تواصل "بوابة الأهرام " مناقشة محددات الموازنة العامة للدولة 2023 - 2024 في ضوء تكليفات الرئيس السيسي للحكومة بضررة إجراء حوار مجتمعي حول هذه الأزمة التي تأتي في ظروف استثنائية محليا ودوليا إذ يمر العالم بمتغيرات اقتصادية عنيفة ألقت بظلال قاتمة على اقتصاديات العديد من الدول ومن بينها مصر ويأتي التضخم أحد أهم التداعيات التي تؤرق الشعوب، ولعل التكليف الرئاسي كان واضحا بشأن مراعاة الآثار السلبية للتضخم على المواطنين في الموازنة الجديدة من خلال التوسع في البرامج الحمائية وتوسيع مظلة الدعم والمساندة للأسر الأكثر احتياجا، وفي هذا السياق طرح خبراء تحدثوا لـ "بوابة الأهرام" مجموعة من الأفكار والمقترحات للسيطرة على التضخم من خلال سياسات اقتصادية تدعم التوجه الإنتاجي وتحد من الاستيراد، وكذلك تتبني الموازنة الجديدة مجموعة من المحفزات للصناعة والتصدير، وذلك بما يفتح الباب أمام قطاع إنتاجي وطني يوفر احتياجات السوق المحلية ويساهم في زيادة الصادرات المصرية للخارج وهو ما يخفف الضغط على الدولار.
موضوعات مقترحة
التضخم وارتفاع الأسعار
ويعني ارتفاع معدل التضخم، زيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية مثل الأطعمة والطاقة والنقل والملابس، ما يؤدي بدوره إلى رفع تكلفة المعيشة، خلال فترة زمنية معينة، وجعل النقود التي تملكها، تشتري لك كمية أقل من المعتاد من سلعة ما.
منظمة العمل الدولية
ووفق منظمة العمل الدولية، بلغ معدل التضخم السنوي على مستوى العالم أكثر من الضعف خلال الفترة من مارس 2021 إلى مارس 2022، وبلغ معدل التضخم في مارس 2022 نسبة 9.2%، مقارنة بـ 3.7% أثناء الشهر ذاته العام الماضي.
وقبل أن نبحث عن سبل مواجهة التضخم، أو ارتفاع الأسعار، علينا أن نسأل.. ما السبب الرئيسي في هذا الارتفاع؟
يقول الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، التضخم نتيجة لأسباب داخلية وخارجية، لافتًا في الأسباب الخارجية إلى عدة أزمات عالمية، منها جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية.
جائحة كورونا
وغيرت جائحة كورونا سلوكيات الناس، واحتياجاتهم وأولوياتهم، التي بات في مقدمتها مستلزمات الوقاية الطبية من الفيروس مثل الكحول والكمامة والقفازات وأدوات المنظفات المنزلية، فضلًا عن اسطوانات الأكسجين، مما شكّل تكلفة إنفاق أعلى على الناس، وكذلك على الدولة التي ضاعفت كميات هذه المستلزمات، ووفرتها رغم الأزمة، إضافة للإنفاق على المستشفيات والجيش الأبيض الذي كان ولا يزال بطل هذه الحرب ضد الفيروس.
الحرب الروسية الأوكرانية
ونتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، تأثرت السياحية في مصر، نتيجة أن 34.5% منها، تأتي من أوكرانيا، مما أدى لانخفاض الإيرادات في الموازنة العامة للدولة، وفي المقابل ارتفعت الفاتورة، فمصر أكبر دولة في العالم تستورد القمح، وروسيا و أوكرانيا وحدهما ينتجان 31.5% من إنتاج العالم من القمح، مما أدى لارتفاع سعر القمح بعد اشتعال الحرب بينهما، وبالتالي ارتفعت فاتورة استيراده على مصر، وبالتبعية ارتفعت الأسعار على المواطنين.
الاستيراد من الخارج
كما أننا نستورد نسبة كبيرة جدًا من الغذاء، واحتياجاتنا من السلع الأساسية من الخارج، وبتكلفة عالية، وبالتالي تصل هذه السلع للمستهلك المحلي بتكلفة مرتفعة لعدم وجود اكتفاء ذاتي، للأسف، ما يضطرنا للاستيراد من الخارج.
تجار الأزمات
والأسوأ من ذلك، وهو من الأسباب المحلية لارتفاع الأسعار، استغلال بعض التجار لهذه الأزمات برفع أسعار السلع على المواطنين طمعًا في هامش ربح مبالغ فيه، على حساب البسطاء من المواطنين، مما ساهم في تفاقم أزمة الغلاء وزيادة حدتها على الأسواق والناس.
هامش الربح
وهُنا يطالب رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، بتشديد الرقابة على الأسواق لضبط هؤلاء التجار، الذين يتربحون على حساب الأزمات، وضبط هامش الربح الذي لا توجد نسبة محددة له، مما يجعل كثير من التجار يتحكمون في الأسعار بالزيادة كيفما يشاءون ومن ثمّ يتلاعبون بالأقوات، وهو ما يتطلب تكثيف الدور الرقابي على التجار والأسواق لأن الرقابة جزء من النظام الرأسمالي.
انخفاض سعر الدولار
ولتخفيف آثار ارتفاع الأسعار على المواطنين، يقول الدكتور رشاد عبده، إن الإنتاج هو التوجه العاجل الذي لا يقبل أي تأجيل، ويجب أن يكون الملف الأول على طاولة إدارة الأزمة الاقتصادية الحالية، مؤكدًا أن تعزيز الإنتاج سيقلل من حجم الاستيراد من الخارج، مما يؤدي إلى انخفاض سعر الدولار.
المعارض التموينية
ويضيف الخبير الاقتصادي، إلى ذلك، التوسع في معارض وشوادر أهلًا رمضان، التي تعرض فيها الحكومة، السلع الغذائية بأسعار تكاد تكون بسعر التكلفة، وذلك لأنها توفر على الشركات تكلفة الدعاية الإعلانية لمنتجاتها، حيث تضمن لها بيع السلع بمجرد توفيرها للمواطنين بسعر منخفض عن السوق، مما يجعل هذه الشركات تخفض تكلفة الدعاية من تكلفة المنتجات فنجدها تقدمها للمستهلك بأسعار أقل من السوق، وبالتالي ينصح الخبير الاقتصادي بمد فترة هذه المعارض على أن تكون بشكل دائم وليس لشهور معينة.
أهلًا رمضان.. ومخزون الوزارة
وهُنا تواصلت"بوابة الأهرام"، مع الغرف التجارية التي قالت إن مخزون هذه السلع يكفي لفترة معينة، وهو ما يتحكم في مدة إقامة هذه المعارض، ليقترح الخبير الاقتصادي، أن تكون السلع المعروضة، من الشركات المنتجة بشكل مباشر، وليس شرطًا أن تكون من مخزون وزارة التموين والتجارة الداخلية قائلًا: "نحن نتأخر في تدارك الأزمات بسبب أفكار تقليدية لن تنجب حلًا مهما طال أمدها لأنها عقيمة".
المجمعات الاستهلاكية
وضمن إجراءات مواجهة غلاء الأسعار، معالجة نفقات المجمعات الاستهلاكية التي زادت بسبب زيادة العمالة التي وصفها الدكتور رشاد عبده بالمجاملات، مما أثر على هامش الربح لهذه المجمعات، نظير تدبيرها لأجور العاملين، وأدى إلى ارتفاع أسعار السلع فيها بعد أن كانت هذه المجمعات أداة قوية وفعالة في تعويض الفقراء والطبقة المتوسطة عن غلاء الأسعار، قائلًا: "خرجت المجمعات الاستهلاكية عن دورها الرئيسي في دعم المواطنين بسبب ارتفاع تكاليفها نتيجة لحجم العمالة وهو ما يحتاج إعادة نظر لعودة دور المجمعات الاستهلاكية في احتواء الغلاء".
العادات الاستهلاكية
ويشير رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، إلى الناس، فيقول علينا تغيير عاداتنا الاستهلاكية، وأن يكون لديهم أولويات للإنفاق، والبعد عن التفاخر الاجتماعي في بعض المناسبات، وعلى سبيل المثال، جهاز العروسة، الذي يُكلّف الأسرة فوق طاقتها، ويضيّق عليها اقتصاديًا، وهو سبب ظاهرة الغارمات، التي تستدين فيها الأم من أجل أن تجلب لابنتها جهاز عروسة كالذي شاهدته عند بقية فتيات العائلة أو الجيران.
