على مدخل حارة "خشقدم" بمنطقة الغورية، أو "حوش آدم" كما يُسميها البسطاء يقف المسجد الأفخر أو مسجد الفكهاني بمئذنته السامقة ذات الطراز العثماني متحديا حوادث الزمان بشارع المعز.
أُسس هذا المسجد في عهد الخليفة الفاطمي الظافر بنصر الله عام ٥٤٣هـ/١١٤٨م، وهو من المساجد المعلقة، الذي يُصعد إليه بواسطة الدرج "السلالم"، وقد بني أسفله مجموعة من الحوانيت التي خصصها الخليفة وقفًا خيريًا لخدمة الجامع وطلبة العلم.
الجامع الأفخر أو مسجد الفكهاني
السيرة الذاتية السيئة للخليفة الفاطمي الظافر بنصر الله، وما قيل في حقه من مفاسد خُلقية مع وزيره نصر بن عباس، جعلت المصريين لا يقصدون هذا الجامع للصلاة بالرغم من ضخامة بناءه، فهُجر أكثر من مرة، وبُذلت عدة محاولات لتعميره.
أما عن سبب تسميته بجامع "الفكهانى" فتذكر كتب التاريخ أن أحد الصوفية المنقطعين عن الدنيا، قد أشترى قنطارًا من الفاكهة من أحد أصحاب المحال أسفل المسجد الأفخر، وقال لصاحب المحل:"فرق تلك الفاكهة على من يمر بك طيلة اليوم، فظل يُفرق الفاكهة طيلة اليوم، فلما كان آخر اليوم، وجد الفكهاني أن قنطار الفاكهة ظل كما هو لم ينقص شيئا، فقال له الصوفي: إنك إن عمرّت هذا المسجد سيبارك الله لك في مالك كما بارك في قنطار الفاكهة"، وبالفعل قام الفكهاني بعمراة المسجد، فربحت تجارته، واكتسب المسجد اسمه، فأطلق عليه العامة اسم مسجد "الفكهاني"، ونسوا الماضي الفاطمي القديم.
الجامع الأفخر أو مسجد الفكهاني
في عصر الدولة الأيوبية أُغلق هذا المسجد الفاطمي مثلما أُغلق العديد من المساجد الفاطمية الشيعية وعلى رأسها الأزهر، وفى عام ٧٠٢ هـ تهدمت مئذنة الجامع في زلزال قوى ضرب القاهرة، وفي نهاية القرن التاسع الهجري ومطلع القرن الخامس عشر الميلادي عُني بزخرفته وعمارته الأمير يشبك بن مهدي أحد مماليك السلطان الأشرف قايتباي وأزال من حوله عمائر كانت تحجب عنه الرؤية وفي سنة 1148 هجرية "1736م" جُدد هذا المسجد الأمير أحمد كتخدا.
وللمسجد بابان بحري وغربي يُصعد إليها من خلال بعض درجات تؤدي إلي الداخل حيث الصحن المغطي بسقف منقوش، في وسطه صحن تحيط به أربعة إيوانات أكبرها الإيوان الشرقي.. وتتميز جميعها بالبساطة فلا توجد بها نقوش ولا وزرات رخامية.. أما المحراب فأنه من الرخام الدقيق. وعقده وتواشيحه “أي جانبا العقد المحيطة به” كلها من القاشاني وتتوسطه تربيعة كتب عليها “ما شاء الله”.. ويعلو المحراب شباك مستدير تحيط به كسوة من القاشاني.
وتبقى من الجامع الأصلي الفاطمي الذي بناه الظافر مصاريع البابين الغربي والشرقي.. وكان عليها حشوات محفورة بزخارف نباتية تعرضت للتلف الشديد.. وقامت لجنة حفظ الآثار العربية بترميمها سنة 1919، كما تبقى من الجامع الأصلي مداميك من الحجر تعلو الباب الغربي كتب عليها بالخط الكوفي: "لا اله إلا الله محمد رسول الله".
الجامع الأفخر أو مسجد الفكهاني
يتوسط الجامع صحن مغطى بسقف يتوسطه منور مثمن الشكل. يحيط بالصّحن أربعة أروقه أكبرها رواق القبلة وهو الرواق الشرقي تخلو جميعها من الزخرفة المحراب مجوف مكسو بالرخام. تتوسط المحراب بلاطة من القاشاني عليها عبارة "ماشاء الله 1141هـ". أشرف على إعادة بناء الجامع الشيخ عثمان شلبي شيخ طائفة العقادين .. وألحق بالجامع سبيلاً يعلوه كُتاب.. كما بني بجواره وكالة وسوقا لتجارة الفاكهة .. فعرف الجامع باسمه الحالي.
وقد ذكر علي مبارك في الخطط التوفيقية هذا الجامع باسم محمد الأنور الفكهاني.. وذكر أن بصحنه صهريج وشعائره مقامه من ريع أوقافه، وتقع مئذنة الجامع على يسار بابه الرئيسي، وهي اسطوانية تعلوها قمة مدببة على الطراز العثماني.
بقي إلى أن نشير أن حارة خشقدم أو "حوش آدم" كانت مسقط رأس عددا من المشاهير أمثال الموسيقار محمد الموجي وابن عمه الشاعر عبد السلام أمين، والشاعر أحمد فؤاد نجم، والسياسي البارز أسامة الباز وشقيقه العالم الكبير فاروق الباز.