مع الانتشار الواسع الذي حققه تطبيق الـ"تيك توك" في العالم بشكل عام وفي مصر بوجه خاص، أثار التطبيق جدلًا واسعًا حول استخدامه، لما يحمله المحتوى من مخاطر خاصة الألعاب لإلكترونية، التي تؤثر بالسلب على صغار السن والمراهقين، فضلا عن الاتهامات الموجهة لمستخدمي التطبيق مؤخرًا بنشر أعمال منافية للآداب العامة عليه والسعي وراء تحقيق أعلى نسبة من المشاهدات، على حساب القيم المجتمعية.
موضوعات مقترحة
ويتزامن ذلك مع طلب الإحاطة الذي تناقشه لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشيوخ ويطالب بحظر «تطبيق التيك توك» في مصر وغيرها من التطبيقات التي لا تتوافر في شأنها سياسات ومعايير سلامة الاستخدام لاسيما في قطاع الشباب والنشء.
ولكن يظل التساؤل مطروحًا، هل يمكن حجب تطبيق التيك توك بشكل نهائي في مصر؟ آراء الخبراء حسمت الإجابة على هذا السؤال في السطور التالية...
تقليص الأضرار الناتجة عن التطبيقات الإلكترونية على شبكة الإنترنت
وبهذا الصدد، يقول النائب الدكتور محمد عمارة عضو مجلس الشيوخ عن تنسيقية شباب الأحزاب، وأمين سر لجنة الشباب والرياضة، ومقدم مقترح بشأن حظر تيك توك في مصر وغيرها من التطبيقات التي لا تتوافر بها معايير سلامة الاستخدام، لـ"بوابة الأهرام": لابد من تقليص الأضرار الناتجة عن تطبيقات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، مؤكدًا أن مثل هذه التطبيقات لا تراعي الأبعاد الاجتماعية والسياسية بحيث تبيح ممارسة أعمال تعمل على إفساد المجتمع الداخلي كـ"تحديات الموت، وتحديات إيذاء النفس بشكل قد يصل إلى الموت تحت شعار "تحدي الموت"؛ مشددًا على ضرورة وضع سياسات وضوابط تتناسب مع البيئة المصرية والبُعد عن جرائم إيذاء النفس والاتجار بالبشر.
نسب المشاهدة العالية تدعم التطبيق على هدم القيم
ويتساءل عمارة هل النشاط الاقتصادي الهادف ذو قيمة اجتماعية يحاسب عليه اليتك توك أو أي تطبيق آخر؟، الإجابة هنا «لا يحاسب»؛ لأنه يعتمد على نسب المشاهدة العالية، مما جعل المستهدف من هذه المنصات يحقق الربح عن طريق نسب المشاهد دون مراعاة الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية.
ضرورة استحداث منصات مصرية
وأشار عضو مجلس الشيوخ إلى أنه، تم الاستماع إلى وزارة الاتصالات ووزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة والمجلس الأعلى التنظيم الإعلام، للحديث عن هذا الأمر، لافتًا إلى أن الهدف هو مراجعة التشريعات الخاصة بهذه التطبيقات، ووضع تشريعات أكثر انضباطًا لضمان عدم إيذاء النفس أو أي صورة من صور جرائم الاتجار بالبشر أو الأعمال المنافية للآداب، بجانب البدء في استحداث منصات مصرية والعمل على كيفية تسويقها للمجتمع المصري والخارجي.
النائب الدكتور محمد عمارة
حظر الروابط الإلكترونية
ومن جانبه، يقول المستشار الدكتور أحمد القرماني، الخبير القانوني، وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع: لقد أعطي القانون 175 لسنة 2018، بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات في نص المادة السادسة - الحق لجهات التحقيق والنيابة العامة بحجب الموقع أو المواقع أو الروابط الإلكترونية متى قامت أدلة علي قيام موقع يُبث داخل أو خارج مصر أي عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أي مواد دعائية تعد جريمة بموجب أحكام هذا القانون مثل تهديد الأمن القومي للبلاد.
كيف يتم استغلال المواقع والروابط الإلكترونية في تسهيل ارتكاب الجرائم؟
وتابع، قد جري الواقع العملي أن الكثير من الروابط الإلكترونية تُستخدم في تسهيل الكثير من الجرائم مثل "الدعاية المضللة الغش التجاري، الابتزاز، انتهاك حرمة الحياة الخاصة، السب والطعن في شرف العائلات، الخروج عن القيم المجتمعية كنشر الدعارة أو بث محتوي منافي للآداب، أو استغلال الأطفال والاتجار بالبشر، التعدي علي الأديان بازدرائها، كذلك ترويج المخدرات عبر الروابط الإلكترونية.
ويضيف أن في مثل هذه الجرائم للنيابة العامة ولجهة التحقيق الحق في طلب حجب الموقع ويُعرض هذا الطلب علي المحكمة المختصة المنعقدة في غرفة المداولة خلال 24 ساعة، وتصدر المحكمة قرارها خلال مدة لا تجاوز 72 ساعة، وهو ما أكدت عليه المادة 7 من القانون، وكذلك أعطت المادة 7 سالفة الذكر الحق للنيابة العامة ولجهة التحقيق في حالة الضرورة والاستعجال بتوافر خطر جسيم حال أو وشيك الوقوع أن تأمر جهات التحري والضبط المختصة " الأمن القومي – وزارة الداخلية "، الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بالحجب المؤقت للموقع أو المواقع أو الروابط أو المحتوي الذي يشكل جريمة وفقاً لأحكام القانون، وفي هذه الحالة يلتزم مقدم الخدمة بحجب الموقع على أن يتم عرض هذا الأمر" الحجب" علي جهات التحقيق خلال 48 ساعة من تاريخ إبلاغ جهات التحري للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وفي حالة عدم العرض خلال المدة 48 ساعة يعتبر قرار الحجب كأن لم يكن.
قرار حجب المواقع الإلكترونية يسقط في هذه الحالات فقط
ولفت الخبير القانوني إلى أن للمحكمة أن تأمر بإنهاء الحجب أو تعديل نقاطه، ويسقط قرار الحجب بصدور حكم بالبراءة أو صدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوي الجنائية، موضحًا وتُطبق المواد السابقة في حالة ارتكاب جريمة جنائية تحقق فيها النيابة العامة أو جهة التحقيق وهو ما يعتبر بالحجب الجنائي، كذلك يجوز للنيابة العامة وسلطة التحقيق حجب المواقع والروابط الإلكترونية التي تستغلها الكيانات الإرهابي في التواصل أو نشر الشائعات وهذا ما تضمنته المادة 49و 29 من القانون رقم 94 لسنة 2015.
كيف يتم الحجب الإداري للمواقع الإلكترونية التي تبث محتوى يؤثر على الأخلاق؟
وأضاف أن: أما بالنسبة لـ"الحجب الإداري" يجوز لكل متضرر من وجود أي روابط ومواقع إلكترونية تبث محتوي يؤثر علي الأخلاق والقيم والوطنية والدينية لمجتمعنا أن يتقدم مباشرة بإبلاغ الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لحجب هذا الرابط ومنعه وفي حالة عدم استجابة الجهاز لطلب الحجب يحق لهم إقامة دعوي قضائية مباشرة أمام محكمة القضاء الإداري بحجب الموقع أو الرابط الإلكتروني مثال حكم القضاء الإداري بحجب موقع اليوتيوب لمدة شهر الدعوي رقم 60693 لسنة 66 ق وأيدت المحكمة الإدارية العليا هذا الحكم وكان هذا الحكم بمناسبة نشر فلم يُسيء لرسولنا الكريم.
كما يحق لـ"المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام" رقم 180 لسنة 2018 في نص المواد 4 و 5 و6 صلاحية المجلس في حجب المواقع والروابط والويب في حالة مخالفة الدستور أو التعدي علي القيم المجتمعية أو نشر الفتن والشائعات أو نشر محتوي جنسي أو بث محتوي ينال من الأمن القومي ويحض علي ارتكاب جريمة وفي حالة حجب الموقع أو الرابط إدارياً يحق للمضرور التظلم أمام محكمة القضاء الإداري .
المادة 116 من قانون الطفل
وأشار القرماني، إلى أن واقعنا القضائي زخر بجرائم تعلقت ببث المحتويات الهابطة التي تُقدم سلعًا رخيصة كالتعري والإيحاءات الجنسية والدعوة لعقد لقاءات مخلة بالآداب عن طريق دعوة الفتيات البالغات والقصر علي حد سواء عبر تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، ليلتقوا فيها بالشباب عبر محادثات مرئية مباشرة وإنشاءات علاقات صداقة مقابل حصولهن علي أجر يتحدد بمدي اتساع المتابعين لتلك المحادثات التي تُذاع للكافة دون تميز.
