها فقهاء الشام ومفتوها وقراؤهم حيث رأوا أن أسلم السبل للحفاظ على الجماعة اتباع السنة، فكانت السنة فى البداية تعنى لهم سيرة النبى ﷺ أقواله وأفعاله؛ لكن ذلك المفهوم اتسع على يد الإمام الزهرى عندما دخل الشام عام (82هـ/ 701م) فصارت السنة تعنى ما يشبه أن يكون الماضى كله الصحابة والتابعين.

كما تتناول الكتاب الحديث عن فرقة الصوفيةفنجد أن بلاد الشام كانت مركزاً من المراكز التىاحتضنت مجاهدة النفس والأخلاق للزهاد والصوفيين من جميع الأقطار الإسلامية كما ساهمت فى تطويره مما يتفق مع سكانه من حيث الزمان والمكان والموروث الفكرى والحضارى، كما حمل الزهاد على عاتقهم المشاركة فى التقليل من حدة إقبال المجتمع على الدنيا وزينتها، وترويض النفس على التخلي عن الصفات الذميمة والتحلى بالأخلاق الحميدة، كذلك تحرير النفس من الانتماءات السياسية والطائفية، وتجاوز قيود المذهبية ضيقة الأفق ، فنجد فى بداية القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى انتشرت حركة الزهد والتصوف انتشاراً واسعاً فى الشام، مما جعلها تجتذب جميع الذين أرادوا أن ينأوا بأنفسهم عن الصراع السياسى والعقائدى من جميع الأقطار الإسلامية.

وتطرق الكتاب للحديث عن أهم الخلافات والمناظرات المذهبية التى نشأت بالشام أثناء تلك الفترة فتعتبر المناظرات ظاهرة علمية مثلت أحوال المجتمع السياسية والثقافية والدينية, وجاء نمو المناظرات نتيجة نمو الحركة العلمية, ففى العصر الأموى جاءت المناظرات بسبب التحولات السياسية التي ظهرت فى المجتمع الإسلامي آنذاك مثل قضية الخلافة وولاية العهد وما أثير حولهما من جدل. ونتيجة اهتمام الخلافة الأموية بتلك القضايا، فأن الأطراف المتناظرة وضعت نصب أعينها إثبات صحة أدلتها، أما المناظرات العلمية فهى مرآة العصر ودليل تطوره.

وعند الانتقال إلى العصر العباسى نجده امتاز بالصراع الفكرى الذى وقع فى أواسط الفرق الإسلامية المختلفة, فالفرق الكلامية كان لها الفضل فى شيوع فن المناظرة ، لأنهم أتخذوا من الجدل وسيلة لنشر أفكارهم وآرائهم ، كما أن مجالس الخلفاء لعبت دوراً مهماً فى تنشيط تلك المناظرات, فكان فن المناظرات ومجالس الخلفاء فى العصر العباسى انطلاقة حضارية واستجابة للثقافة من ناحية الأغراض ، والمعانى ، وأساليب التعبير.

كما أن تشجيع الخلفاء للمتناظرين وامتزاج الحضارة الإسلامية بالثقافات الأخرى، ونشاط حركة الترجمة إلى اللغة العربية كان له أكبر الأثر فى تطور وحدوث الخلافات بين المسلمين، وعلى الرغم من ذلك كانت المناظرات المرآة التي عكست لنا مدى الرقى العقلى الذى وصل إليه الفكر العربى، ذلك العصر الذى يعد ازهى عصور الحضارة الإسلامية ، فحلقات المناظرات كانت تجمع علماء ومفكرين يتناولون العلوم والفنون المختلفة, ويتعرضون لمختلف الثقافات،كما أن انضمام طلبة العلم إلى تلك المناظرات فى المجالس التى عقدت فى المساجد أسهم بشكل واضح فى تطوير الفكر، وفى كثرة المهتمين بالعلوم الذين ما فتئوا يتحلقون حول العلماء من أهل المناظرة.

كما أن تلك المناظرات جذبت فئات مختلفة من المجتمع، فنجدهم تناظروا فى شتى المجالات الاجتماعية والفكرية والفقهية نتيجة التغيرات التي طرأت على المجتمع فى ذلك الوقت.

وكان يشترط على المتناظرين نصاعة الحجة وتدعيم آرائهم بالأدلة والبراهين، ويعد ذلك مظهراً متقدماً فى مجال التطور العقلى.

وجاء الفصل الاخير للكتاب كمحاولة لتتبع التطور فى الحياة العلمية والثقافية وأثرها على عدد من علوم المسلمين فى بلاد الشام خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة مثل علم الفقه والحديث والكلام،  ورصد أبرز الإنجازات فى هذا المجال من خلال أبرز العلماء فى كل علم حيث كان لهم الأثر الأكبر فى نشر تلك العلوم والإضافة إليها وتوصيلها للأجيال اللاحقة بشكل أفضل يمكن الأعتماد عليها والإضافة إليها.

  1. والكتاب الذى نشرته " دار تموز ديموزى السورية" كان فى الأصل أطروحة للباحثة مشاءالله شنشان  للحصول على درجة الدكتوراه فى التاريخ الإسلامى من كلية الآداب جامعة طنطا، وفى النهاية نجد أن الاختلاف بين المسلمين لم يتناول أساس الدين، بمعنى أن اختلافهم لم يكن على وحدانية الله تعالى – والاعتراف بالنبوة- ولا اختلاف فى أن القرآن نزل من عند الله، لكن الاختلاف كان حول السياسة وشئون الحكم.

كتاب المذاهب الدينية في بلاد الشام وأثرها في الجانبين السياسية والفكري خلال القرون الثلاثة الأولى منكتاب المذاهب الدينية في بلاد الشام وأثرها في الجانبين السياسية والفكري خلال القرون الثلاثة الأولى من

الدكتوره مشاء الله شنشان الدكتوره مشاء الله شنشان
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: