تواصل "بوابة الأهرام"، مناقشة محددات الموازنة العامة للدولة 2023 / 2024 في ضوء تكليف الرئيس السيسي للحكومة بإجراء حوار مجتمعي حول مشروع الموازنة والاستفادة من رؤية الخبراء والمتخصصين، لإعداد هذه الموازنة التي تأتي في ظروف استثنائية، حيث تعصف بالعالم تداعيات أزمة اقتصادية قاسية، تتطلب مراجعة لأوجه الإنفاق تتناسب مع التداعيات السلبية التي خلفتها الأزمة على الاقتصاد المصري، وربما يكون مصطلح "التقشف" هو الأنسب في هذه المرحلة الحرجة التي يتوجب اتخاذ كل ما من شأنه توفير الموارد وحسن استغلالها في مشروعات وخدمات تدر عائدًا إضافيًا يحقق متطلبات واحتياجات المواطنين.
موضوعات مقترحة
"بوابة الأهرام"، تناقش في التحقيق التالي أوجه ترشيد الإنفاق، وإمكانية اتباع سياسة تقشّف حكومية، تساهم في تعظيم الإيرادات التي كانت تُقدّر في الموازنة الحالية بنحو تريليون و518 مليار جنيه، في الوقت الذي تُقدّر المصروفات بنحو 2070 مليار جنيه، لتكون الموازنة العامة للدولة أمام عجز بين الإيرادات والمصروفات يُقدّر بنحو 552 مليار جنيه، وإذا كنا أمام موازنة جديد استثنائية في ظروف استثنائية فإن الأمر يُحتّم القيام بترشيد مدروس في الإنفاق حيث حذّر خبراء الاقتصاد في حوارهم لـ"بوابة الأهرام"، من المساس بثلاثة بنود في الموازنة، قالوا إن ترشيد الإنفاق فيها "غير متاح"، ليبقى التوجه إلى "الدولاب الحكومي، وتفريغه من مصروفات وصفها الخبراء بأنها ثانوية، وأخرى استنكروا حجمها ومنها على سبيل المثال مكالمات الحكومة التي وصلت تكلفتها بـ300 مليون جنيه.. وفق مع أكده أحد الخبراء.
تآكل 75% من موازنة مصر
الدكتور رشاد عبده، الخبير الإقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، يرى أنه من حيث المبدأ، لا يمكن للحكومة تطبيق سياسة التقشف أو ترشيد الإنفاق معللًا ذلك بأن نسبة 75% من موازنة مصر مخصصة لسداد فوائد الديون، وأجور العاملين، وتوفير الدعم والمزايا والمنح للمواطنين.
عامل يصرف راتبه
المصريون يعيشون على 25% فقط من الموازنة
ويضيف رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، أن المصريين يعيشون على 25% فقط من الموازنة، فإن كنا أمام إيرادات بنحو تريليون و518 مليار جنيه أي (1518) مليار جنيه فإن المصريين يعيشون على 25% من هذه الإيرادات والتي تمثل نحو (379.5) مليار جنيه فقط، ويذهب المتبقي وهو 1138.5 مليار جنيه لسداد فوائد الديون، وأجور العاملين، وتوفير الدعم والمنح والمزايا للمواطنين.
الممنوعون من سياسة التقشف في موازنة 2023 - 2024
يقول رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، الحكومة لديها تقشف بالفعل، فهي تدير احتياجات الدولة والشعب بـ25% فقط من الموازنة وإن كانت هناك بنود يمكننا ترشيد الإنفاق فيها، فالمؤكد أن هناك ثلاثة بنود يُحظر التقشف فيهم، وهي: فوائد الديون، وأجور العاملين، والدعم والمنح والمزايا.
العملة الأجنبية
دعم الطاقة
ويشير الدكتور رشاد عبده، إلى دعم الطاقة بأنه يمكن الترشيد فيه أو تخفيضه فيما لا يمكن للحكومة المساس بدعم الخبز الذي يستفيد منه 72 مليون مواطن.
مد العمل بعد سن الستين
يشير أيضًا الخبير الاقتصادي، إلى ظاهرة المد للعاملين، بعد بلوغهم سن الستين، فيقول هذه الظاهرة تستهلك أموالًا من مخصصات الموازنة، في مقابل حصول الدولة على طاقات أقل وإنتاجية منخفضة نظرًا لطبيعة هذه السن، فيما يمكن الاستغناء عن هذا المد، واستبداله بتعيين الشباب الذين يحصلون على نفس الأجر ولكنهم في المقابل سيوفرون للدولة إنتاجية أعلى نظرًا لطاقات الشباب العالية، حيث سن النشاط والعطاء بل والإبداع الذي تحتاجه الشعوب الطامحة إلى التقدم.
العملة الأجنبية
الضرائب والجمارك
وإن كانت الدولة تعتمد في إيراداتها بنسبة تصل إلى 80% على الضرائب والجمارك فقط، وهو ما وصفه الدكتور شريف الدمرداش، أستاذ الاقتصاد الدولي، بالخلل الذي تعاني منه هيكلة الموازنة العامة، والذي يتطلب تدخلًا عاجلًا لتداركه والعمل على إصلاحه، فأين بقية الموارد؟
تحديات أمام الحكومة
يقول الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، لهذا السبب يصعب على الحكومة الاعتماد على سياسة التقشف فقط، والتي لن تجيرها من جسامة حجم العجز بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة والمُقدّر بنحو 552 مليار جنيه.
الكفّة الراجحة في موازنة مصر
"لا مناص من زيادة الإيرادات"، هكذا يرى رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، الذي وصف الإيرادات بالكفّة التي يجب ترجيحها قائلًا: "آن الأوان لفتح ملفات الزراعة والصناعة والاستثمار، ودعمها بكل ما أوتينا من قوى بشرية، ومالية، ولوجستية، فضلًا عن البنية التحتية وتحسين بيئة العمل لجذب الاستثمار المحلي والأجنبي".