ولفت إلى أنه في حالة تحريض طفل على ارتكاب جنحة بأي وسيلة من وسائل المساعدة حتى ولو لم يبلغ مقصده يُعاقب الشخص المحرض بما لا يجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة؛ ووفقاً لنص المادة 116 من قانون الطفل - ، ويعتبر تعريض طفل للخطر بتحريضه علي ممارسة الدعارة أو نشر الفسق والفجور باستهداف الأطفال عبر المواقع والروابط الإلكترونية بتصويرهم في أوضاع مخلة بالآداب العامة وعرضها علي الإنترنت، أو بإرسال الجاني ببث رسائل إلي قاصر يضمنها عبارات تحضه علي الفسق وإفساد الأخلاق وذلك وفقاً لنص المادة 96 من قانون الطفل.
التشديد على مراقبة أموال المواقع والروابط الإلكترونية
ونوّه الخبير القانوني، أن جرائم تقنية المعلومات قد ينجم عنها جريمة غسل الأموال المتحصلة من تلك الجرائم، وأيضاً أحياناً تكون بعض الأفعال جرائم الاتجار بالبشر كاستغلال الأطفال في الأعمال المنافية للآداب أو استغلال الغير في ارتكاب أعمال الدعارة والفسق والفجور، موضحًا يستبين مما سبق أن حق الدول عامة في حجب المواقع أو الروابط التي تُشكل تهديداً لأمنها القومي واختراقاً لقوانينها وعاداتها وتقاليدها ودينها هو "حق أصيل"، يتعلق بالسيادة الوطنية وهذا ما يحتاج أيضاً من تشديد المشرع على مراقبة الأموال التي يتم صرفها للمرتكبين الجرائم أو الإساءة عبر المواقع والروابط الالكترونية؛ لأن تلك الأموال تُصرف عبر البنوك والتطبيقات التي تخضع لرقابة البنك المركزي.
المستشار الدكتور أحمد القرماني
عملية الحظر غير منطقية وغير عملية
وعلى جانب آخر، يوضح المهندس تامر محمد، الخبير التكنولوجي، وسكرتير عام شعبة الاتصالات بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن عملية الحظر غير منطقية وغير عملية؛ حيث يوجد العديد من الوسائل التي تتجنب الحظر واستخدام هذه الوسائل يعرض مستخدميها للخطر من قبل المخترقين، لافتًا إلى أن ذلك يؤدي إلى التحميل علي شبكة الإنترنت داخل مصر؛ مما يعرض المستخدمين الآخرين للبطء وقلة جودة الإنترنت، لذلك الأهم هو "التوعية"، لتحسين استخدامات الشباب والنشء لمثل هذه التطبيقات.
المهندس تامر محمد
شروط تعجيزية
وفي السياق ذاته، يرى الدكتور علاء الغندور، استشاري العلاج النفسي والتأهيل السلوكي، أن فكرة حظر التيك توك هو بمثابة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، مضيفا أن هناك شروطًا تعجيزية قاسية لمنع أي انحرافات سلوكية لدرجة التعصب؛ حيث إن تطبيق التيك توك يقدم فقرات متنوعة ثقافية وفكرية وغنائية ومنوعات من كل دول العالم، وبالتالي نستفيد منها استفادة كبيرة وتقدم لنا معلومات جديدة منها التاريخية والجغرافية والكوميدية، ذاكرًا أن محاربة الغزو اللا أخلاقي، والذي يدخل كل بيت من خلال المسلسلات المليئة بمشاهد العنف والجرائم بكل أنواعها، بل إنها تعلم الأشرار الاحترافية في ارتكاب الجرائم.
نشر الوعي الإيجابي
وشدد الغندور، على ضرورة زيادة نشر الوعي الإيجابي في المسلسلات وبرامج التوك شو، وتقدير العلماء والمفكرين معنويًا وماديًا وإعطائهم المساحة الكافية لنشر علمهم الإيجابي والتربوي، لافتًا إلى أن تطبيق التيك توك ٢٠٢٣ يختلف عن التيك توك ٢٠٢٠؛ حيث كانت منصة للرقصات والعاريات وهذا أصبح غير متاح حاليًا بعد القبض على الكثيرين الذين ينشرون الرذيلة وهذا الأمر منع نشر مثل ذلك.
الدكتور علاء الغندور