إيرادات الضرائب
ويقول الدكتور شريف الدمرداش، أستاذ الاقتصاد الدولي، اعتماد الإيرادات في الموازنة العامة للدولة على الضرائب بنسبة 76.8% أمر كارثي، يجب أن تتم معالجته على الفور، مشبهًا ذلك بالإنسان الذي يعاني مشكلة صحية في عموده الفقري، كيف يمكنه مواصلة حياته بشكل طبيعي إن لم يعالج هذه المشكلة ؟
هيكلة الموازنة
ويضيف "الدمرداش"، أن نسبة الضرائب في الموازنة العامة، لدول العالم، لا تتجاوز 40% وهو ما يؤكد الخلل الذي تعاني منه هيكلة الموازنة العامة للدولة، مشددًا على ضرورة معالجته، واصفًا هذه الخطوة بالعاجلة التي لا تحتمل التأجيل.
الاستثمار والقطاع الخاص
ومن وجهة نظره، يرى أستاذ الاقتصاد الدولي، أن العلاج يتمثل في تحسين بيئة الأعمال لتنشيط الاستثمار وزيادة معدلات النمو، وتشجيع القطاع الخاص، والزراعة والصناعة، قائلًا: "الحل الوحيد هو الإنتاج".
سياسة الموازنة العامة
ويقول الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد، الموازنة أهم وثيقة مالية للدولة لأنها توضح وتجسد السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدول، وتعبر عن مدى انحيازها الاجتماعي، سواء لمصلحة الفقراء والطبقة المتوسطة، أم تنحاز لمصلحة الأثرياء والرأسمالية الكبيرة، وهل هي موازنة لغرض الاستهلاك أم لبناء المستقبل وللأجيال القادمة ورفع مستوى المعيشة.
مخصصات الدعم والمزايا الاجتماعية
ويشير أستاذ الاقتصاد، في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، إلى الباب الرابع من الموازنة، وهو باب الدعم والمزايا الاجتماعية، ويقول، دعونا نتفق على أن هذا الباب كان مخصص له 356 مليار جنيه في الموازنة السابقة، ونحن في حاجة ماسة، ومُلحّة، وضرورية، لزيادة كبيرة في مخصصات هذا الباب، وعلى سبيل المثال، دعم السلع التموينية يحتاج إلى زيادة كبيرة نتيجة لارتفاع الأسعار.
مخصصات الزراعة والمزارعين
أيضًا، نتيجة لأهمية الزراعة، والمزارعين، وانعكاس دعم الزراعة على الأمن الغذائي، لا يزال بند دعم المزارعين ضئيلًا للغاية، بمخصصات 546 مليون جنيه، خاصةً أن مخصصاته في الموازنة التي تسبقها، موازنة عام 2021، كانت 665 مليون جنيه، متسائلًا: "لماذا تقلّصت مخصصات الدعم الزراعي في الموازنة العامة للدولة؟".
خطة عاجلة
وإضافة إلى ذلك، يقول أستاذ الاقتصاد، نحن بحاجة أيضًا لخطة عاجلة لتنمية موارد الدولة، وتقليل الإنفاق الحكومي، ولا تزال نسبة الإيرادات منخفضة في الموازنة العامة للدولة، مقارنةً بنسبة الإنفاق، والمفترض أن يكون لدينا إيرادات أكبر من ذلك بكثير.
انخفاض نسبة الإيرادات
ووفقًا للبيان التحليلي عن مشروع الموازنة العامة للدولة، 2022-2023، نجد أن نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلي 16.7% مقابل 17.2% عن الموازنة التي تسبقها 2021-2022 وذلك يعني أن نسبة الإيرادات انخفضت بالنسبة للناتج المحلي.
عشرات المليارات
وحتى لو كان الانخفاض بمقدار بسيط، لكن هذا المقدار يُترجَم إلى عشرات المليارات، وبالتالي يكون له انعكاساته، فعندما تقل نسبة الإيرادات، ترتفع في المقابل نسبة العجز في الموازنة، وهذا العجز تلجأ الدولة لتمويله بالاقتراض، وهذا يعني أننا للأسف، ندخل في دائرة أخرى من الدّين، والتضخم أو ارتفاع الأسعار.
السلع التموينية والدعم النقدي
ويؤكد الدكتور كريم العمدة، على أهمية دعم الزراعة، والسلع التموينية، لانعكاس هذا الدعم على ارتفاع الأسعار، وتخفيف الغلاء على المواطنين، قائلًا: "يمكن تعويض الطبقة الفقيرة والمتوسطة عن غلاء الأسعار بشبكة أمن اجتماعي عن طريق التوسع في الدعم التمويني والدعم النقدي خاصةً وأن الأجور لم تشهد زيادة".