قطاع الزراعة
مسار العائلة المقدسة
ولترجيع كفّة الإيرادات، يقول رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، أحد الكنوز التي تملكها "أم الدنيا" مصر، هو مسار العائلة المقدسة الذي يضم 25 نقطة تمتد لمسافة 3500 ذهاب وعودة من سيناء حتى أسيوط.
مشروع قومي بعائد 100 مليار جنيه
ويرى الخبير الاقتصادي أن إحياء هذا المشروع القومي سيجلب للدولة إيرادات بنحو 100 مليار جنيه، كحد أدنى، باعتباره محورًا عمرانيًا تنمويًا يقوده قطاع السياحة، وتؤدي تنميته إلى تنمية المجتمعات المحيطة بطول المسار، قائلًا: "ليس شرطًا أن نبدأ بتجهيز كل نقاط المسار ويمكننا البدء تدريجيًا، المهم هو أن نبدأ".
مشروع تطوير مسار رحلة العائلة المقدسة بأسيوط
سنغافورة جديدة في مصر
وأحد كنوز "أم الدنيا" مصر، أيضًا بحسب رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، هو قناة السويس الجديدة، التي يقترح الخبير الاقتصادي الاستعانة بشركات تسويق عالمية متخصصة لتعظيم الاستفادة من هذا الكنز والترويج له وجذب الاستثمارات على أثره مما يجعل منها "سنغافورة جديدة"، في مصر .
قناة السويس الجديدة
الخطوط الحمراء في موازنة مصر
ويتفق الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد، مع رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، في استحالة المساس بالثلاثة أبواب السابق ذكرها في موازنة مصر، حيث الدعم والأجور وفوائد الدين.
125.6 مليار جنيه سلع وخدمات
إلا أنه يرى إمكانية تقشف الحكومة وترشيد الإنفاق في بعض البنود، منها على سبيل المثال، بند شراء السلع والخدمات، الذي خصصت له الحكومة في موازنة العام الحالي 2022-2023، مبلغ 125.6 مليار جنيه .
الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية
ارتفاع مخصصات السلع 21%
وبحسب البيان المالي عن مشروع الموازنة الحالية والموجه من وزارة المالية لمجلس النواب خلال دور الانعقاد الثاني، ارتفعت مخصصات بند شراء السلع والخدمات بنحو 21% عما خُصص له في العام المالي السابق 2021/2022، والذي بلغ 103.8 مليار جنيه.
مخصصات الدولاب الحكومي
ويمثل بند شراء السلع والخدمات، متطلبات دولاب العمل الحكومي، والتي تعود بالنفع على المواطن، كنفقات الأدوية والمستلزمات الطبية، والنقل والمواصلات، علاوة على نفقات الأغذية والمياه والإنارة، وكذلك الوقود والصيانة والبريد والاتصالات ونفقات الطبع كطبع الكتب المدرسية.
10.8 مليار جنيه تكلفة إنارة الشوارع
يقول الدكتور كريم العمدة، يمكننا ترشيد الإنفاق في هذا البند، وترتيب أولويات الإنفاق، لافتًا إلى أنه، على سبيل المثال، تبلغ تكلفة إنارة الشوارع 10.8 مليار جنيه: يمكننا ترشيد إنارة الشوارع والتوفير من هذا المبلغ".
الدكتور كريم العمدة أستاذ الاقتصاد
300 مليون جنيه تكلفة مكالمات الحكومة
أيضًا يشير أستاذ الاقتصاد، إلى نفقات أخرى في الدولاب الحكومي يمكن الترشيد منها وتطبيق سياسة التقشف، على سبيل المثال، تبلغ تكلفة مكالمات الحكومة 300 مليون جنيه،على حد قوله.. الرقم الذي تساءل عنه أستاذ الاقتصاد قائلًا: "لماذا؟".
إنارة الشوارع
المؤتمرات وبدل السفر
ويضيف أستاذ الاقتصاد إلى ذلك مصروفات أخرى يمكن للحكومة أن تتقشف فيها، منها الإنفاق على إقامة المؤتمرات الضخمة، وسفر الوفود إلى خارج البلاد والذي يُكلّف الدولة كثيرًا نظرًا لأعداد المسافرين، في حين أنه يمكن تخفيض هذا العدد ليكون 2 أو ثلاثة على الأكثر.
الحفلات والدعاية والإعلان
إضافة إلى الإنفاق على إقامة الحفلات، والدعاية، والإعلان، والاستقبال، وغيرها من أمور كثيرة في الدولاب الحكومي تدخل تحت بند المصروفات الأخرى والنثريات، قال أستاذ الاقتصاد عنها، إن التقشف فيها سيدعم موازنة مصر، وتحسين جودة حياة المواطنين في المجالات الأخرى التي سيتم توجيه هذا الفائض المالي لخدمتها، ومنها التعليم والصحة والغذاء.
شركات قطاع الأعمال العام
ويشير أستاذ الاقتصاد، في ترشيد الإنفاق، إلى شركات قطاع الأعمال، فيقول، على سبيل المثال، تضم الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، 25 شركة، تخدم 27 محافظة، لافتًا إلى عشرات الشركات القابضة في المجالات الأخرى، متسائلًا: "لماذا كل هذا العدد؟".
دمج الشركات
ويقترح الدكتور كريم العمدة، دمج هذه الشركات إلى 4 أو 5 شركات بدلًا من 27، مع الاحتفاظ بالعمالة والتقليص من عدد القيادات ورؤساء مجالس الإدارات التي يمثل هيكل أجورهم تكلفة مالية يمكن ترشيدها.